فتاوي، واعتداءات سلفية عنيفة وغريبة علي المجتمع المصري، من هدم للأضرحة ورفض للحضارة المصرية القديمة كممثل أو تعبير عن مصر، كذلك العنف الذي تمثل في قطع أذن أحد المسيحيين بقنا .. انتهت بالتصالح، وتم تجاهل حق المجتمع... حالة من المد السلفي تقوي وتحاول فرض نفسها علي الساحة، طرحت عددا من التساؤلات حملناها إلي عدد من المثقفين في هذا التحقيق. كيف يمكن أن يواجه المثقفون المد السلفي؟ - حسام تمام الباحث في شئون الحركات الإسلامية أجاب عن هذا التساؤل قائلا: "أري أن أول شيء في منطق تعامل المثقفين مع ملف السلفيين، أخذه باهتمام وجدية بدون تهويل كما يفعل البعض وبدون ازدراء، وهنا المنطق الأساسي هو إدماج الحالة السلفية في النقاش العام "الجاد" في مصر، بحيث يتجاوز منطق الإقصاء. هذا النقاش يجب توجيهه لجهة ليست صاحبة قرار قبول أو رفض للسلفية، إنما جهة وضع ضوابط قانونية وإعلامية لهذا الوجود، فليس لدي قلق من وجود الإسلاميين بمختلف توجهاتهم إنما لابد من ضوابط للتعايش، كرفض ما جري في الاستفتاء في تحويل معركة سياسية إلي معركة إيمان وكفر، من هنا كان علي النخب السياسية والثقافية إعداد الكوادر لوضع مدونة قانونية، لضبط التنافس الانتخابي في الفترة القادمة بما يمنع السلفيين وغيرهم (الكنيسة مثلا) من خلط الديني بالسياسي، كذلك واجهنا توظيف الفتاوي في العمل السياسي مثل ما صدر إما بتحريم أو تكفير أو إهدار دم شخص أو إدانة تيار سياسي أنه ضد الإسلام، هنا يجب تفعيل النصوص القانونية لملاحقة هؤلاء أو التحرك لوضع ضوابط قانونية، فما حدث مع البرادعي من تشهير وفتوي إهدار دمه، كان عليه أن يتخذ إجراءات قانونية بحيث يتم التأسيس لمبدأ " الكلام في مصر عليه جمرك" من الرأي العام أو القانون، فنحن نفتقد لتقاليد ضبط القوي السياسية والدينية ووضعها موضع المسئولية، فلماذا لا تكون مصر بعد الثورة مختلفة؟ أما الكاتب الصحفي سعد هجرس فاتفق في رده مع وجهة نظر تمام وقال: "أولا يجب أن يكون هناك فهم للسلفية ولأبعادها الاجتماعية والسياسية، الذي مازال مشوها، بالتالي لوضع خريطة طريق للتعامل يجب التعرف عليهم جيدا". هل ما يحدث من إعلاء صوت السلفيين والإخوان هو ضريبة الديمقراطية؟ - يرد هجرس: "بالعكس صوتهم كان مرتفعا من قبل ثورة "25 يناير"، فالإخوان منذ 1925 وكانت دائما محل لغط، كذلك الحال للسلفيين فهم موجودون منذ عقود كثيرة من خلال جمعيات شرعية والمساجد ولها محافلها داخل مصر، فهم لم يخرجوا للنور بعد الثورة بل كانوا موجودين بقوة وباستمرار يتغذون علي سيادة ثقافة تقليدية في المجتمع، وتعثر مشاريع الحداثة التي شهدتها مصر، فهم موجودون بصورة عنيفة في ظل الفراغ الأمني لفرض أفكارهم كما رأينا في قنا والفيوم وغيرها، وأن يحتلوا دور القانون فهذا هو الجديد". في رأي مغاير يقول تمام: "نعم من ضرائب الديمقراطية بشكل مباشر فلم يجرؤ السلفيون علي ما يفعلونه الآن أو أي فعل سياسي، فقبيل الثورة في ليلة رأس السنة اعتقل منهم المئات وقتل منهم شاب "سيد بلال" تحت التعذيب في أحداث كنيسة القديسين، وما تحرك السلفيون حتي بمظاهرة أو بيان إدانة، لكن الآن في واقع الديمقراطية يتكلمون عن محاولة تغيير واقع المجتمع المصري كله، وهو ما قد يدفع البعض للترحم علي الأيام السابقة، إنما هذا في رأيي لعلاج عيوب الديمقراطية هو مزيد من الديمقراطية، بمعني أنه لا يجب التراجع عن الديمقراطية وإتاحة الحريات لكل القوي، لأنها تستطيع إصلاح نفسها بنفسها من خلال دفع المجتمع إنتاج ضوابط سياسية وقانونية وإعلامية وعلاج الآثار الجانبية لها، وأتوقع أنه إذا نجحنا كشعب في إيجاد ديمقراطية حقيقية وصلبة سيكون التيار الديني تحت السيطرة ويمكن التعايش معه. هل المجتمع حاليا لديه من الوعي ما يكفي لمواجهة المد السلفي؟ - اكد كلا من هجرس وتمام في ثقتهما في هذا الوعي، إنما اختلفا في التبرير الحقيقي وراء هذا التفاؤل ليقول تمام: " إجمالا نعم، فالشعب حتي وإن تغيرت طبيعته وتأزمت شخصيته، فدائما لدي المصريين نمط من التدين متصالح ومحب للحياة قادر علي التفهم، فالمصري كان دائما متسامح ومتزن قادر علي الاستجابة للتعددية الدينية والإنفتاح علي العالم واستيعاب ضغوط الحياة، فأي نمط ديني ممكن أن يخل بهذه التركيبة يؤدي لكراهية الحياة والانغلاق علي الذات سرعان ما سيتم هدمه وتجاوزه، والعودة مرة أخري للتدين الهادئ المعتدل، فالسلفية المصرية هي بطبيعتها تختلف عن الجذر السلفي الوهابي بالسعودية، فهنا أكثر فكاهة وشعبوية لن نجد هذا النمط سوي في مصر. فأتوقع أنه بمجرد أن تترسخ جذور الحرية سيتهذب الكثير من أفكار السلفيين وتعتدل أفكار المتشددين، لكن بالتأكيد سيبقي جزء متشدد سيتم إقصاؤه". أما هجرس يري: "مصر طول عمرها حتي في فترات الانحطاط لديها رفض طبيعي للتطرف، والدليل علي ذلك حين اندلاع الثورة انصهرت فيها كل القوي السياسية والاجتماعية في مشهد حضاري لا مثيل له أبهر العالم، بالتالي "25 يناير" هي وثيقة لأن الشعب المصري يريد دولة مدنية، وتردد هذا الشعار بوضوح في الرد علي بعض الفصائل الدينية والتي تعبر عن اشواق المصريين لإقامة دولة مدنية، بالتالي جزء من التضخيم لخطر الجماعات السلفية ربما يكون دورا مقصودا لأهداف أخري، ايضا من علامات يقظة المصريين تمت إقامة جبهة واسعة من القوي الحديثة في مواجهتهم في معقلهم بالإسكندرية، ثم أن هذه الأمور تعيدنا لإتمام مهمة قديمة وهي إصلاح الخطاب الديني حيث حدث ذلك في أمريكا اللاتينية تحت عنوان "لاهوت التحرير"، وهو ما نحتاجه في مصر والتي تقع علي عاتق النخبة المصرية المثقفة". هل الكتلة الصوفية قوة مؤثرة ومنظمة قادرة علي مواجهة السلفية؟ - يقول هجرس: " الصوفية قوة موجودة في مصر ومؤثرة، لأنها تضم ملايين المصريين، لكن المشكلة أنها تاريخيا تحت سيطرة أجهزة الأمن، التي دأبت علي استغلال هذه الجماعات لأغراض سياسية ضيقة الأفق، كاستخدامهم لإبعاد المصريين عن العمل السياسي ثم في مواكب تأييد الحكام، ولا ننسي في هذا الصدد انه حتي السلفيين كان كبار زعمائهم يحرمون من الخروج علي الحاكم، بما يعني تأييد "النظام السابق" بوضوح، فهم جماعات مخترقة من الأمن وتستخدم لاتجاهات معادية للشعب والتطور الديمقراطي". في رؤية متناقضة لتمام يقول: "حتي وقت قريب لم تكن الكتلة الصوفية منظمة، ولا يمكن النظر لها ككتلة متجانسة..فهم انتماء ديني ليس بالضرورة ينعكس علي المشهد السياسي أو الحركة الاجتماعية المتجانسة، فهم ليسوا قوة اجتماعية يعتد برؤيتها، ولذلك فهي كتلة هشة غير قادرة علي مواجهة اتجاه عقائدي، لكن منتظر أن يتغيروا في الفترة القادمة من أجل معركتهم للبقاء، لما حدث من فتاوي السلفيين لهدم الأضرحة التي هي صميم الفكر الصوفي، مما سيدفع بالمتصوفة ليكونوا أكثر تجانس وتماسك، من ثم من إيجابيات عنف السلفيين حفاظ المتصوفة علي وجودهم". هل الصراع الدائر الآن بين الصوفية والسلفية والإخوان سيؤدي إلي إضعاف قواهم أم تحللهم، أم شكل آخر؟ - يري تمام: "اتصور أنه قد يحدث تحالف "إخواني سلفي" كما رأينا في معركة الاستفتاء، وإلي الآن لا نجد رفضا من الإخوان لما يفعله السلفيون من هدم الأضرحة وكل ما يقومون به، وقد يكون هذا بداية تفاهم بينهما متعلقا بالانتخابات القادمة". أما هجرس فيقول: " كل هذه القوي لا نستطيع تعميم الحكم عليها فالسلفيون ليسوا جميعا كتلة واحدة وكذلك الصوفية والإخوان، إنما داخل كل جماعة منهم تناقضات وتنوعات من تطرف واعتدال وغيرها وفيما بينهم، ودعيني أضيف كتلة الجهاديين أيضا. والسياسية فن إدارة هذه التناقضات بما يخدم الديمقراطية، بمعني أنه من الواجب جذب العناصر الأكثر اعتدالا في هذه الجماعات، ودمجها في العمل السياسي من أجل إرساء الدولة الحديثة، وعدم وضعهم جميعا في سلة واحدة، ولا ننفي أن هناك منهم من لديه النوايا الحسنة، فأحسن طريق للحفاظ علي الدين هي الدولة المدنية، فأوروبا لم تصل لما هي عليه الآن إلا بعد الفصل بين الدين والسياسة. فكلها مسائل تحتاج أن تدار بنفس طويل، فما رأيناه في ميدان التحرير يحتاج لإعادة النظر والترتيب والاكتشاف أيضا، فشباب الإخوان ولأول مرة جلسوا مع الليبراليين والفتيات. أما المظاهر السلبية للسلفيين فقد تكون عن جهل أو ضيق أفق أو تحريك خفي من أركان حرب الثورة المضادة، فلابد من التحلي باليقظة والنفس الطويل، وهذا معناه أنه لابد أن يعبروا عن آرائهم بشكل سلمي "فأنت حر ما لم تضر". الأمر الثاني العناصر المتجاوزة ينبغي أن تحاسب بالقانون وبحسم وبسرعة، فمن الخطأ التصالح وعقد الجلسات العرفية الذي يؤدي لتشجيع الفئات الفاشية، وأنا أري أن هناك تهاونا حتي الآن في هذا الصدد، والذي يشجع للمزيد من التطرف الذي يهدد مسيرة الثورة". آثرت الروائية سلوي بكر أن تكون إجابتها إجمالية ومختصرة لكل ما سبق من الأسئلة المطروحة، بواقع منظورها المختلف للتوجه ككل، قائلة: "هناك سؤال وهو دور الدولة، وعندما أتحدث عن الدولة، أقصد الدولة الراهنة التي يقف علي رأسها المجلس العسكري، وحكومة تسيير الأعمال قبل أدوار الآخرين، فما هو دور من يملك القرار في المد السلفي وهو الأهم. ولكن فلنتأمل هذا الدور فمن الذي فتح الإعلام للسلفيين علي مصراعيه، لتتحدث هنا وهناك، وتدلي بدلوها؟ من الذي استقبل قتلة السادات استقبال الأبطال؟ وتابعنا علي الشاشات خروجهم خطوة بخطوة حتي وصولهم سالمين لمنازلهم؟ أما دور المثقفين والصوفيين فهو من باب ملء الفراغات، فالسلفية هي نتاج تعليم منحط ومتخلف أولا، ثم تفشي الأمية ثانيا، فلا بد من تعليم يحترم العلم. المسألة الأخري أين المثقف الآن؟ فهو مهمش ومستبعد حتي من الظهور الإعلامي، فالقليل من الجادين هم من يطالعوننا، فالمثقف في هذه الفترة يمكن أن نقول إنه مغلوب علي أمره. الطرق الصوفية هي التعبير الدائم عن طبيعة الإسلام في مصر، فليس من قبيل الصدفة أن يكون أعضاؤها بالملايين لأنها الأنسب للشخصية المصرية. حينما تجد الطرق الصوفية الأضرحة تهدم فهذا يدعوهم للغضب الشديد الذي يعكس غضب الشعب، وأتمني أن يستطيعوا التصدي ولكن هل لديهمم أدوات للتصدي القوي لهم؟ أنا لا أعلم في الحقيقة. أيضا أتساءل من الذي سمح للسلفيين في مثل هذه بعقد مؤتمر بالإسكندرية، وماذا فعل أصحاب القرار لما حدث من قطع الأذن؟ فهذا يؤدي إلي علامة استفهام كبيرة توجه لأصحاب القرار وهم المسئولين عما يحدث الآن في مصر".