قدم الكاتبان الإسرائيليان «أرى شافيت» - المحاضر فى قسم الدراسات الإسلامية وبرنامج الدراسات الدينية واللغة العربية بجامعة تل أبيب، و«أوفير فينتر» - محاضر التاريخ بجامعة تل أبيب فى كتاب يحمل عنوان «الاعداء والمعلموين» أطروحة تحمل بعض المقاربات حول مواقف الإسلاميين والليبراليين العرب تجاه الحركة الصهيونية، إسرائيل وعملية السلام والتطبيع. نظرة تاريخية ومناقشة تحليلية يجمع الكتاب بين النظرات التاريخية والمناقشات التحليلية، ويوضح الدور المزدوج الذى تؤديه الدولة اليهودية بفكر التيارات الأيديولوجية والمجتمعات العربية المعادية التى اتخذت من إسرائيل عدوا أساسيا لها خلال ثوراتها الإسلامية الأخيرة والتى أطلق عليها «ثورات الربيع العربى» التى حاولت أن تتحلى بالليبرالية والديمقراطية الداعمة للحريات المدنية على الرغم من تصدر الإسلاميين المشهد فى عدد كبير منها. تعرض «شافيت» و«فينتر» فى كتابهما إلى صوت الكراهية والعداء تجاه إسرائيل والصهيونية بما فى ذلك عمليات التطبيع بين الدول العربية والدولة اليهودية من قبل تيارات فكرية إسلامية معتدلة نسبيا على عكس الجماعات الإرهابية والجهادية التى تدعو للعنف، ليس من خلال المقابلات الشخصية والمباشرة وإنما من خلال كتاباتهم أو من المعلومات التى وصلت إليهم من منصات الأحزاب والمواعظ والخطب. على رأس الدول العربية التى تناولها الكتاب بالدرجة الأولى مصر، وجاءت تونس بدرجة أقل وتبعهما لبنان، فلسطين، الأردن والعراق بما فى ذلك (الأكراد) والسوريون، كما استعان الكاتبان بآراء مفكرين مسيحيين. ويعتبر الكتاب حرب 1948 من أهم الإنجازات العسكرية لإسرائيل، التى جعلتها العدو المجرم من قبل معظم العالم العربى، وأنه بدأت من حينها تعميم التيارات الإسلامية «الوسطية» وترسيخ المبادئ الدينية التى ساعدت على احترام الاتفاقات دون تطبيع والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية وتحقيق سلام مستدام، واتساقا مع هذا التوجه تحدثت تلك التيارات عن «صلح الحديبية» بين النبى محمد وقريش ومدى رغبة النبى عليه الصلاة والسلام فى فتح مكة، لكنه التزم بالهدنة التى كانت واحدة من أهم الانتصارات والانجازات، مما مهد الطريق لاستعادة قوتهم إذ اعترفت قريش بالمسلمين، وقوتهم، وتنازلت عن صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية. الصراع مع إسرائيل دينى وتشبها بالمتطرفين مثل الجهاديين الداعين لإقامة «دويلة» داخل دولة أو أمة إسلامية استنادا إلى الشريعة، تجد أن فكر الكاتبين يقتصر على أن الصراع مع إسرائيل دينى وليس إقليميا وأن القدس هى الأرض المقدسة للإسلام والمسلمين بعيدا عن التفكير فى أنها جزء لا يتجزأ من العالم العربى. يتابع «شافيت» و«فينتر» إن جماعة الإخوان فى مصر التى تأسست أواخر القرن ال20 اعتمدت فى قيامها على «الحركات الدينية والسياسية» فى العالم الإسلامى والغربى خلال العقود الأربعة الماضية وارتكزت على أن صراعها مع إسرائيل دينى ويتعلق بقدسية الأرض والمكان، ولفت إلى أن هناك تيارات سياسية معتدلة مع إسرائيل وضرب مثالا بالرئيس الراحل «محمد أنور السادات» الذى اتهم من قبل الإسلاميين بالخيانة عقب زيارته للقدس واستعداده لتوقيع إتفاقية كامب ديفيد (1978) ومعاهدة السلام (1979) دون حل مشكلة الوجود الإسرائيلى بفلسطين، كما رفع المكتب التنفيذى لجماعة الإخوان فى الأردن دعوى قضائية ضد المملكة لإلغاء معاهدة السلام عام 1994. الإخوان عارضوا كامب ديفيد وعلى الرغم من أن الإخوان فى مصر وسوريا والأردن عارضوا عمليات السلام منذ السبعينيات، وأكدوا أنهم امتنعوا عن محاربة الأنظمة الحاكمة بعنف من خلال تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية، فيعزى اغتيال السادات فى أكتوبر1981 إلى مجموعة سلفية جهادية - إرهابية - تنظر إليها الجماعة على أنها شخصيات معتدلة جدا فى حركة الإخوان. كراهية الصهيونية حاولا «شافيت» و«فينتر» فى كتابهما التوفيق بين فكر الإسلاميين حول كراهية إسرائيل والصهيونية فى ظل انجازاتها العلمية، وأكدا أن الأحزاب الإسلامية فى الوطن العربى مثل الإخوان فى مصر و«حزب العدالة والتنمية» فى المغرب و«النهضة» فى تونس، وحركة المجتمع والسلام فى الجزائر يثيرون أمثلة لا تعد ولا تحصى من المفكرين الذين يثنون على الاستفادة العلمية من جارتهم إسرائيل، وعلى سيبل المثال قال المهندس المصرى «محمد مبارك» المختص فى البحث العلمى والتطوير أنه فى الوقت الذى سجلت فيه المملكة العربية السعودية 171 براءة اختراع، وقدمت مصر 77 والكويت 52، استطاعت إسرائيل أن تقدم أكثر من 16 ألف براءة اختراع، قائلا: إن الإسلاميين يمكن لهم أن يتنافسوا مع السلطة الثقافية والتكنولوجية لإسرائيل من خلال الاقتباسات الدينية، وأن مفتاح الخلاص هو التعلم من إنجازات إسرائيل. وأشاد مبارك على عكس موقف الليبراليين العرب بإنجازات إسرائيل والصهيونية والدور العلمى لها، ووصف الصهيونية بأنها كالأيديولوجية صاحبة الطابع الدينى استطاعت من خلالها رسم العديد من النجاحات فى جميع المجالات فيما يخص الديمقراطية والوحدة الدينية والالتزام الشخصى للأمة، كما منحت رؤية استراتيجية حكيمة لمن اتبعها. الديمقراطية الإسلامية وأضاف أن فكرة «الديمقراطية الإسلامية» التى اثيرت فى القرن ال19 وأوئل القرن ال20 المنسوبة إلى المفكرين السنة بزعامة «محمد عبده»، حاولت التوفيق بين الإسلام والحداثة كمفهوم « الشورى « وفقا للقرآن الكريم والسنة النبوية لمحاكاة الديمقراطية فى أوروبا والتى قال عنها عبده «رأيت فى أوروبا مسلمين بدون إسلام.. ورأيت فى وطنى إسلاما بلا مسلمين»، وأكد الكتاب أن المسلمين الوسطيين قالوا إنه لا يوجد خطأ مع المسلمين فى تعرضهم لإنجازات «الكفار» العلمية شريطة ألا تتعارض هذه الإنجازات مع أحكام الإسلام.
المطبعون فريقان أما فيما يخص التطبيع فوجد «شافيت» و«فينتر» من خلال مناقشاتهما أن الليبراليين من العرب الذين يعيشون فى دول عربية أوغربية انقسموا إلى مذهبين، الأول «معسكر السلام» الذى يؤكد ضرورة تحقيق السلام والتطبيع مع إسرائيل فى صورة مشروعة، والخروج من صورة الديكتاتورية والأنظمة الاستبدادية، أما المذهب الآخر وهو «معسكر الرفض» ويقتنع معتنقوه بأن الرؤية الليبرالية ليست مبررا للتطبيع مع إسرائيل فى المنطقة مختلفين فى ذلك مع «معسكر السلام» وأنه طالما هناك حروب فى المنطقة تكون فيها إسرائيل طرفا بشكل أساسى فلا يمكن التطبيع معها، فلا يمكن التطبيع مع إسرائيل إلا بعد استعادة ما سرقته. عبدالناصر طاغية وألقى الكتاب باللوم على نظام الرئيس جمال عبد الناصر حول خلل العلاقات التطبيعية مع إسرائيل واستدلا بكتابات لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ تقول إن ركود السلام والتطبيع مع إسرائيل يرجع إلى التخلف الاقتصادى والاجتماعى الذى حل بشعب مصر تحت حكم «الطاغية» جمال عبدالناصر، على حد وصف الكتاب، وإهدار المليارات فى حروب عقيمة، وأنه حتى بعد زيارة الرئيس المصرى «أنور السادات» لإسرائيل عام 1977 والتحركات الدبلوماسية فى تمهيد الطريق لكامب ديفيد فشل الكتاب المصريون فى نزع الكراهية والغضب من قلوب المصريين وغيرهم من الدول العربية تجاه إسرائيل والصهيونية. ترسيخ التطبيع ويحاول الكتاب ترسيخ فكرة التطبيع مع إسرائيل وانعكاس نتائجها على الشعبين العربى واليهودى زاعما أن أتباع «معسكر السلام» أصبحوا فى زيادة خاصة بعد الانتقاد الصارخ للجانب العربى خلال المفاوضات التى شجعته على توسيع التطبيع الثقافى مع إسرائيل وتحطيم أساطير المقارنة بين الصليبيين والإسرائيليين وعرض الفلسطينين كضحايا لها. المؤيدون للتطبيع ويستمر الكتاب فى تناول آراء بعض المؤيدين المصريين لفكرة التطبيع مع إسرائيل لبيان مدى أهمية التطبيع من وجهة نظرهم، ومن بين الآراء كان للقبطى «مايكل نبيل» المتهم فى قضايا نشر أخبار كاذبة عن الجيش المصرى وإهانة المجلس العسكرى - يذكر أنه قام طلاب عرب بمقاطعة المحاضرة لمايكل نبيل فى الجامعة العبرية تعبيرا عن رفضهم لأى خائن لوطنه ايا كان. ونعتوه بالخائن لانه يؤيد اسرائيل، بالإضافة إلى الكاتب على سالم والمعروف بميوله نحو التطبيع مع إسرائيل ووصفهما الكتاب بأنهما أهم المثقفين الليبراليين فى مصر اللذين أثروا فى العديد من التحولات السياسية على حد سواء فى حياتهم، على حد زعم الكتاب. دعوة إلى الإخوان الكتاب دعا فى نهايته الإخوان إلى تكوين «منظمة» على غرار «المنظمة الصهيونية» التى أنشأها «تيودور هرتزل» فى بازل بسويسرا عام 1897، والبحث عن شخصية بارزة تتحمل أعباء النهوض بالجماعة على أساس دينى، خاصة أن هرتزل فى الوقت الذى أنشأ فيه المؤسسة الصهيونية كان الشعب اليهودى يتعرض لنفس الكراهية من المحيطين ودول أوروبا، الأمر الذى دفعه لإقامة دولة لهم فى أى مكان فكان فلسطين. إسرائيل نموذج يحتذى به للعرب وأكد الكتاب أن العالم العربى فى حاجة إلى إصلاح وأن الإخوان إذا اعتمدوا على الدين ونظروا إلى إسرائيل والصهيونية باعتبارها نموذجا يحتذى به سيتمكنون من إحياء جماعتهم بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة بمصر والتى شاركت خلالها الجماعة بشكل رئيسى، وتستطيع الجماعة التوصل إلى توافق فى الأراء يجمع ما بين القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية وإنهاء الصراع بين الفصائل والقادة الدينيين ( العلماء) والليبراليين لتحقيق التعايش السلمى. وأضاف الكتاب فى سخرية شديدة منه أن تحقيق الإصلاحات من قبل جماعة الإخوان يتطلب العزم والتضحية لإحداث تغييرات بعيدة، مستخدمين رجال الدين للشعارات التى تقول (دين الإسلام يمتلئ بعناصر الديمقراطية وأن الديمقراطية موجودة فى الإسلام قبل ظهورها فى الغرب)، الأمر الذى من شأنه إن يخلق أملا للشعب قبل أن تتفكك دول القومية العربية وتبدأ فى التعامل مع مشكلات الهوية والبحث عن اتجاهات جديدة.