يصدر معهد «ستوكهولم» الدولى لأبحاث السلام فى كل عام دراسة عن الإنفاق العسكرى فى مختلف أنحاء العالم، ويتضمن تقرير هذا العام الكثير من التفاصيل المثيرة للاهتمام، حيث يشمل التقرير معلومات قيمة حول الأسلحة العالمية ومبيعات الخدمات العسكرية فى العالم، ويسلط التقرير الضوء على منطقة الشرق الأوسط تحديدا. وذكر موقع «المونيتور» الأمريكي، نقلا عن الدراسة التى أعدها المعهد، إن زيادة الموازنات الدفاعية للعديد من البلدان الواقعة فى الشرق الأوسط تثير المخاوف من احتمالية بدء سباق التسلح فى المنطقة، وما لذلك من تداعيات إقليمية وعالمية خطيرة. وحذر الموقع من أن حجم سوق الدفاع فى منطقة الشرق الأوسط سيبلغ قيمته 820 مليار دولار تقريبا بحلول العام 2020، وفقا لتقديرات خبراء أمنيين وعسكريين من مؤسسة «جينز أيروسبيس» البريطانية المتخصصة فى نشر المعلومات العسكرية. وأوضح الموقع أن المملكة العربية السعودية تحتل المركز الرابع فى قائمة أكثر الدول إنفاقا فى صناعة الدفاع فى منطقة الشرق الأوسط بقيمة 67 مليار دولار، تليها تركيا فى المركز الرابع عشر بإجمالى موازنة دفاعية تبلغ 19.1 مليار دولار، والإمارات العربية المتحدة فى المركز الخامس عشر 19 مليار دولار. وأضاف التقرير أن كلا من «السعودية عمانالبحرين» قد أقدمت على مضاعفة إنفاقها العسكرى خلال الفترة ما بين العام 2004 و2014، مضيفا أن العراق هو البلد الوحيد الذى رفع إنفاقه العسكرى بمعدل ثلاث مرات. فيما يتوقع خبراء عسكريون أن يستمر سباق التسلح فى الشرق الأوسط على الأرجح بوتيرة متسارعة، موضحين أنه على الرغم من أن التراجع الحاد فى أسعار النفط قد يؤثر سلبا على الإنفاق الدفاعى للعديد من دول الشرق الأوسط وعلى رأسهم دول مجلس التعاون الخليجي، وتستطيع تلك الدول تعويض خسائرها من الإيرادات النفطية عن طريق تحويل فائض موازناتها إلى الإنفاق العسكري. وفى الوقت ذاته، تسهم التهديدات التى يمثلها تنظيم «داعش» فى العراق والتى تؤجج الصراع «السنى – الشيعي» فى المنطقة، والاضطرابات السياسية الداخلية، والإرهاب أيضا فى زيادة الموازنات الدفاعية للعديد من دول المنطقة. ويرى محللون أن العراق وإيران هما الدولتان اللتان ستتأثر موازنتهما الدفاعية على الأرجح جراء الهبوط فى أسعار النفط العالمية. على صعيد متصل، تطرق تقرير «جينز أيروسبيس» إلى أنظمة الأسلحة المفضلة لدول الشرق الأوسط هى تلك الأنظمة الباليستية المضادة للصواريخ والجيل الجديد من الطائرات الحربية والأجهزة الإلكترونية العسكرية وأنظمة الفضاء، وطائرات الهليكوبتر بالنسبة لفرق القوات الخاصة والمركبات المدرعة الخفيفة المزودة بأنظمة الأسلحة. بينما تصدرت روسيا المركز الأول فى قائمة أكبر الدول المصدرة للأسلحة، حيث وصلت قيمة صادراتها من الأسلحة إلى مستوى 8.3 مليار دولار. وجاءت روسيا فى المركز الثالث عالميا فى حجم الإنفاق العسكرى وفقا لبيانات معهد «ستوكهولم» الدولى لأبحاث السلام، وشكل هذا نسبة 4.1% من قيمة إجمالى ناتجها المحلى، وهو ما يتجاوز نسبة الإنفاق العسكرى للولايات المتحدة الذى بلغ 3.8% من قيمة إجمالى ناتجها المحلي، ويرجع ذلك جزئيا إلى خطط روسيا لإنفاق أكثر من 700 مليار دولار لتحديث وتطوير أسلحتها بحلول عام 2020. ووفقا للتقرير فقد بلغت إيرادات عام 2013 لأكبر 100 شركة أسلحة وخدمات عسكرية 402 مليار دولار، وكان الزبائن الرئيسيون لهذه الشركات هم جيوشهم، لكن التقرير لم يستطع تغطية الصين بسبب عدم وجود بيانات شفافة، كما يلاحظ أن الانخفاض فى مبيعات الأسلحة العالمية الذى بدأ فى عام 2011 مازال مستمرا، ولقد لعب تخفيض ميزانية الدفاع الأمريكية دورا بارزا فى هذا الاتجاه. وركز التقرير على نقطة أخرى مثيرة للاهتمام، وهى صعود 10 شركات روسية إلى أعلى قائمة الشركات ال100، حيث سجلت مبيعات بمبلغ 31 مليار دولار، وبزيادة قدرها 20٪ عن العام الماضى، فضلا عن أن الشركة التى شكلت معظم المبيعات، بزيادة بلغت 118٪ عن العام الماضي، هى مؤسسة الصواريخ التكتيكية الروسية، والتى حازت الرقم 46 فى التصنيف العالمي. ويقول الخبراء إن هذه الزيادة ترجع أساسا إلى زيادة الإنفاق الروسى على السلاح فى السنوات الأخيرة، إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن الشركات الروسية قد تعانى من خسائر فى مبيعات الأسلحة فى عام 2014 بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، وانخفاض أسعار النفط الخام والأزمة الأوكرانية. وقد صنف المعهد لسنوات، مصنعى الأسلحة الرائدة إلى فئات مثل أمريكا الشمالية والأوروبية والروسية، لكنه قدم فئة جديدة هذا العام، تسمى «المنتجين الناشئين». وأشار للمرة الأولى إلى أن الهندوالبرازيل وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا لديها أسهم فى أسواق السلاح العالمية 3.6٪ من إجمالى مبيعات الأسلحة لدى أفضل 100 شركة. من جهته صرح أودى فلورانت، مدير برنامج الأسلحة والنفقات العسكرية بالمعهد، بأن هذه الشركات قد انضمت إلى قائمة الشركات الكبرى ال 100؛ بسبب قرارات بلدانهم بزيادة حصة الإنتاج المحلى من الأسلحة، مشيرا إلى أنه فى السنوات الأخيرة، قررت البرازيلوتركيا وكوريا الجنوبية إعطاء الأولوية لتطوير قدراتها الوطنية فى إنتاج الأسلحة، وذلك أساسا لأسباب سياسية. ووفقا لفلورانت كانت الحصة الأكبر من مبيعات الأسلحة العالمية، من نصيب الشركات التى تنتج الطائرات الحربية، وأنظمة الصواريخ والمدرعات والسفن الحربية، بينما جاءت الشركات التى تقدم التدريب والدعم اللوجستى والصيانة والخدمات الفنية فى مرتبة أقل. كما تصدرت ثلاث شركات إسرائيلية وشركة تركية واحدة القائمة؛ حيث بلغ إجمالى إيرادات الشركات الإسرائيلية الثلاث 7.5 مليار دولار، فى الوقت الذى بلغت فيه إيرادات الشركة التركية 1.1 مليار دولار، ولم تكن هناك دول أخرى من منطقة الشرق الأوسط على القائمة. ولكن يبقى الغريب فى الأمر هو ما الذى تعنيه هذه الأرقام بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط؟. كشف التقرير عن أن بلدان المنطقة بما فيها تركيا، قد أنفقت نحو 170 مليار دولار على الدفاع فى عام 2013، متسائلا عن فائدة إنفاق المليارات من الدولارات على ميزانيات الدفاع الإقليمية وعلاقاتها بجلب السلام والهدوء والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط؟. ولفت التقرير إلى أن زيادة التسليح العسكرى لا يسهم فى خلق معضلة أمنية يصعب السيطرة عليها فى دول الشرق الأوسط، لافتا إلى أن صناع القرار العسكرى لابد لهم من إبقاء سباق التسليح تحت السيطرة. وأكد التقرير أن هذا السباق سيتواصل فى عموم الشرق الأوسط مادامت أموال النفط تواصل تدفقها، ومادامت الولاياتالمتحدة مصرة على ضمان تفوق إسرائيل على خصومها بمدها بالأسلحة المتطورة. ورغم الجهود الدولية الدءوبة لوضع سقف متفاوض عليه لإمدادات الأسلحة، والتى انطلقت منذ خمسينيات القرن الماضي، فإنها فشلت فى التحول إلى أمر واقع، ولم تنجح سوى فى الحصار الخارجى الذى كان مفروضا على العراق وإيران، لذا فإنه ما لم يعمل المجتمع الدولى على معالجة مصادر الصراع الأساسية فى المنطقة، فستستمر عملية حشد الأسلحة وتكديسها. الجدير بالذكر وفقا للتقرير هو أن الشرق الأوسط قبل حرب الخليج الثالثة عام 2003 لم يكن فى سباق تسلح لكنه كان مجرد تطوير روتينى للقوات المسلحة فى الدول، غير أن الوضع تغير بوتيرة متسارعة بعد حرب 2003 وخروج العراق مؤقتا من معادلة التوازن الاستراتيجى فى منطقة الشرق الأوسط. ومن الغريب أيضا أن عمليات التسلح لم تشمل المناطق الحساسة فحسب، بل إن دولة بعيدة مثل الجزائر، دخلت على خط التسلح الساخن، رغم أنها لا تتعرض لتهديدات خارجية أو عمليات تسلح فى دول الجوار. واستنادا لبيانات المعهد لعام 2013، استمر الإنفاق العسكرى العالمى بالانخفاض فى العام الماضي، على الرغم من أن الإنفاق على الأسلحة ازداد كثيرا فى أنحاء العالم، وشكل الإنفاق العسكرى الأمريكى نسبة 37% من إجمالى الإنفاق العسكرى العالمى الذى انخفض فى السنوات الأخيرة. وبلغت نفقات الولاياتالمتحدة العسكرية ما يقارب 619 مليار دولار أمريكى فى عام 2013، مسجلة أعلى مستوى عالميا فى هذا المجال، ومع ذلك انخفض الإنفاق العسكرى الأمريكى مقارنة مع الناتج المحلى الإجمالى من 4.8% فى عام 2009 إلى 3.8% فى عام 2013، نتيجة لسياسة التقشف المالى المتبعة فى الولاياتالمتحدة. وتعنى هذه الحقائق أن كلا من موسكو والرياض تعملان على تحديث جيوشهما، فى الوقت الذى هبط فيه الإنفاق العسكرى لأمريكا.