قصة / حمدى الجزار ظهيرة جمعة28 يناير.. دبتْ الروح في جسد الكائن المصري، في قلبه، ومخه، وحواسه، فانتبه. أخيرًا تململ من طول رقدته علي سرير السكون والصمت، تقلّب في فراشه ثم بدأ يفتح عينيه ببطء، ويحرك جسده الهائل، وهو يستيقظ من سُباته الطويل. أخذ نفسًا عميقًا، وفرد أياديه العظيمة، وتثاءب وهو يتمطع، نفض عنه الغطاء، ونزل عن سريره إلي الأرض. دعك عينيه بقوة نافضًا عنها بقايا النوم، واعتياد الظلمة، وزفر، وهو يدفع الباب بطرف إصبع. انفتح أمامه المشهد فأبصر الشوارع، والبيوت، والأشجار والسماء، فاقتنع أنه عاد إلي الحياة، وابتسم بفرح. قام منشرح الصدر وخرج للشارع، وبدأ أولي خطواته في الهواء الطلق، لسعته نسمة يناير الباردة فتلقاها بنشوة عارمة، تحرك للأمام، هرول، وجري، فرد أذرعه اللانهائية، وفتح كفوفه، ورفعها لفوق، نظر للبلاد، وللسماء وللأرض، وصاح بكلمات قليلة كالرعد، مشرعة في وجه السبات، الموت.. وقع خطواته علي التراب، والأسفلت، والأرصفة، والبلاط، تمحو الأوهام، وشكوك الخمود، وتهز الجبل، والأرض. حركة الرجال والنساء، الشباب والأطفال والعجائز، المكوّنين له، تطرد البرد، وجليد القلب. اندفاع جموعه للأمام، انصبابها في اتجاه الميادين الواسعة، مارثون ضد القهر. الشهيق والزفير، الصياح والهتاف، إيقاع الحركة والأمل، في الشوارع والميادين، لون البرق، صوت البركان والرعد. ظهيرة الجمعة، بامتداد الدلتا والصعيد، من البحر لمدخل النهر، من الإسكندرية لأسوان، في القاهرة، الجيزة، في كل مكان، شارع وميدان، ودرب، كان كل شيء يوقظ الموت، يبعث الأموات. هدير الكائن المصري، في الميادين والشوارع، زئير غضب يتصاعد، يرج الهواء، يصعد للسماء، ويخترق حيطان البيوت والشقق، وينبه الغافل المستكين، والنائم، والساكن، والمريض، ويبعث الجميع من جديد. وفي البيوت، والعمارات، والأبراج، هرعت إلي الشرفات والنوافذ والبلكونات أقدام، وأيد متعجلة، مسرعةً فتحتْ الشبابيك، الزجاج، والضلف والشيش، وأطلتْ من الطوابق المنخفضة والعليا، وجوه ذاهلة، وعيون متشككة، تحدق إلي الكائن المصري، إلي جموعه، في الأسفل، في الشوارع والطرقات، مشدوهة، وغير مصدقة. انتصبت أجساد في وقفتها ذاهلة، وتدلت أخري ولوّحت محيية وصائحة، وحاول البعض تثبيت المشهد الجليل للأبد، فأخذوا يلتقطون الصور، ومقاطع الفيديو، وتجمد آخرون في نوافذهم وشرفاتهم، تماثيل مفتوحة العينين، والقلب