"الناس هنا أكثر من الذين يذهبون للمعرض"، ربما بهذه الكلمات التي قالتها وهي تهم بالانضمام إلينا في المقهي، لخّصت الروائية الإماراتية التي رفضت الإفصاح عن اسمها، وضع الدورة الحادية والعشرين لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، الذي انتهت فعالياته مساء أمس الأول. المعرض إذا كان قليل الجمهور بشكل لافت للنظر،علي عكس ما كان يحدث في دوراته السابقة، هكذا أخبرنا عدد من الناشرين والكتّاب، وإذا كان الناشر محمد هاشم، صاحب دار "ميريت" قد فسّر أمر قلة عدد زوّار المعرض علي أنه "عدد يتناسب مع عدد سكان الإمارات، وأن المعرض لا يعتمد بالأساس علي القارئ العابر. وإن كان أحسن معرض يتعامل مع الناشرين"، فإن للناشر وائل الملا، صاحب "دار مصر العربية للنشر والتوزيع" رأيا مختلفًا يقول فيه: "نعم، الإقبال الجماهيري أقل من السنة الماضية وربما يرجع ذلك لوجود امتحانات في المدارس أو لسوء تخطيط المعرض الذي يعيق الوصول بسهولة لأجنحة عرض الكتب". وتابع الناشر محمد البعلي، صاحب دار "صفصافة للنشر": "رغم أن المعرض منظم بشكل جيد لكن إدارة المعرض تتعامل بشكل غير جاذب للجمهور، فهم لم يطلقوا مبادرة لتشجيع القراءة، بل يكتفون بتشجيع النشر فقط، كما أن الظروف الاقتصادية في الإمارات تغيرت هذا العام، ففي ظل حالة عدم الاستقرار الوظيفي والمالي التي واجهت البعض خلال العامين الأخيرين، تغيرت أولويات الأسر والعاملين، وقلّت مبالغهم المخصصة للثقافة والقراءة"، والأمر نفسه أكده الناشر صالح نبيل، نائب مدير دار "مكتبة الجامعة بأبو ظبي"، قائلا: "الحكومة وهيئة المعرض لم يقصرا في شيء فقد قدموا نفس الدعم الذي يحدث كل عام وهو منح "كوبونات" للطلاب للقيام بشراء الكتب من دور النشر المختلفة، لكن هذا لا ينفي أن الإقبال علي المعرض ضعيف ومخيب للآمال، مقارنة بالأعوام السابقة، ولعل السبب في توازي المعرض مع امتحانات الطلاب". هذا بينما كان لوليد مصطفي، صاحب "المركز القومي للإصدارات القانونية" رأي مختلف ربط فيه بين الإقبال الضعيف علي المعرض وبين الأحداث الجارية قال فيه: "تأثّرت حركة البيع والشراء هذا العام لأن الناس أصبحت منشغلة أكثر بالأوضاع السياسية في الوطن العربي، ولم تعد منتبهة لشراء الكتب". والرأي نفسه كان لآسيا موساي، مديرة دار "منشورات الاختلاف بالجزائر"، التي قالت: "هناك أصدقاء قالوا لي إن عدم الاشتغال إعلاميا علي المعرض هو سبب الإقبال الضعيف، لكني أري أن السبب يرجع لانشغال المواطن العربي بمتابعة الأحداث التي تعصف الآن بالمنطقة العربية، وهو نفس الإقبال الضعيف الذي شهده معرض المغرب الذي أقيم في شهر فبراير الماضي"، وعلي عكس جميع الآراء السابقة أكد حازم عبد الستار محمد، مدير التسويق بدار "هلا للنشر" أن المعرض يشهد إقبالا ونسبة مبيعات مساوية لما كان عليه العام الماضي، وعلي ما يتمتع به المعرض من تنظيم جيد". من ناحية أخري طرحت موساي، وجهة نظر مختلفة، قالت فيها: "هذا المعرض ذو طابع مهني بالأساس وليس معرضًا تقليديا كالذي تعودنا عليه في الوطن العربي، حيث إنه يعتمد علي إقامة علاقات مع ناشرين عرب وأجانب ، وقد عقدنا بالفعل اتفاقيات كثيرة خاصة مع إحدي المؤسسات الهولندية لدعم ترجمة الأدب الهولندي إلي العربية، وبهذا المعني تكون مسألة الإقبال والبيع والشراء مسألة ثانوية في ظل منظمين لمعرض يريدونه ذا طابع مهني وليس تجاري"، هذا بينما تساءل وليد أحوش، مدير قسم المبيعات بدار بيسان اللبنانية والذي شارك بأحد اللجان الشعبية بمصر وقت الثورة وبعد أن ألغي معرض القاهرة، قائلا: "إذا كان المعرض مخصصًا للاتفاقات بين الناشرين، فكيف تحدث في ظل أننا لا نعرف المؤسسات التي يمكن أن نقوم بالاتفاق معها، وإذا كان الأمر مقتصرًا علي الاتفاقات فلماذا أتينا بكل هذه الكمية من الكتب؟". من ناحية أخري كان لهذا الإقبال الضعيف علي المعرض، ووقوع معظم الجمهور في فئة الأطفال الذين تمنحهم الدولة "كوبونات" لشراء الكتب، أثره السلبي علي دور النشر المختلفة وخاصة المصرية منها، فقد جاء معظم الناشرين وفق تداول حديث عن نية هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث لدعم الناشرين المصريين والتونسيين خاصة والناشرين عامة، وعلي أمل أن تشتري منهم المؤسسات الثقافية الرسمية الإماراتية عناوينهم وتعوضهم عن خسارة إلغاء معرض "القاهرة الدولي للكتاب"، وبعدها خسارة ضعف إقبال الجمهور علي الكتب في معرض أبو ظبي، أو حتي أن تدعم الهيئة إقامتهم أو تخفّض سعر أجنحة عروضهم أو تقلل نسبة الخصم علي الكتب الذي تحصل عليه، لكن هذا الدعم الذي انتظروه تأخر بعض الوقت، ما جعل بعض الناشرين يعلنون خسارتهم وقرارهم بعدم الاشتراك في المعرض العام القادم ومنهم محمد البعلي ووائل الملا، وعليه وقبيل انتهاء المعرض بيومين، قام جمعة القبيسي، مدير المعرض، بزيارة أجنحة دور النشر المصرية، وقرر شراء عناوين الكتب المناسبة لهم حجما وموضوعا. من ناحية أخري، لم يشهد المعرض فعاليات هامة أو جاذبة للجمهور بشكل كبير، ودارت معظم الندوات الثقافية حول "يوم في فرنسا" و"الأدب الفرنسي وتاريخه" باعتبار فرنسا الضيف الثقافي الخاص في المعرض، بل وكاد أن يخلو المعرض من الشخصيات الثقافية العربية الشهيرة، واقتصر الأمر علي استضافة الأدباء الذين فازوا بالقائمة القصيرة لجائزة "البوكر" أو "الشيخ زايد"، فضلا عن استضافته في معظم الندوات لمتحدثين أجانب، وتقديم الندوات من قبل أجانب يتحدثون "عربي مكسّر"، وهو ما دفع المرأة الجالسة لحضور ندوة "أدب المغرب العربي" للسخرية والانتقاد، حتي زوّار المعرض والعاملين فيه يتحدثون باللغة الإنجليزية والأمر نفسه ينطبق علي معظم نشراته وكتيباته الإرشادية، تتحدث الروائية المصرية أمنية طلعت والمقيمة بالإمارات عن ذلك وتقول: "المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل المعرض، أعلن عن الفعاليات التي سيتم عقدها ومنها ندوة موسعة عن أعمال نجيب محفوظ التي تحولت لأفلام سينمائية، هنا أخبرتهم أن ذلك الموضوع قتل بحثا، واقترحت أن يقيموا نفس الندوة لإحسان عبد القدوس أو يوسف السباعي، وكان ردهم علي أن محفوظ أكثر روائي تحولت أعماله للسينما، أما ما شاهدته أن مديري الندوات ومن يتحدثون فيها، لا يتحدثون بالعربي، وهذا شيء عجيب!! وكأن المعرض يتحول سنويا باتجاه الغرب وباتجاه كل ما هو غير ناطق بغير العربية، فهل ذلك بسبب اتفاقهم مع معرض فرانكفورت وتحويل معرض أبو ظبي لمعرض دولي غير عربي، خاصة أنه تم رفض 200 دار نشر عربية من المشاركة في المعرض وفق إحصائياتهم؟". وتابعت أمنية طلعت: ندوات العام الحالي ليست كالعام الماضي، لا يوجد شيء لافت ولا يوجد توقيعات لكتب الكتّاب الكبار، ولا توجد أسماء كبيرة مدعوّة، وهذا أمر لافت للنظر"، هذا بينما جرت محاولات لمقابلة جمعة القبيسي، مدير المعرض للرد علي كلام الناشرين، إلا أن اجتماعاته حالت دون ذلك.