كانت مصر تنعم بالإدارة الذاتية في الأحياء عن طريق المجالس البلدية، وهي النظم الإدارية التي حلت محلها المحليات (الفاشلة). ولعلنا نتذكر المجلس البلدي لكل حي، وطريقة اختيار أعضائه من المتطوعين من سكان الحي، وهو النظام الذي استوردته "اليابان" من مصر عام 1917، ومازال لليوم هو النظام القائم في الإدارة المحلية بمدن وأحياء "اليابان". بل إن نظام المجالس البلدية، قمنا بتصديره لجميع الدول العربية، ومازال هذا النظام قائماً ويؤدي دوره بامتياز في بلدان العالم الذين استوردوه من مصر، وهذه حقيقة وليست افتراضاً أو افتراء علي تلك البلاد أو المدن المستخدمة لهذا النظام. أما فكرة اللجان الشعبية، فنحن أيضاً الذين ابتدعناها في (حرب 1956) حينما هاجمت قوات ثلاث دول مصر، تحت غطاء دعوي بالحفاظ علي الملاحة البحرية في (قناة السويس) عقب تأميم الرئيس "جمال عبد الناصر"، لهذا المرفق الدولي في (يوليو 1956) وفي (29 أكتوبر) من نفس العام أي بعد أقل من ثلاثة شهور هاجمت إسرائيل الحدود المصرية لكي تصد القوات المسلحة المصرية العدوان في (شبه جزيرة سيناء)، ثم تتلقي القاهرة إنذاراً إنجليزياً فرنسياً، بضرورة الانسحاب لمسافة عشرة كيلومترات غرب وشرق قناة السويس للقوي المتحاربة (إسرائيل، مصر)، وظهرت خيوط المؤامرة، وهنا انسحب الجيش المصري لغرب (قناة السويس) وحولها، وبدأت الحرب الثلاثية علي مصر، وخرجت القوات المسلحة مع القوات الشعبية (اللجان الشعبية) أو (الحرس الوطني) كما نحب أن نسميها، ووقف شعب مصر كله خلف قواته المسلحة، ولجانه ودفاعه الوطني للدفاع عن مدينة (بورسعيد) الباسلة وسطرت منذ ذلك التاريخ قصص بطولات وطنية وملحمية عن إرادة شعب مصر، وقام "جمال عبد الناصر"، من فوق مبني الجامع الأزهر بدعوة المصريين للدفاع عن الوطن، وقال قولته الشهيرة (سنقاتل، سنقاتل، سنقاتل) وانتصرت الإرادة المصرية وخرج آخر جندي استطاع الهبوط في أراضي (بورسعيد) يوم (23 ديسمبر) من نفس العام 1956، وكانت اللجان الشعبية هي المسيرة للأمور والحامية للأراضي المصرية، والثروات المصرية. وهكذا أيضاً حينما اختفي الأمن في ظروف غامضة مساء يوم (28يناير 2011) وأصبحت مصر بلا أمن نظامي، وخرجت علي المصريين أطياف من البلطجية سواء المنظمة أو غير المنظمة، وكذلك هروب المسجونين من السجون، إما بطريقة منظمة أو أيضاً غير منظمة فهذه متروكة للتحقيقات وليست قضية هذا المقال!. لكن تشكلت بصورة تلقائية لجان شعبية في كل حارة وكل شارع وكل ميدان في جميع مدن مصر وقراها، لكي تدافع عن أموال وأعراض وثروات "البلد" سواء عامة أو خاصة، وهكذا وقفت اللجان الشعبية بإرادة حرة دون تنظيم من أحد، سوي الإرادة الشعبية لحماية الوطن، والقيام بدور الأمن المختفي من أرجاء البلاد. أما أن يقوم وزير الداخلية أو الحكومة المصرية بتشكيل لجان شعبية لمساعدة جهاز الأمن الشرطي في البلاد والحياة شبه طبيعية فهذا خلط للإدارة سلبياته أكثر من إيجابياته. وبعد الإعلان عن عودة الشرطة وكذلك تضمين عودتها بقرارات قضائية من مجلس الوزراء ومساندتها من القوات المسلحة فهذا يعتبر علي سبيل العبث أن ندخل الشعب في للجان لحماية أو المساعدة في حماية الوطن بأعمال شرطية! ولعل عودة المجالس البلدية للحياة هي الأفضل وعودة شيخ الحارة إلي موقعه من الإدارة في المحليات هو الأوقع، والأنفع ليس فقط في حالة طارئة ولكن كيفما كان الحال في مصر، وكيفما هو الآن في جميع البلاد التي صدرنا لها هذا النظام، وعلي رأسهم دولة اليابان!