أخيرا .. أصبح للحوار معني مشروع ممر التنمية هو مشروع في رأس الدكتور فاروق الباز، وهو يري أنه يستطيع أن يخرج مصر من صفوف الدول النامية إلي التقدم والرقي، بدأت فكرة المشروع منذ عام 1982 ولم ينفذ بالطبع، فالفساد كان متحكما في كل المنافذ، وكانت له الأولوية علي كل شيء، ومن ثم فلم يكن هناك مكان في أجندة النظام السابق لتنمية أو لغيره. الدكتور فاروق أعاد طرح المشروع من جديد بعد الثورة، نظرا لأهميته الكبيرة، فهو مشروع ضخم، وطبقا لتقديرات الباز فإنه يمتد من الإسكندرية إلي حدود مصر والسودان ويوازي وادي النيل من جهة الغرب مع ربط الوادي والدلتا بالممر وتكون فيه توسعات زراعية وعمرانية ومدن ومناطق صناعية وخط سكك حديدية وإنشاء محطات كهرباء ومياه فهو مشروع للأجيال القادمة وايجاد فرص عمل حقيقية للشباب في المستقبل. لكن هناك أقلاما وعقولا (وبعضهم لا يمكن التشكيك في نزاهته ووطنيته) يقللون من أهمية المشروع ويرون أنه وهم كبير، ولأن الموضوع كبير، والقضية خطيرة فإن "روزاليوسف" تفتح السجال حولها، فأخيرا أصبحت الحوارات في مصر لها معني لأنها تدور حول أمور بالفعل تهمنا جميعا. و بالطبع فإن البداية في هذا الحوار من الدكتور فاروق الباز نفسه الذي ننشر له مقالة مطولة كتبها للرد علي الانتقادات التي تواجه المشروع، ليكون بداية لحالة من الجدل حول المشروع سواء من حيث الفكرة أو التطبيق، والدعوة عامة. المحرر الرد علي معارضي ممر التنمية أولا: مشروع الممر ليس للزراعة فقط ولكنه لتوسيع مساحة المعيشة وكل نشاطاتها شاملا العمران والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وفتح مجالات جديدة لشباب مصر لحياة كريمة ورحبة في بيئة صالحة تؤهل للإبداع والابتكار. ثانيا: لقد اقترح الممر فوق الهضبة الجيرية المستوية التي تحد غرب وادي النيل لأنها مسطحة لا تشقها أودية عميقة لذلك تصلح لإرساء البنية التحتية مشتملا ذلك علي طريق سريع وخط كهرباء وأنبوب ماء لاستخدام الإنسان بالإضافة إلي المشاريع المستقبلية لإنتاج الطاقة الشمسية والتوسع أفقيا دون الإيذاء بالأراضي الخصبة في وادي النيل والدلتا. ثالثا: لم اقترح اطلاقا الزراعة فوق الهضبة الجيرية غرب وادي النيل، الزراعة مقترحة أن تكون في الرواسب النيلية والأراضي المستوية بين غرب النيل وأسفل شرق الهضبة وكذلك غرب الدلتا. توضح الخريطة الجيولوجية الرسمية لمصر ان هناك مساحات من الأراضي النيلية القديمة الموضحة باللون الأحمر في شكل «1» ومساحاتها 640 ألف فدان، كذلك توضح صور الفضاء أن المساحات من الأراضي المغطاة بالتربة وبعضها مستوي تماما تزيد مساحاتها علي 10 ملايين ونصف فدان، هذه المساحة مقترحة للتوسع في الاعمار والتنمية بكل أنواعها وهي مبينة باللون الأبيض في شكل «1»، إذا ما أمكن استصلاح 5% فقط من هذه المساحة فهي تصل إلي 520 ألف فدان «وغالبا ما يمكن زراعة 20% من مساحاتها الكلية أي أكثر من 2 مليون فدان» معني هذا أن الأرض النيلية القديمة «تبعا لخريطة المساحة الجيولوجية» مع 5% من الأراضي المستوية المتاخمة لها تصل إلي 1.160.000 فدان «مليون ومائة وستين ألف فدان» ولذلك ذكرت أن هناك نحو مليون فدان علي الأقل علي طول الممر المقترح تصلح للزراعة. يلزم التوقف عند مساحة الأرض المنبسطة التي يمكن استخدامها في المعيشة والانماء شرق الهضبة التي تحد وادي النيل وغرب الدلتا وهي عشرة ونصف مليون فدان أي تقريبا ضعف الأراضي المستخدمة حاليا وهي الغرض الأساسي من مقترح ممر التنمية، إذا اتضح أنه يمكن زراعة 20% من مساحاتها الكلية هذا يصل إلي أكثر من 2 مليون فدان، السواد الأعظم من هذه الأرض المستوية والقريبة من أماكن التكدس السكاني الحالي يمكن أن يستخدم في إقامة المدن الجديدة والقري والمصانع والمتاجر والمخازن وما إلي ذلك من نشاط تنموي علي مدي مئات السنين مستقبلا. هذا أمر مهم جدا لسببين الأول تبعا لوزارة الزراعة هو أن التعدي علي الأراضي الخصبة في وادي النيل والدلتا يساوي 30.000 فدان سنويا، وهذا يعني أنه إذا استمر الوضع الحالي علي ما هو عليه فسوف تختفي الأراضي الخصبة بعد 183 سنة، والسبب الثاني هو أن الاحصائيات تؤكد أن تعداد السكان الحالي وهو 80 مليون نسمة سوف يزداد في عام 2050 ليصل إلي 140 مليون نسمة أي إضافة 60 مليون فرد إضافة علي التعداد الحالي، لذلك يلزم من الآن أن نفسح الطريق للحد من التعدي علي الأراضي الخصبة وفتح مساحات جديدة لمعيشة الأجيال القادمة. رابعا: لم يأت ذكر استخدام المياه الجوفية فوق الهضبة لا من قريب أو من بعيد، المياه الجوفية المقترح استخدامها هي داخل وادي النيل أي ما بين النيل والهضبة، مثلا أثبت الجيولوجي القدير الدكتور البهي عيسوي أثارا لفرع قديم للنيل غرب كوم أمبو، اختار هذه المنطقة لدراسة الدكتوراه أحمد جابر الذي يعد الدكتوراه تحت إشرافي مع زملاء في جامعة بورسعيد، وهناك قد اكتشف مجموعة من هياكل التماسيح 50 كيلو مترا غرب النيل، وتوجد تحت المنطقة مياه جوفية أصلها هو نهر النيل نفسه، حيث تنشع المياه في التربة والصخور المسامية حول النهر وتجدد علي الدوام، اثبات ذلك هي المزارع الموجودة حاليا في المنطقة وعشرات أخري مثلها تستخدم المياه الجوفية علي طول المسار، كما توضحه الصور المكبرة للمواقع المبينة في شكل 2. خامسا: قيل إن أنبوب مياه الشرب يستدعي 10 محطات لرفع المياه علي المحور الطولي، هذا خطأ لأن نقطة بداية الرفع فوق الهضبة هي أعلي نقطة علي الممر لذلك فإن المياه سوف تسير من الجنوب إلي الشمال بالضغط الذاتي، كما أن الفارق بين ساحل بحيرة السد العالي ونقطة البدء هي 300 متر وهو ما يتطلب الرفع بالطريقة المثلي هندسيا كما هو مبين في شكل3. سادسا: جاء في المعارضة أن الاحتياج الشخصي من المياه دون الزراعة هو 4 مليارات متر مكعب، أنا لا أعرف ما هو القصد من هذا الكلام، مطالب الناس من المياه في الشرب والطهي والمعيشة علي ضفاف النيل أو غربه واحدة إينما كانوا فلا زيادة في ذلك إطلاقا. سابعا: استخدم المحور العرضي الموصل إلي منتصف الدلتا في طنطا للقول بإنه يستدعي نزع الملكية، صاحب هذه المقولة لم يع أن مسار المحور هو الطريق الأسفلتي الحالي ما بين طنطا وكفر مجاهد ومنه إلي طريق اسفلتي حالي يؤدي للخروج من المنطقة الزراعية غربا في اتجاه المحور الطولي، لقد تم تحديد المسار كما هو حال المحاور العرضية الأخري بمساهمة الدكتورة إيمان غنيم أستاذة الجغرافيا بجامعة طنطا، كان أهم القواعد هو عدم نزع ملكية أي أراض ومن هنا نؤكد أن ممر التنمية من أهم أغراضه هو الحفاظ علي أراضي مصر الخصبة وبناء المدن والقري والطرق وما إليها خارج الأراضي الخصبة لضمان حياة كريمة لنا وللأجيال المقبلة. ثامنا: أحد منافع ممر التنمية هو ربط مشروع توشكي بباقي الوطن بجميع أنواع النقل، توشكي ليس مشروعا فاشلا ولكنه مشروع لم يكتمل، وربطه بمراكز التكدس السكاني يؤهل نقل الناس إليه ونقل المنتجات منه إلي جميع أنحاء الوطن بسرعة وسهولة وأمان، أي أن ممر التنمية يحيي مشروع توشكي. تاسعا: السبب الأساسي لاقتراح تمويل المشروع بالاكتتاب المصري العام هو أنه لابد أن يكون ناجحا ومربحا علي المدي الطويل، إذا تم ذلك لا يلزم الحكومة أن تصرف علي جزء منه بل تقنن العمل فيه وتتركه لزمام الناس، هكذا يمكن للحكومة أن تخصص أموال الدولة في المشاريع الوطنية المهمة مثل تنمية سيناء وأي مشاريع أخري في الوادي الجديد أو الصحراء الشرقية تلتزم بها الدولة. في حقيقة الأمر القول بأن تنمية سيناء أولي بدعم الدولة صحيح تماما، أنا من أنصار ذلك منذ أن بدأت في دراسة الصحراء المصرية في منتصف السبعينيات، وبالنسبة لسيناء فقد شاركت زملاء بمعهد بحوث الصحراء في دراسة هذا الجزء الغالي من الوطن وصدر كتاب عن هذه الدراسة من المعهد في منتصف التسعينيات، واليوم يشاركني الزميل مصطفي بكر الذي يعد الدكتوراه في جامعة الأزهر في العمل علي تحديد المواقع الصالحة للزراعة بوسط وشمال سيناء وما بها من مياه جوفية وتقيم ما يصلها من أمطار يمكن تخزينها، وسوف يتم نشر تلك النتائج قريبا. كذلك فكان انماء الوادي الجديد غرضا لدراسة مع الزملاء في قسم الجيولوجيا بجامعة عين شمس منذ البدء في تصوير صحارينا من الفضاء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وقام المهندس حسب الله الكفراوي بعدة مشاريع مجدية في سبيل إنماء جنوبالوادي ودرب الأربعين، نتج أيضا عن تفسير صور الرادار الحديثة اقتراح تواجد المياه الجوفية في جنوب المحافظة في ما يعرف حاليا بشرق العوينات، حيث شاركت الدكتور محمود أبوزيد في تشجيع استصلاح أراضيها، واليوم تم اختيار مواقع جديدة شرق وغرب وشمال هذه المنطقة بالتعاون مع مؤسسة «رجوا» حيث إن إنتاج القمح بالرش مع استخدام الطاقة الشمسية قد نجح هناك نجاحا عظيما. وفي الوقت الحالي يعمل معي الزميل محمد عبدالكريم الذي يعد الدكتوراه في جامعة قنا وهو يستخدم الصور الفضائية والمعلومات الحقلية لتحديد الأماكن الصالحة للزراعة في وادي قنا والأودية المجاورة بالصحراء الشرقية، كما ثبت نجاح هذا العمل في وادي كوم امبو من قبل. معني هذا أننا لم نغفل عن سيناء أو الوادي الجديد أو الصحراء الشرقية، كل صحاري مصر تستدعي الدراسة وخاصة لغرض التنمية، تستدعي هذه الأماكن دعم الدولة لما يتم فيها من مشاريع. لذلك اقترحت الهيئة غير الحكومية لتحقيق ممر التنمية إذا ما ثبت جدواه الاقتصادية كمشروع مربح علي المدي الطويل، هذا وتكلفته تفوق ما تستطيع الدولة الانفاق عليه حاليا لذلك يكون دور الحكومة هو تقنين العمل في كل مرافقه حتي نضمن العمل المتميز السريع والمجدي بشفافية والحفاظ علي حقوق كل من شارك في دعمه ماليا ولكي يصب في نهاية المطاف في الخير للمواطنين. عاشرا: مقترح ممر التنمية خضع للدراسة بواسطة 41 خبيرا متخصصا تحت إشراف الدكتور محمد فتحي صقر بوزارة التخطيط، هذه الدراسة هي التي خرج منها تقدير التكلفة الإجمالية 23.7 مليار دولار، بناء علي هذه الدراسة تنظر الحكومة حاليا في الإعلان عن دراسة جدوي تفصيلية من هيئة غير حكومية للتأكد من صحة الدراسة قبل اتخاذ القرار فيه. هذا وأعتقد أن الاعتراضات في وسائل الإعلام مؤخرا قد نبعت من عدم معرفة بتفاصيل المشروع كما ورد في كتابي أو مقالاتي عنه، أعلم أيضا أن ما سلف لن يحد من الكلام ضد المشروع، وهذا وارد لأن أي شيء في الدنيا نجد أن هناك من يعضده ومن يخالفه وفي بعض الاختلاف فائدة إذا ما نتج عنه تصحيح المسار. الغرض الأساسي لسرد ما سلف هو دعم الشباب الذين عملوا كادحين في سبيل نشر العلم والمعرفة عن ممر التنمية، إن احترامي ودعمي للجيل الصاعد من أبناء وبنات مصر يفوق أي مشادات تهبط العزائم أو تقلل من حماس جيل الثورة في العمل الدؤوب لمستقبل أفضل، ويعلي الله كلمة الحق ويهدي من يشاء ولا يصح إلا الصحيح. بقلم : د . فاروق الباز