هلّ علينا شهر الصيام بنفحاته العطرة، ونسائمه الروحانية التى ترفرف فى السماوات السبع تحرسها الملائكة، ايذانا ببلوغ ثلاثين يومًا من الطاعات التى يحرص المسلمون على أدائها أكثر من أى شهر آخر، فبخلاف الصيام الذى هو ركيزة العبادات فى هذا الشهر الفضيل، فإن القرآن الكريم يكون له نصيب عظيم من هذه العبادات، وهذا يظهر جليّا فى سلوكيات المسلمين فى الشوارع وأثناء العمل، فتجد المصاحف تستقر فى أيادى الصائمين نهار رمضان فى المواصلات العامة أثناء الذهاب أو العودة من العمل أو بين الصلاة والأخرى فى المساجد التى تكتظ بالمصلين خاصة أوائل رمضان، ليست فقط المصاحف ولكن «التابلت» أيضا الذى أصبح البديل العصرى للمصحف، الجميع يتلو، وللتلاوة آداب وأصول يجب أن يحرص المسلم الصحيح على الالتزام بها، فكثير منا يقرأ القرآن بغير اخلاص أو لمجرد القراءة، فكيف تكون القراءة المقبولة؟ هذا ما سنسلط عليه الضوء خلال السطور القادمة. فى البداية يقول فى ذلك الشيخ حسين خضر وكيل وزارة الأوقاف سابقا إن القرآن الكريم كتاب عظيم وله قدسيته وعلى قدر هذا العِظم ينال من اهتمام الألباب ما يفوق أى شىء آخر، فينبغى للمسلم إذا أراد التلاوة أن يهيئ نفسه لها، ويلتزم بالآداب المطلوبة لينال الثواب الذى قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»، فقارئ القرآن وإن حسُن مراده يجب أن يكون صافى الذهن والفكر لا يشغله زحام المواصلات أو ضوضاء السيارات، فهو يتكلم مع الله -عز وجل، ألا يستحق الحديث مع الله التجرد من أى انشغالات أخرى؟ ويؤكد خضر أن قراءة جزء واحد من القرآن والعمل به فى شهر رمضان خير من قراءة القرآن كله دون تدبر لمجرد التباهى بالإنجاز قائلا: «العبرة مش بالكم إنما بالكيف»، لافتا إلى أن القراءة فى المنزل أو المسجد أفضل بكثير من القراءة أثناء الذهاب العمل، فالفرد لا ينبغى له أن يقطع التلاوة لشيء من أمور الدنيا إلا إذا كان ذلك ضروريا والشارع ملىء بالملهيات، إلا للحافظين فقط الذين يعلمون جيدا مدلول الآيات ولا يحتاجون إلى جهد مضاعف للإحساس بها والتناغم معها قائلا: «لذة القرآن لا تلمس قلب المؤمن إلا إذا كان متفرغا له فكلما زاد التدبر زادت حلاوة اللذة». وأوضح خضر أن أفضل الأوقات لقراءة القرأن فى شهر رمضان هو الوقت الذى يسبق آذان المغرب مباشرة مستشهدا على بركة هذا الوقت فى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «للصائم عند فطره دعوة لا ترد»، بالإضافة إلى الفترة التى تلى صلاة الفجر، مستشهدا «إن قرآن الفجر كان مشهودا»، مشيرًا إلى أن ترتيل القرآن خير من قراءته قراءة روتينية فهذا يزيد من تفاعل القارئ ولا يشعره بطول مدة القراءة قائلاً: «الإمام الشافعى كان بيختم القرآن فى رمضان 60 مرة يعنى مرتين كل يوم وده لأنه كان يعيش مع الآيات وينسجم فى معانيها»، فالثواب الأكبر فى التدبر والتفكّر. فيما اكد د. مجدى عاشور المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية أن البعض فى رمضان يحرص على الانشغال بالقرآن حتى فى العمل مع انه لايجوز ذلك لأنه سيؤدى لانشغال الإنسان عن عمله الذى يأخذ عليه أجرًا. وقال عاشور من السلبيات أيضًا ما نراه من البعض من رفع صوت القرآن عاليا بما يزعج الجيران وهذا لايجوز ويأثم كل من يقوم بازعاج الناس بصوت القرآن المرتفع ويجب استخدام القرآن فى مكانه وعلى من يزعج جيرانه بصوت القرآن الكريم ليعلم ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال والله لايؤمن من لا يأمن جاره بوائقه.» وازعاج الجار ولو بصوت القرآن يعد من البوائق. فى سياق متصل أكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن بعض الناس فى رمضان يتظاهرون بالإيمان من خلال الإمساك بالمصحف وقراءته فى الشارع أو على الرصيف أو حتى أثناء العمل مما يعطل مصالح العباد، وهذا ليس من القرآن فى شىء، معتبرا ذلك مظهر خداع خاصة وأن كتاب الله برفقتنا طوال العام فلماذا نرى هذه الظاهرة فى الشوارع والمواصلات فى رمضان فقط، قائلاً: «من يقرأ القرآن فى الأماكن دى بيكون كتاب الله رفيقه فى كل وقت وده بيكون مظهر تعلق دائم انما امسكه فى رمضان بس وامشى بيه فى الشارع فده مظهر خداع»، مستشهدا على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وأشار عاشور إلى أن قراءة القرآن بتدبر واجبة حتى يتحقق الثواب الكامل، قائلا: «من قرأ فله ثواب القراءة ومن قرأ بتدبر فله ثواب القراءة والتدبر.. أما القراءة كالبغبغان فهذا غير مقبول ولا يجوز على الإطلاق»، لافتا إلى أن هناك متسعًا من الوقت بعد صلاة التراويح يمكن للشخص أن يستغله للقراءة الهادئة بعيدا عن ضوضاء الشارع ومصالح الناس.