بحس لوني عال وثري قدمت الفنانة نازلي مدكور ما يربو علي خمسين لوحة عن الزهور وأوراق النباتات، تتناولها برؤيتها الخاصة في معرض جاء بعنوان "بشائر الربيع"، الذي افتتح مؤخرا بقاعة "أفق واحد" بمتحف محمد محمود خليل وحرمه، مدكور من الفنانات صاحبات الحس الفني، وصاحبة آراء مستنيرة، لها تاريخ طويل في الحركة التشكيلية، بمناسبة معرضها الأخير وعن أحوال الحركة التشكيلية خاصة بعد الثورة كان ل"روزاليوسف" معها هذا الحوار: • لماذا اخترت الورود كموضوع لمعرضك الجديد؟ - يبدو من اسم المعرض أنني انتجته بعد الثورة؛ علي أساس قولنا بأننا في وقت "الربيع العربي" من أجل الثورات التي تحدث حاليا، لكنني أعمل علي هذا المعرض منذ عامين، وهو جاء بعد معرضي "وجوه نساء"، الذي كان عن النساء المصريات بأشكالهن المختلفة، سواء كانوا من المدينة أو القري أو الصحراء، وبدأ في هذا المعرض دخول بعض الورقيات والورود إلي لوحاتي بدون قصد، وبعد انتهاء المعرض وابتدائي في العمل الجديد وجدت نفسي بشكل لا إرادي ادخل في عالم الورود بشكل أكبر، والحقيقة أن الموضوع عندي لا يكون الهدف من العمل، لكنه ذريعة لقول شيء، وكي انقل حالاً داخليا، فعندما أجد الموضوع يسمح لي التعبير عن المكنونات وعن وضع داخلي اشعر به استخدم موضوعًا، وفي هذا المعرض وجدت موضوع "الورود" طيع كي اعبر من خلاله عن هذا الحال. • أغلب أعمالك ذات موضوعات مصرية علي الرغم من ارتيادك عدة مدن لكنك لم تتناوليها في أعمالك؟ - سافرت خارج مصر كثيرا، لكنني أحب الارتباط بأصولي، فأول سؤال يسأله الإنسان لنفسه هو "من أين أتيت؟ ولماذا انتمي؟"، وأنا حاولت أجد هذه الإجابات من خلال الطبيعة والناس من حولي، فأحاول البحث عن نوع من المصرية، و مع دخولي في مجال الفن وجدت أن هذه المصرية تكونت داخلي، وتخرج بأشكال متنوعة، فلا يكفي أن أضع امرأة مصرية في لوحة كي أعبر عن أنني مصرية، فكثير من الفنانين الأجانب رسموا مصريين وهذا لم يعطي الإحساس بالمصرية في لوحاتهم مطلقا، وحقيقة أن الموضوع يدخل أكثر في حالة سمات المنطقة، لكن أظن أن هذا من الممكن أن يكون صعبًا علي المتلقي إيجاده، بالطبع "المصرية" كلمة مطاطة كبيرة لم تغلق علي أشياء معينة، والبعض يتصورون أن المصرية كانت ماضيا أغلق عليها ونأخذ منها حاليا، لكن المصرية حدث لها تطور كبير جدا، مدخلات كثيرة من بلاد وحضارات أخري انصهرت فينا، وأصبح المصري اليوم يختلف اختلافًا واضحًا عن المصري القديم، ويوجد سمات مشتركة مع القديم، وأخري أضيفت له، وغيرها انعكاس لمعايشته في العالم الذي ينتمي له، لكن الفنان العصري يطمع أن يقدم نبض العصر الذي يعيش فيه، بالطبع أحيانا يشير إلي أشياء رومانسية تنتمي للفكرة النمطية لما هو مصري وهذا جميل ذكره، لكن في النهاية الإنسان يحب الشعور بأنه ينبض بنبض العصر الذي يعيشه. • قمت بعمل رسوم لكتاب ألف ليلة وليله عام 2005.. لماذا لم تتناولي هذه التجربة مرة أخري؟ - هذه التجربة عرضت علي في أواخر عام 2003 وطبعت في عام 2005، وسعدت دار النشر بالتجربة، وكانت بالنسبة لهم تجربة ناجحة، وطلبوا مني تجربة أخري وكان التفكير أن يكون الكتاب الجديد هو "مجنون ليلي"، بعد ذلك قابل دار النشر صعوبات اقتصادية في ظل ظروف الوضع الاقتصادي العالمي في هذه الفترة؛ لأن هذه الكتب مكلفة جدا ويباع الكتاب منها بحوالي خمسة آلاف دولار وهو كتاب متحفي، وتوقفت الدار بعد ذلك عن استكمال إصدار طباعتهم. كما أنني لم اتجه لهذا الاتجاه بشكل عام في مصر. • قدمت كتاب عن المرأة المصرية في الإبداع الفني، كيف ترينها؟ هذا الكتاب أنجزته عام 1989، وفي هذا الوقت كان لا يوجد كتاب يقدم تجربة المرأة في الفن، وعندما عرض علي الأمر قمت بانجازه، وتصورت أن يصدر كتب أخري عن إبداعات المرأة، لكنه ظل مدة طويلة حتي صدر أخيرا منذ عامين كتابان لكنهما ضعيفان، لكن كتابي للأسف لم يستثر النقاد للكتابة بشكل أكبر عن تجربة المرأة في الفن التشكيلي وهي تجربة ثرية جدا تستحق إظهارها، خاصة انه حينما نذكر عدد 11 من الرواد لابد أن نذكر منهم علي الأقل ستة نساء، ليس بمنطق "الكوتة"، بل لقدرتهم الفنية العالية وإسهامهم العالي في مجال الفن التشكيلي في هذه الفترة، وبالطبع لم يتوقف إسهام المرأة وإن كان خفت بشكل كبير في التسعينيات وحتي عام 2003، ثم صعد بعد ذلك من جديد وخصوصا الشباب، وكثير لهم إسهامات قوية ذات شأن. • ما رأيك في الحركة التشكيلية قبل الثورة؟ وهل تغيرت ملامحها بعد الثورة؟ - الوقت قليل جدا كي نقول أن ملامحها تغيرت، لكنني أري أن التصوير الفوتوغرافي قوي بشكل مذهل، لكن نماذج الفن التشكيلي التي رأيتها ليست في نفس القوة، وهذا طبيعي لأنه حينما يحدث واقع قوي كالثورة يكون الفن التشكيلي تقليديا وضعيفًا، لكن من المحتمل بعد أن تختمر الثورة بداخل الفنانين ستخرج بشكل آخر غير تقليدي، فلا يكفي أن يقلد الفنان صور الثورة. المشهد السابق للفن التشكيلي في الخمس سنوات الأخيرة قبل الثورة أن الجاليريهات الخاصة بدأت تؤكد من وجودها، ووجود متلقين لها، وتضاءل بشكل كبير دور وزارة الثقافة، لأن وزارة الثقافة لم يكن دورها تسويق أعمال الفنانين، بل عرض الفنانين، وأري أنه لم يكن يوجد خطة جيدة لهذه المهام، ولا استراتيجية جيدة، بل كانت مفككة علي الرغم من وجود فعاليات ومعارض جيدة، وبدا الوضع كأنهم يدخلون في منافسة علي دور ليس من أدوار وزارة الثقافة، فدورها هو تدعيم الفنان، وخلق مناخ يسهل له مهمته سواء كان في الداخل أو الخارج، ويجب أن يكون عندها الجهاز والمال الذي يساعدها علي القيام بهذه المهمة، وللأسف لم تنجز هذه المهمة، ولا أعرف لماذا؟، وأري أن الفرصة كبيرة جدا أمام وزارة الثقافة، والفترة القادمة مهمة لأن الجاليرهات الخاصة سيقل دورها؛ لأن الطلب علي شراء وتسويق الفن سيقل بشكل كبير جدا. • كيف ترين المطالب الفئوية والمشاكل التي يمر بها المجتمع حاليا؟ وفي رأيك متي ستصل مصر للاستقرار؟ - طبيعي أن يحدث اضطرابات بعد الثورة، خصوصا أنها تمت بعض نظام استمر مدة طويلة، المسألة في رأيي ستأخذ بعض الوقت حوالي عامين كي نصل للاستقرار، وأنا لا تضيرني المطالب الفئوية، هي لأشخاص حرموا من أشياء كثيرة، ولهم مطالب مشروعة جدا، ولم ينظر إليهم أحد، ولابد أن تحل مشاكلهم، لكن المشكلة الحقيقية في الأمن، فالبلطجية، والمطالب الفئوية، والسياحة مشاكلها هي الأمن، وإن حلت ستحل كل المشاكل، فهل نحن دولة قانون أم دولة مساطب!!، نحن دولة قانون لابد أن يسير علي الجميع سواء مسيحيا أو مسلمًا أو غيره، فكلنا بشر علينا حقوق وواجبات يجب أن يسير علينا القانون. • ما توقعاتك لمصر في الفترة المقبلة؟ - عندي أمل كبير في المستقبل البعيد، وما يعطيني الأمل أننا خلال الأربعة أشهر الماضية مع متابعة الأحداث نجد أنه برز علي السطح عدد لا يستهان به من الأشخاص الواعين، يستطيعون التحدث والتعبير عن أنفسهم، سواء أتوا من قاع المجتمع أو قمته، وهؤلاء لم نكن نسمعهم أو نراهم من قبل، وهذا يعطيني نوعًا من الثقة و الأمل بأن مصر لا تترك لعبة في يد أي أحد، والشباب يعطيني الأمل أنهم يتحدثون بجدية، لكن ما يضايقني هو المساحة التي أعطاها الإعلام للسلفيين والتوجهات الإسلامية المتشددة؛ لأنني أري أنها متاحة لأكبر من مساحتهم الحقيقية.