كتبت – ابتهال مخلوف أعلنت الأكاديمية السويدية منح جائزة نوبل للآداب لعام 2013 للقاصة الكندية البارزة «آليس مونرو«، لتكون بذلك أول أديب من أصول كندية يفوز بهذه الجائزة الرفيعة، والمرأة الثالثة عشرة التى تحصل على شرف الفوز بنوبل للآداب على مدى تاريخ الجائزة منذ 112 عامًا. توصف آليس مونرو بأنها «سيدة فن الأقصوصة الأدبى المعاصر» والتى تعد من الأسماء المجهولة لدى القارئ العربى خاصة أنها لا تحظى بمساحات فى المجلات الثقافية العربية مع عدم اهتمام العالم العربى بالإبداع الكندى، كما لا توجد ترجمات عربية لأعمالها إلا نادرًا مثل ترجمة أحمد الشيمى لمجموعتها «العشيق المسافر» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب عام 2010 بدأت مونرو( 82 عامًا) مغامرة الكتابة منذ سن المراهقة ونشرت أول اعمالها عندما كانت طالبة جامعية، وهى تعيش حاليًا فى منزل ريفى جميل فى بلدة كلينتون الهادئة بمقاطعة اونتاريو الكندية التى تبعد 175 كيلو مترًا غرب مدينة تورنتو بعيدا عن حياة المدينة اللاهثة. ولدت الكاتبة عام 1931 فى وينجهام بانتاريو وقد عرفت عن قرب المجتمع الريفى، فوالدها روبرت اريك ليدلو كان مربى دواجن وثعالب اما والدتها فكانت مدرسة، وما أن بلغت سن الحادية عشرة حتى قررت ان تصبح كاتبة. وخلال دراستها الجامعية التقت جيمس مونرو وتزوجته العام 1951 وانتقلت معه الى فانكوفر أقصى غرب كندا وأنجبت منه أربع بنات، فى العام 1963 انتقلا إلى فيكتوريا القريبة وفتحا مكتبة حملت اسم «مونروز بوك» وقد أصبحت متجرا شهيرا فى كندا والولايات المتحدة. وبعد طلاقها العام 1972 انتقلت إلى جامعة ويسترن اونتاريو بصفة «كاتبة-مقيمة»، وتزوجت مجددا العام 1976 من جيرالد فريملين وهو عالم جغرافيا توفى فى أبريل الماضي. تعد «رقصة الظلال السعيدة» هى القصة الاولى التى نشرت لها فى 1950 وهى بالجامعة وكانت أيضا عنوان مجموعتها القصصية الاولى التى صدرت عام 1968 وكانت فى السابعة والثلاثين، وحازت على جائزة «الحاكم العام» عنها وهى أرفع جائزة كندية أدبية وحصلت عليها مرتين آخريين، كما حصدت جوائز كثيرة محلية وأجنبية، ومنها جائزة «مان بوكر» العريقة فى 2009. وللكاتبة 14 مجموعة قصصية منها: «العاشق المسافر»، و«الهاربة»، و«قريباً»، و«المشهد من كاسل روك»، و«حلم أمي»، و«من تظن نفسك»، و«أقمار المشتري» وأخيرًا «عزيزتى الحياة»، وفضلت مونرو أن تنشر قصصها فى مجلات ثقافية شهيرة مثل «ذى نيويوركر» و«ذى اتلانتيك مانثلى» ولعل ذلك ما حفر لأسمها علامة بارزة لدى القارئ فى أمريكا الشمالية. وتعتبر مونرو من أهم كتاب القصة القصيرة فى العالم، حتى أنها تلقب ب«تشيخوف كندا»، لما يجمعها مع القاص الروسى الشهير من نقاط مشتركة فى الأسلوب من حيث الاهتمام بتفاصيل حياة بشر ممن يطلق عليهم ملح الأرض وتبرزها فى لوحة فسيفساء نابضة بسحر الحكى. ورغم أن مونرو كانت قد اعتزمت التوقف عن الكتابة بعد صدور مجموعتها الأخيرة «عزيزتى الحياة» إلا أن النقاد يعتبرون فوزها بنوبل قبلة الحياة لإبداع قاصة مميزة وينتظرون المزيد من أعمالها. ورغم تكرار اسم آليس مونروبين المرشحين لجائزة نوبل سنوات عديدة إلا أن الكاتب اليابانى هاروكى موراكامى كان أبرز المرشحين لهذا العام. ويعد حصول كاتبة للقصة القصيرة على نوبل تكريمًا لفن القصة القصيرة أكثر الفنون شعبية فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لكنها تراجعت أمام الرواية الطويلة حاليًا حياة صعبة وعزيزة أحدث إبداعات آليس مونرو هى المجموعة القصصية «عزيزتى الحياة» التى صدرت لها العام الماضى، وتظهر فى قصص المجموعة قدرة مونرو الفائقة على بلورة جوهر الحياة، من خلال تسليط الضوء على العلاقات بين البشر من عدسة الحياة اليومية. ويواجه أبطال «عزيزتى الحياة» حياة عزيزة صدفة أو فعًلا أو تغييرًا فى مصائرهم يقلب حياتهم رأسًا على عقب، حيث تبرز مونرو فى قصة بعد قصة فى هذه المجموعة لحظات مهمة فى حياتهم.. تقدمها لنا مونرو برشاقة مقتنصة لحظة مهمة ومفاجئة فى حياة أبطال قصصها، ألا وهى تحولهم لمسار نابع من ضوء أخر النفق، وتختتم مجموعتها بأربع حكايات تمثل جزءًا من سيرتها الذاتية يعيش فيها القارئ فى عالم طفولتها وشبابها. تدور معظم قصصها فى محيط المدن الكندية الصغيرة القابعة فى مقاطعة هورون الكندية، على الشاطئ الجنوب شرقى لبحيرة هورون فى أونتاريو وهى جزء من البحيرات العظمى الممتدة بين كنداوأمريكا. تتبلور فى مجموعتها الأخيرة مقدرتها فى رواية الحكايات الحكى وبصيرتها الثاقبة نلمح اهتمامها بأدق التفاصيل التى ترسم ملامح وطبيعة شخصية أبطالها ففى الأربع حكايات الأخيرة فى المجموعة حينما تحكى عن المرأة التى تمتهن الجنس تنقل لنا صورة أمراة ترتدى فستانًا من قماش «التافتاه» برتقالى اللون برقبة مفتوحة رباعية وتنورة فوق ركبتها». وفى قصة «الحصاة» تحكى ابنة البطلة عن تحول فى مظهر أمها التى نبذت زوجها وانتقلت لحياة بوهيمية مع عشيقها فى مقطورة فى زمن السبعينيات من القرن الماضى حينما انتشرت ظاهرة الهيبز- فتروى الكاتبة على لسان الطفلة كيف أصبحت أمها لا تضع مساحيق التجميل وترتدى تنانير طويلة وتترك شعرها مرسلاً بطريقة بوهيمية. مونرو فى مرآة النقاد وصف أحد النقاد أسلوبها السهل الممتنع فى المجموعة بأنه «مثل شرب الماء» .. شىء طبيعى لا يلاحظ ولكنه الأعجوبة فيه أثر الإرواء للمتلقى والقارئ .. فوراء كل كلمة فى قصصها عالم تستحضره، الأمر الذى قد لا تستطيع روايات عدة فعله. ويقول النقاد عنها: إنها لا تتعمد آليس مونرو إلى نقلنا لعالم خيالى، إنما إلى واقع نكتشفه معها تسلط عليه أضواء كلماتها ترسم لنا صورة فريدة لا تنمحى من خيال القارئ لهذا الواقع الذى قد يتكرر كل لحظة وقد يكون محفوفًا بمخاطر جمة. ويعلق الناقد الأدبى لصحيفة «جلوب أند ميل « الشهيرة الصادرة فى ترونتو بكندا على أسلوب آليس مونرو فى مجموعتها «عزيزتى الحياة» بانها تمتلك أسلوبًا شاعريَا فى الحكى متدفقًا بالعاطفة غير المتوقعة .. وتمثل المجموعة ذروة الخيال بتعقيداته وسحره والنابض بالحياة. ويمتلك الناقد نرجسية الكنديين الذين يسعون لربط بلادهم بأدب أسلافهم فى قارة أوروبا والعالم القديم بقوله: «إنه عمل يذكرنا بما هو الأدب العظيم». ومن اهم ما قيل عن إبداعها، وصفها بأنها تشيكوف عصرنا، ويقول الناقد مايكل لابوانت فى الملحق الأدبى للتايمز: إن آليس مونرو تلجأ فى الأوقات الصعبة من الحياة إلى الكتابة لتخرج لنا قصصها النابضة بالسحر. ويقول ديفيد هوميل، الكاتب والمترجم والناقد الأدبى الأمريكى: «إنها تكتب عن النساء ومن أجل النساء إلا أنها لا تحمل الرجال كل الشرور» وذلك فى إشارة إلى اهتمامها بالمرأة وعالمها فى حكاياتها».