"هذا الشباب أنقذنا من اليأس" هكذا تحدث الفنان التشكيلي ثروت البحر عن شباب ثورة 25 يناير التي عبر عنها في معرضه الأخير "الوطن..حالات" الذي ضم نحو 42 لوحة أغلبها رسمها بعد الثورة، وبعضها العام الماضي. البحر قال :"كنت أذهب إلي ميدان التحرير يوم الجمعة فقط، وكأنني استحم من غلب وحزن وإحباط ثلاثين عاما، فأستعيد لياقتي بالميدان، وبعد الثورة رسمت لوحة عبارة عن شجرة تطرح شهداء"...عن المعرض والحركة التشكيلية كان ل"روزاليوسف" هذا الحوار. ما كل هذه الشحنة الثورية التي تضمنتها أعمال معرضك الجديد؟ كنت أرسم البحر، وفي العام الماضي بدأت رسم لوحات مخالفة، ووجدت نفسي مشحونًا بالغضب، فرسمت سمكة مقيدة، ونسورًا حبيسة، ووردًا غاضبًا، ولوحة "شرم الشيخ ليست عاصمة مصر"، وفي إحدي اللوحات كنت أسمع شعرًا لعبد الرحمن الأبنودي من السبعينيات "صحيت المدينة في يوم مالقتش جناينها، الإمري طار منها وغربانها جانينها"، فرسمت هذه الغربان تعلو شجرة سميتها "حكومة رجال الأعمال". وفي ثورة 25 يناير كنت أذهب إلي ميدان التحرير يوم الجمعة فقط، وكأنني استحم من غلب وحزن وإحباط ثلاثين عاما، فأستعيد لياقتي بالميدان، اتنشق هواء جيداً، واستعيد الصحة النفسية للمواطن المصري؛ حيث كنا نستنشق رائحة الصحوة والصحة للبلد، مفتون بالشباب الواقفين أمام عربات المياه دون أي خوف، فنحن لم نفعل ذلك في شبابنا، فأغلبنا إما كان في السجن أو بمفرده، هذا الشباب انقذنا من اليأس، فنحن كنا شبابًا، لكننا لم نقو علي كل شيء بسبب النظام الحجري الذي رسمته في إحدي لوحاتي العام الماضي، كما رسمت طائرين لا يستطيعان التواصل. فنحن كنا سذج: وعاطفيين أكثر من اللازم، وكان المجتمع يغذي هذا، كان لاعبو الكرة هم نجوم الوطن، لو هزمنا في مباراة "تنقلب" مصر كاملة، لكن أن يفوز أحد بجائزة "نوبل" فلم نشعر به، فالإعلام عندنا مضلل، وبعد الثورة رسمت لوحة عبارة عن شجرة تطرح شهداء، وكنت أسمع وقتها "صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر"، فأي إجرام يجعل عربة تجري لتدهس الشباب، فمن فعلوا ذلك لابد أن يتم عليهم القصاص فالشعب المصري لن يرضي بديلا. ما الذي تتوقعه الفترة المقبلة في مصر؟ - رءوس الفساد ظلت طليقة لشهور، فلو حسم الأمر في بداية الثورة لكان الوضع اختلف، ومن وجهة نظري أري وجود تباطؤ في اتخاذ القرارات، فهناك سبعمائة شاب دهس وتم قتلهم برصاص قناصين، إذا هناك قتل مع سبق الإصرار والترصد، وثبت أن وراء ذلك أشخاصًا بعينهم، لماذا تركتموهم طلقاء شهرًا ونصف؟، ونحاسبهم حاليا علي تربح؟ نحن لا نتحدث عن أموال، بل عن شباب أهدر دمه بلا رحمة، ولابد من وجود قصاص فوري. هل عبر الفنانون التشكيليون عن الثورة بشكل حقيقي؟ أم حاول بعضهم ركوب الموجة؟ - الفنانون التشكيليون والأدباء والكتاب "غلابة"، يسعون بالكاد من أجل لقمة العيش، فأنا علي سبيل المثال لا أبيع أعمالي، ومع ذلك لابد من أن أستمر وأبدع، الثورة فاجأت الناس، وفي حرب 1973 لم ينتج أي فنان أو أديب أو شاعر أي عمل لهذه الحرب، لكن فعلوا ذلك بعدها بخمسة عشر عاما، حينما أتت مقاولات المتحف الحربي والتماثيل للأبطال وغيرها فعمل الفنانون، لكن الثورة أساسها في صفوف الشعب والنقابات وفي شباب الفنانين، وأنا لا أعرف ما فعل الفنانون الشباب في الميدان، لكنني كتبت بوستر "الجهل بالتاريخ يؤدي إلي الديكتاتورية والتبلد" ووقفت به في الميدان. ما رأيك في الساحة التشكيلية قبل الثورة؟ - كان بها عبث كبير؛ ولذلك لابد أن نجد طريقنا، فالذي يملك هو الذي يحكم. فعلي سبيل المثال حينما كنت قوميسيرا للمعرض القومي أدخلت لأول مرة الفنانين التلقائيين، والعمارة، والخط العربي، وهوجمت من الذين يأخذون آراءهم من الخارج، لكن الهجوم دلالة الصحة، فحسن الشرق الفنان التلقائي الذي عرضت له أعمالا وهوجمت بسببه أقيم له جناح في متحف "اللوفر" بجانب الجناح المصري، لكننا نحترم الفنان التلقائي الفرنسي هنري روسو ونتقبله ولم نتقبل فنانًا تلقائيا من صعيد مصر بلد الفن العريق!!!. الخط العربي فن رفيع جود علي مدار 1400 عام ولم يستق أي إضافة من خارج العالم العربي، قال عنه بيكاسو أنه فن تجريدي رفيع، فهذا فن محترم له جذور وتاريخ لماذا اعترض الفنانون علي عرضه في المعرض القومي؟!!. أري أننا لابد أن نحترم أنفسنا. الحركة التشكيلية في الأساس قامت علي المدرسة الفرنسية مع إنشاء مدرسة الفنون الجميلة عام 1908، وكانوا يتعلمون التأثيرية، حتي خرج محمود مختار ومحمود سعيد، ثم عبد الهادي الجزار الذين قاموا بعمل الشخصية المصرية، فما يصنع الفنان هو الأحداث، ونحن لا نستطيع أن نحضر فنًا من كتالوجات أوروبا علي أساس أننا حداثيون، فالعملية حاليا هي وجود ميديا أخري أرادوا من خلالها المعاصرة، لكن يجب أن نلتفت للفن الذي يمتعنا، فمن لم يحترم نفسه لا يجد من يحترمه. مجموعة من الفنانين التشكيليين وقعوا علي بيان إسقاط رئيس قطاع الفنون التشكيلية، ما رأيك في هذا البيان؟ - طلبت ألا يفتتح معرضي أي شخص، وهذا ليس عدم تقدير لأي شخص، ولكنني أري أن المعرض يفتتحه الجمهور، وهو يكتسب قيمته من قيمة الأعمال والحضور، وليس من أن مسئولا يفتتحه. لكنني أسأل من اجتمعوا ليسقطوا الدكتور أشرف رضا، لماذا لم يجتمعوا لاسقاط فاروق حسني، فهو الذي اتي به، فمن يتخذ موقفًا لابد أن يكون ذلك في ميعاده، فأنا كنت مديرا لمتحف الفن الحديث وقدمت استقالة مسببة حققت فيها النيابة، وحجزت أشخاصاً وأشخاص دخلوا السجن، هذا كان موقفًا!!، لكن من كانوا يقبلون يد فاروق حسني لمدة 22 عاما يهاجمون أشرف رضا حاليا، أهذه ثورية؟ ما مآخذك علي متحف الفن الحديث الذي ادرته حوالي خمس سنوات؟ - هذا المتحف افتتح عام 1991، وكان هناك عملية نصب كبيرة وتكاليف مهولة من أجله، فطبقا لقانون الحكومة إذا كان هناك شيء افتتح حديثا لا يجوز إتمام أي تغيير فيه قبل عشر سنوات، فأتوا بي كواجهة نظيفة، وكان المتحف لا يضم دورات مياه، ولا أي شيء، لدرجة أنني كنت أقوم بدهن البراويز بيدي، واكتشفت أنني اصرف علي المتحف، وفوجئت أن مرتبي لم أحصل عليه، وحينما تحققت من ذلك وجدت أنهم يأخذون مرتبي ويصدرون شيكًا لأنفسهم يقومون بصرفه، وبلغت المدير المالي وقتها فأحضر اسم الشخص الذي يصرف الشيك، وكان رئيس الحسابات، بعد ذلك فوجئت بأنهم ارسلوا نفس الشخص "رئيس الحسابات" كي يفتش علي عملي في المتحف، فقمت بطرده، فكتب تقريرًا سيئًا عني، فكتبت استقالة مسببة، فأرسلوا لي جوابًا أن أفيدهم بما الذي انجزته في فترة إدارتي للمتحف، فأرسلت لهم خطابًا بالأنشطة التي قمت بها، وأخطأت ببراءة وكتبت بين قوسين "لم اتقاض مليما واحدا سواء بدل سفر أو مكافأة" فأتت الرقابة الإدارية لتقوم بالتفتيش فوجدت مكافآت 240 ألف جنيه لي ولغيري، وكان يوقع لنا أربعة أشخاص دون علمنا ويأخذون المكافآت فتحفظوا عليهم. واكتشفت في النهاية أن هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم المشرفون علي المتحف الجديد الذي تكلف 570 مليون جنيه لإنشائه!!. ما تصورك لنهضة الحركة التشكيلية الفترة المقبلة؟ - لا يمكن تصورها دون الإلمام بما يدور في أرض الواقع، فهناك صراع بين بلطجية ممولين، وشباب مهذب ومتحضر، وما يحسم هذا الصراع هو تجفيف رءوس الفساد والممولين للبلطجة، فشباب الفنانين وقتها سيستطيعون التحرك، فهناك قوة خفية تلعب، ونحن لا نستطيع مواجهة ثلاثين عاما من الفساد في شهرين، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح. ما التعليقات التي سمعتها من الجمهور الذي حضر المعرض؟ - تساءل البعض عن لوحة عرضت فيها صورًا لمنقبات، فأوضحت لهم الأمر بأنني أري النقاب ظاهرة غريبة علينا كمصريين، فالمصريون كانوا متحضرين جدا، وأنا لا أقتنع بالإخوان المسلمين، أيعني هذا أنني من الإخوان الكفار!، لو ظهر حزب مسيحي فأنا مستعد للمشاركة فيه، ما هذه الخزعبلات التي نعيشها؟، نحن نتعرض لغزوة سلفية تافهة، المشكلة بدأت حينما سافر العمال للعمل في السعودية فوجدوا السعوديات منقبات، فاضطروا لتنقيب زوجاتهم من أجل كسب العيش "وحليت في أعينهم"، فهذا من الناحية الاقتصادية غير مكلف، لا داعي للكوافير أو المكياج أو الشامبو، والرجل لا يحلق ذقنه، فهناك توفير!!، لكن عندما تحل المشاكل الاقتصادية في مصر سيرجع الناس إلي طبيعتهم، فالفلاحة المصرية تعمل أكثر من الرجل، لكن السعوديين يريدون أن تصبح مصر دولة سلفية، كي يضمنوا حجاجًا بعد نفاد النفط بعد عشرين عاما، فالمسألة كلها اقتصادية بحتة.