نحن شعب يدمن المبالغة فى كل شىء فى الفرح، وفى الحزن.. فى المدح، وفى الذم، فمثلا أمريكا التى كانت عدو الأمس، والحليفة والمناصرة لإخوان مرسى، تحولت اليوم إلى «صديق» لمجرد أن أوباما طلب مقابلة الرئيس السيسى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتمتلىء مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية وبعض الصحف بالحديث عن آفاق الشراكة الجديدة بين البلدين والهزيمة المنكرة لجماعة المرشد ومن يقفون خلفها ودعمها حتى أصيب أردوغان بلوثة عقلية، وهرول تميم أمير قطر لمصافحة الرئيس السيسى!! فيما تحولت معظم الفضائيات وبرامجها المسفة وضيوفها المرتزقة من حملة المباخر وقبيضة حقوق الإنسان إلى أبواق تسبح بحمد الشريك الاستراتيجى الذى انكفأ على وجهه وعاد إلى رشده وتحالف مع السيسى!! نعم الكلام على الولاياتالمتحدة التى تخصصت عبر عقود طويلة فى بيع جميع حلفائها وأصدقائها، بمجرد أن تجد البديل الذى سينفذ لها بقية أهدافها، وغالبا ما تكون هى السبب الرئيسى فى سقوطه وما مبارك وصدام والقذافى وغيرهم ببعيد!! أمريكا التى دفعت بقادة وخبراء يملكون قدراً كبيرا من الحنكة والدهاء أمثال هنرى كسينجر وهيلارى كلينتون وزوجها الرئيس الدنجوان بيل كلينتون وغيرهم ممن قضوا عمرهم فى خدمة اليهودية التقوا السيسى ودرسوا شخصيته جيدا، وعلموا أنه ليس مثل سابقيه الذين انطلت عليهم الخديعة وحسبوا أن أمريكا ستقدم لهم المنح المجانية «أو الهبات» من أجل الشراكة أو أمن إسرائيل ثم ما لبثت أن انقضت عليهم بحرب الجيل الرابع الذى كشف القناع عن وجوه كريهة خادعة عاشت بيننا، وأكلت طعامنا وخانتنا فى النهاية!! كما أن سيل التعليقات حول كلمة «الرئيس العثمانى» أردوغان فى الأممالمتحدة وأنها جاءت ردا على الحفاوة التى لقيها الرئيس السيسى وطلب أوباما مقابلته دون هذا الأردوغان جانب بعضها الصواب، فأردوغان هو «مملوكى إخوانى» وأن أقل ما توصف كلمته بأنها تمثل استخفافا وانقضاضا على إرادة الشعب المصرى العظيم، كما تجسدت فى 30 يونيو وذلك من خلال ترويجه لرؤية أيديولوجية وشخصية ضيقة تجافى الواقع، ولعل أبلغ رد عليه ما ذكره بيان الخارجية المصرية بقوله: «لا شك أن اختلاق مثل هذه الأكاذيب والافتراءات ليس بأمر مستغرب أن يصدر عن الرئيس التركى، الذى يحرص على إثارة الفوضى وبث الفرقة فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال دعمه لجماعات وتنظيمات إرهابية، سواء بالتأييد السياسى أو التمويل أو الإيواء بهدف الاضرار بمصالح شعوب المنطقة، تحقيقا لطموحات شخصية لدى الرئيس التركى وأوهام الماضى لديه. إن حضور أردوغان للاجتماعات لم يكن إلا لإثارة مشاعر المصريين الذين لفظوا إسلامه المزيف وإسلام جماعته الإرهابية، فالكل يعلم أنه لن يساعد أردوغان القتال ضد «داعش» بحكم توجهاته واقتناعاته الإسلامية وينبغى عدم توقع أى شىء من أنقرة عدا التملق والولاء الكلامى الكاذب، فتركيا بوابة للجهاديين القادمين من جميع المناطق لعبور الحدود التركية إلى سورياوالعراق، وستستمر كذلك،وينبغى على المنظمات الدولية المعنية أن تتوقف عن تغطية تركيا وأن تصر على ضرورة قيام أردوغان بوقف تدفق الجهاديين وإنهاء شراء النفط من «داعش» الذى يساعد فى تمويل حملة «داعش» القاتلة شأنها شأن إيران فمن الخداع أن نفترض أن باستطاعة إيران أن تكون جزءا من الحل لقد قامت بدعم الاسد مباشرة بالمال وبالمعدات العسكرية والمستشارين وحتى بالمقاتلين فى حربه الطاحنة التى لا ترحم ضد مواطنيه المدنيين. وإيران لن يوقفها أى شىء أمام الحفاظ على وطأة أقدامها فى سوريا التى تعتبر محور الهلال ما بين الخليج والبحر الابيض المتوسط وقضية مركزية لطموحات إيران فى أن تصبح القوة الاقليمية المهيمنة. وبصرف النظر عن المفاوضات الجارية مع إيران حول برنامجها النووى يجب على الولاياتالمتحدة ألا تدخر أى جهد لابقاء إيران خارج الحملة العسكرية فى العراقوسوريا. إن زيارة السيسى كانت ناجحة بكل المقاييس وحققت كل أهدافها وكشفت للمصريين حسن اختيارهم فى رئيس احترم شعبه، فاحترمه العالم وصفق له لكن المبالغة الإعلامية التى تصنع الفرعون المصرى من جديد أمر غير مقبول، بل إن السيسى نفسه يرفض ذلك وكم من المرات تحدث عن وسطية التناول الاعلامى، لكن ما باليد حيلة فماسحو الاحذية لن يتركوا مهنتهم حتى ولو شيدت لهم المصانع!! إن حال الإعلام المصرى صار يذكرنى بمقولة الإمام سفيان الثورى: «هذا زمان السكوت ولزوم البيوت والرضا بالقوت إلى أن تموت» وهو حال لا يعجب الحسود قبل الودود، فهل نظل على الردح والعويل أم نسعى لتقويم الميل؟