لأن الأدب إحدي أدوات التوثيق التي يستعين بها المؤرخ في عمله، كان من المهم مناقشة ما تمت كتابته من رواية ويوميات وقصائد شعرية وحتي الشهادات التي تحدثت عن ثورة "25 يناير"، وطرح سؤال: هل هذا المنتج يمكن أن يعد وثيقة معتمدة لكتابة التاريخ؟ فرد عليه عدد من النقاد المتابعين والذين حللوا الإنتاج الأدبي الحديث، أي ما تم إنتاجه عن ثورة "25 يناير" في الأشهر القليلة الماضية. أكد الدكتور عبد المنعم تليمة جدارة المنتج الفني بأن كونه وثيقة تاريخية، مستشهدا في إجابته بقوله: "الأدب، والإبداع الفني عامة، أقوي شهادة علي جوهر المرحلة التاريخية الاجتماعية التي أثمرته". وأضاف: العمل الأدبي ليس تأريخا ولا توثيقا، وإنما هو دلالة علي مستوي تطور الجماعة في مجري التطور الإنساني العام، لا يقف عند الرفض الوقائعي ولا عند الجزئي والعارض، إنما يصطنع طاقة الخيال وإمكاناته ليصوغ اللحظات الأربع: "ما كان"، و"ما يكون"، و"ما سيكون" و"ما ينبغي أن يكون". لهذا كله فإن الإبداع يمنح البشر (المعرفة) الأكثر جوهرية وشمولا، إنها المعرفة الجمالية للواقع والمجتمع والعصر والتاريخ والعالم والكون، وتتجاوز بعض الإبداعات مرحلتها إلي كافة مراحل الجماعة، ويتجاوز بعضها تاريخ الجماعة إلي فضاء الوجود البشري، إنها خوالد الإبداعات الفنية في التاريخ الإنساني. وواصل تليمة: ثورتنا -ثورة يناير الراهنة- جزء عزيز من مرحلة النهضة المصرية في التاريخ الحديث والمعاصر. ولقد أنجزت -تحت أعيننا- إبداعات صاغتها طلائع هذه الثورة المجيدة: في التشكيل، والأداء، والتمثيل، والغناء والشعر. أبدع جدد ومرموقون إبداعات مبكرة ومبشرة وناضجة، بل إن بعضهم أنجز معارض كاملة فردية وجماعية، وجداريات وحواريات وقصصًا. وأنجز شعراء جدد ما يبشر، بل لقد أنجز بعض الكبار من شعرائنا دواوين كاملة، لكن أشكالا من الإبداع المركّب -كالرواية- تطلب مساحة زمنية لازمة للتأمل والاستيعاب والعيش في فضاء المثل الأعلي الجيد والنموذج المستقبلي لإنسانية مصرية تتشكل، وهي آتية لا ريب. وكل البشائر تؤكد بيقين أن هذه الثورة القائمة الدائمة بالإصرار والاستمرار، ستبدع علامات باقيات تضيف إضافات مرموقة إلي تراث الإنسانية. الأستاذ الدكتور سامي سليمان أستاذ النقد العربي الحديث بجامعة القاهرة، جاءت إجابته من خلال دراساته للأعمال الأدبية التي عرضها في عدد من الندوات المختلفة، يقول سليمان: "يمكن التفريق بين نمطي الكتابات الأدبية التي تتعامل مع الأحداث التاريخية الكبري كالثورات. فثمة نمط أقرب إلي المباشرة يعتمد علي تسجيل الوقائع مع تدخل الكاتب في اختيار بعض التفاصيل التي يراها اكثر اهمية من غيرها، ولكن الطابع التسجيلي لا يفرق كتابات هذا النمط وغالبا ما ينتج هذا النمط في آتون الأحداث كما أن كثيرا من نماذجه غالبا ما تنشر في الجرائد والمجلات ويقترب هذا النمط من الكتابة التاريخية ومن ثم يمكن أن يعد مصدرا مناسبا من مصادر التأريخ للثورات والأحداث الكبري. وأما النمط الثاني فهو النمط الأدبي الذي يقوم علي اختزال الكاتب لمجموعة من الخبرات الإنسانية والاجتماعية المرتبطة بالأحداث الكبري وتعمقه في تأملها لفترة تمتد إلي عدة سنوات، وحينئذ ينتج كتابة إما أن تكون عاكسة لرؤيته الخاصة للحدث التاريخي أو محاولة الجمع بين رؤيته الخاصة ورؤية جمعية لجماعة أو شريحة اجتماعية، وهذا النمط يتجلي في عديد من الأعمال الأدبية الكبري ومنها الثلاثية علي سبيل التمثيل لا الحصر، ويمكن أن تكون كتابات ذلك النمط مصدرا للتأريخ. ومن جانبه قال الدكتور سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة القاهرة: فعلا هذه هي القيمة الأساسية لما يكتب الآن من الأدب سواء كان أدبا أو شعرا، فمثل هذه اللحظات يصعب البحث عن الجمال والقيم الفنية وغيرها، فالأدباء يسعون للإمساك باللحظة وتسجيلها، ربما يعودون هم أنفسهم أو غيرهم لكتابتها مرة أخري، في أشكال أكثر جمالا وإتقانا، فما صدر حتي الآن من كتابات يوميات أو قصائد شعرية هو أقرب إلي التسجيل أو التحريض أو التمجيد، وهذا مهم في ذاته وننتظر تحويل كل ذلك إلي أعمال فنية مكتملة إبداعيا".