صدر مؤخرا عن دار نشر "هوتون ميفلين هاركورت" كتاب "القدس..كيف أشعلت المدينة العتيقة عالمنا المعاصر " لمؤلفه الكاتب جيمس كارول الكاهن الكاثوليكي السابق وصاحب كتاب "سيف قسطنطين" المثير للجدل عن تاريخ معاداة المسيحية للسامية. وفي كتابه الجديد يستدعي كارول التاريخ ويجوب بين زوايا علوم الأنثروبولوجيا والجغرافيا وعلم اللاهوت وعلم النفس الاجتماعي ليرصد العنف الذي ولده الصراع علي أحقية مدينة السلام التي تمحورت حولها سياسات عالمنا المعاصر باعتبارها رمزا مقدسا لا يجوز التفاوض عليه، فهي بالنسبة لليهود المدينة المقدسة التي فتحها النبي داود، وبالنسبة للمسيحيين هي مهد المسيح (عليه السلام) في بيت لحم وموقع صلبه علي تلال جلجثة، وبالنسبة للمسلمين هي أولي القبلتين وثاني الحرمين الشريفين ومعراج الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم). يحاول كارول إثبات أن تاريخ تعامل الأديان مع المدينة هو أمر حيوي لفهم سبب تحول القدس وفلسطين وإسرائيل، بطبيعة الحال، إلي مرتع للصراعات السياسية والدينية والقومية، كما يحاول الكاتب من خلال كتابه تسليط الضوء علي عدة نقاط حيوية في تاريخ القدس أهمها سنة 70 ميلادية عندما دمر الرومان المدينة والمعبد لقمع لليهود الذين تسبب فقدانهم للمعبد إلي تعميق دراستهم لتعاليم التوراة والكتب الخمسة الأولي من العهد القديم، ويقول كارول في كتابه أنه رغم ترتيل اليهود في طقوسهم أن "العام القادم في القدس" إلا أن المدينة الآن أصبحت أكثر بعدا، ويؤمن اليهود أنهم سيعودون للقدس في نهاية الزمان عند عودة المسيح. وأما أتباع المسيح الأوائل فكانوا يتعبدون في المعبد في السنوات الأولي للمسيحية، حيث تم كتابة بعض الأناجيل، ووفقا لكارول فإن المسيحيين ألقوا بلوم تدمير المعبد علي اليهود لأن "رفض الحاخامات الاعتراف بيسوع كان هو سبب ذلك الحكم من الله علي القدس"، ويقول كارول كذلك أن المسيحية كمعتقد قد تطورت لتصبح دين الحب، بينما اليهودية دين القانون، وقد تعرضت المسيحية لخيانة الحب في اعتقاد المسيحيين الأوائل، عندما لاموا اليهود علي صلب المسيح، بدلا من الرومان وهو الحكم التاريخي الذي أدي إلي ألفي عام من معاداة المسيحية للسامية. ونقطة التحول الثانية ، بحسب المؤلف، كانت بعد 6 أعوام من وفاة نبي الإسلام، أي عام 638 ميلادية، عام الفتح العمري، عندما تسلم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مفاتيح القدس، وقد أدي الحكم الإسلامي للقدس إلي وجود رغبة محمومة بين مسيحي أوروبا لتخليص المدينة منه، وهو ما أدي إلي قرون من الحروب الصليبية الدموية والغزوات لجميع بلاد الشرق، حتي حصار الصليبيين لها عام 1099 وتحويلها لمملكة لاتينية يحكمها ملك كاثوليكي، إلي أن استطاع صلاح الدين الأيوبي استردادها علم 1189 بعد معركة حطين. ويستمر كارول في سرد تاريخ القدس التي أصبحت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية ثم الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولي ونشأة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية ونشأة الحركة الصهيونية الدموية في مطلع القرن العشرين، وحتي وقتنا الحالي مجادلا بأن النظر إلي القدس "الرمز" هو ما يشعل النار في تاريخنا المعاصر الذي يحتاج من الجميع اعتناق مبدئي التسامح والسلام.