كان الله في عون قراء هذه الأيام!! وكان الله في عون «عيونهم» و«أبصارهم» التي تصافح وتطالع آلاف الصفحات يوميا تمتليء بكل ما لذ وطاب وفاح وناح من مقالات وآراء ورؤي وتحقيقات فيها «الثمين» وفيها «السمين» - نسبة إلي مشتقات لحمة الرأس فشه وطحال وجبهة وممبار!! في كل يوم علي الأقل تنشر الصحف - قومية وخاصة وحزبية - من مائة وخمسين مقالا إلي مائتين وعشرين مقالا! وكان الله في عون الزميل المتميز الأستاذ «جابر القرموطي» وبرنامجه الناجح المتميز «مانشيت» ومعه فريق إعداد رائع يستحقون جميعا كل التحية والتقدير علي هذه الوجبة الصحفية المتميزة، وهذه الخلطة الباهرة والمبهرة في برنامجهم إنهم ينوبون عني وعن حضرتك في قراءة ورصد وتحليل كل هذا الثمين والسمين ثم يتركونك حائرا ومندهشا مع كل هذا الذي يكتب؟! لقد لفت نظري تلك الاحصاءات الدقيقة والموثقة التي يقدمها الزميل العزيز «جابر القرموطي» حينما يستعرض بضاعة اليوم من الصحف والمجلات فيقول إن حصيلة اليوم مثلا تسعة حوارات و12 تحقيقا صحفيا ومائتين وعشرين مقالا صحفيا!! يا إلهي «220 مقالا في اليوم الواحد» وإذا كان «مقالتين في الرأس توجع» فما بالك بمائتين وعشرين مقالا يوميا؟! ماذا تقرأ؟! ولمن تقرأ؟! ولمن لا تقرأ؟! وما الذي يستحق القراءة؟ وما الذي يستحق إهماله عن جدارة؟! سأفترض أن كل هذه المقالات هي خلاصة الحكمة والعلم والأدب والفن، وأن أصحابها كتبوها وأبدعوها بجهد صادق ولوجه الله والوطن وليس لوجه الحاكم والسلطة أو نفاق الجماهير. وإذا كنا نرفض المقالات والآراء التي تنافق الحاكم وتواليه عمال علي بطال فإننا نرفض أيضا المقالات والآراء التي تنافق الجماهير والرأي العام، فهي خطيئة في الحالتين. منذ أيام قمت بهذه التجربة وقررت المضي فيها حتي آخر الشوط، وأحضرت 220 مقالا عشوائيا فيها ما ينير العقل ويسعد القلب وفيها من السخائم والسخائف ما يسد النفس.. وقررت أن أقرأها جميعا وليحدث ما يحدث! وهكذا بدأت المغامرة واكتشفت أنني ظللت جالسا فوق السرير من «صبحية ربنا» وحتي المساء وغياب الشمس!! فإذا كان المقال الواحد تستغرق قراءته حوالي ثلاث دقائق - لأني سريع القراءة - فمعني ذلك - وبحسبة الورقة والقلم فإن قراءة 220 مقالة تستغرق بالضبط ستمائة وستين دقيقة بالتمام والكمال أي إحدي عشرة ساعة بالضبط «يا نهار أزرق وكحلي وموف كمان!!». هل يوجد واحد عاقل في الدنيا ينفق من عمره «إحدي عشرة» ساعة كل يوم لكي يقرأ كل هذا الكم من المقالات والتحليلات سواء كانت ثمينة أو سمينة مقالات حلوة أو مُرة، مقالات صابحة أو حمضانة، ليه وبأي أمارة؟! لكن كله كوم - أقصد كوم القراءة والإطلاع - وكوم عودة مباريات الدوري الممتاز كوم تاني، فمشاهدة المباريات واجب وطني لابد منه، ومتابعة مناحات الاستديوهات التحليلية لهذه المباريات ساعتان قبل المباراة وخمس ساعات بعدها لمناقشة وتحليل طرق اللعب وفنياته سواء تغيير طريقة أربعة اتنين أربعة وتطويرها إلي أربعة ثلاثة اتنين واحد؟! وهل كان الأجدي اللعب من بداية المباراة برأس حربة واحد أم كان لابد من اللعب باثنين رءوس حربة؟! هذا غير الفقرة التحكيمية والتي يتباري فيها جميع من في الاستديو إلي إدانة الحكام - الذين هم قضاة الملاعب - بل والتريقة والسخرية عليهم؟! فإذا لم تكن مهتما بالكرة ومهتما فقط بالمنتخب، فالمناقشة سوف تكون أسخن وربما أسخف وربما طالب البعض بتسريح كل نجوم منتخب مصر الآن الآن وليس غدا، ليس لأنهم كبروا وشاخوا ولا لسوء أدائهم.. لا بل فقط لأنهم كانوا يلعبون في العصر البائد!! أما إذا كنت مهووسا بالسياسة والشأن السياسي فكيف تتابع بث وإرسال حوالي سبعمائة فضائية عربية علي مدي الأربع وعشرين ساعة. بعد كل هذا العناء والتعب الصادق والجهود المحمودة في قراءة مائتي وعشرين مقالا ومشاهدة مباريات الكورة ومتابعة ورؤية برامج وأغاني ومسلسلات وأخبار وندوات تبث من سبعمائة فضائية عربية كل يوم. كان مالي ومال ده كله، لكن منه لله الزميل العزيز «جابر القرموطي» وبرنامجه «مانشيت» الذي أوحي لي بكل هذا السخف مع الأسف!