إن أهم ما نطمح إليه، ونرجو أن نصل إليه فى شهر رمضان هو الصفاء مع الله، ومع الناس، ومع النفس، ولن يكون ذلك إلا بالثقة الكاملة فى الله، وحسن اللجوء إليه والتوكل عليه. والصفاء مع الناس إنما يكون بالبعد عن كل أسباب العداوة والشقاق، والفرقة والخلاف، والبغضاء والشحناء، والأحقاد السوداء، والقلوب المريضة، والغيبة والنمائم، والكيد والمكر، والعمل على تعطيل الآخرين، والانشغال عما يعنينا بما لا يعنينا. والصفاء مع النفس يكون لصلحها مع ذاتها ومع الآخرين، والإيمان بأن ما قدر كان، وما كان للإنسان فهو آت لا محالة، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوا الإنسان بشيء لم ينفعوه إلاَّ بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن يكون الإنسان فى توازن بين معاشه ومعاده، وبين أمر دينه وأمر دنياه، وأن يكف أذى لسانه ويده عن الناس، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. وهو شهر الرحمة بلا منازع، رحمة الله عز وجل بعباده، ورحمة العباد بعضهم ببعض، فالراحمون يرحمهم الله، ومن لا يَرحم لا يُرحم، وهو ما يتطلب أن نعمل على أن تعم هذه الرحمة الإنسانية كلها : إنسانها وحيوانها وطائرها، لنؤكد للعالم كله أن ديننا دين رحمة وسلام لا عنف فيه ولا إرهاب، وأن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو نبى الرحمة، ورسالته هى رسالة الرحمة، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».