تحقيق .. ناهد سعد يستغل بعض الحجاج زياراتهم للأراضى المقدسة فى موسم الحج بهدف التجارة.. وهنا تأتى التساؤلات حول مشروعية ذلك الفعل، وحكم الأشخاص الذين يذهبون إلى الحج بهدف التجارة، ولذلك طرحناه على العديد من علماء الدين لمعرفة حكم الشرع فى ذلك، وهل من يقوم بذلك مع أداء الفريضة يحل له الثواب الكامل الذى وعد الله به عباده، أم أن هذا ينقص من أجر. بداية يقول د. عبدالله النجار أستاذ الشريعة والقانون أن التجارة فى الحج ليست من الأمور المحرمة، وذلك يرجع لقوله تعالى «ليشهدوا منافع لهم» وذهب معظم العلماء إلى أن المقصود بالمنافع هنا التجارة، أما فيما يتعلق بالحصول على ثواب أداء هذه الفريضة إذا كان مسافرًا إلى مكة بهدف التجارة، فهذا أمر يرجع إلى النية فى المقام الأول، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..» فإن كانت النية أداء الحج مع التجارة بمكة فإن الله سوف يجازيه على أداء الفريضة مادامت أن نية الحج احتلت المكانة الأولى لديه، أما إذا كان مسافرًا بهدف التجارة فى الحج للتربح من وراء ذلك، وأن نية التجارة مقدمة على نية الحج فهذا الأمر متروك إلى الله إن شاء جازاه وأعطاه أجره، أو منع عنه ذلك. وأضاف يجب على الجميع أن يعلم أن النية شرط أساسى فى الحج، ولابد من توافرها لصحة أداء هذه الفريضة. ويرى د. مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر أن قصد التجارة مع الحج أمر جائز شرعًا، وذلك إذا كانت نيته بهدف الاثنين معًا، وليس المقصود من السفر التجارة، والحج ما هو إلا للفرجة أو حب الاستطلاع، لافتًا إلى أن جمع الاثنين معًا يقلل من ثواب الحاج، حيث نوى نية أخرى غير الفريضة. وأضاف أن الدليل على جواز التجارة أثناء الحج قوله تعالى «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين». مشيرًا إلى أن معظم العلماء ذهبوا إلى أن المراد بالآية الكريمة التجارة فى أيام الحج، وذلك لأن ابتغاء الفضل ورد فى بعض الآيات القرآنية بمعنى التجارة، ومن ذلك قوله تعالى «وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله». وشدد أنه فى الوقت الحالى هناك العديد من الحجاج الذين هم فى حاجة إلى من يقوم بأمورهم ويؤدى خدماتهم، وهذه الأمور تعد من أنواع التجارة، وضرورية فى نفس الوقت وهى جائزة ولا حرمة فيها، وذلك لما روى عن عبدالله بن عباس أن رجلاً سأله فقال: أؤجر نفسى من هؤلاء القوم، فقال له ابن عباس فأنسك معهم المناسك إلى أجر، ولك نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب، وهذا يدل أيضًا على جواز التجارة فى الحج مع مراعاة النية للحصول على الثواب الكامل ولتوافر ركن أساسى من أركان الحج وهو النية. بينما يؤكد د. محمد الشحات الجندى أن هذا الأمر كان محل جدل بين الفقهاء وتوصلوا إلى أن الحكم فيه يرجع إلى النية فإن كان الهدف من السفر قصد التجارة فقط ولا يشغله أداء الفريضة لا يصح حجه حتى وإن نوى ذلك، وتجب عليه إعادة أداء هذه الفريضة مادام قادرًا ومستطيعًا، أما إذا كان عكس ذلك فحجه صحيح، ولا شيء عليه، مادام نية الحج هى المقدمة. وأضاف أن سبب اختلاف الفقهاء فى هذا الأمر يرجع إلى الاختلاف فى تفسير قوله تعالى «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم» فالبعض فسر الابتغاء هنا بالتجارة واستدلوا بآيات قرآنية تدل على ذلك ومن قوله تعالى «ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله». واستدلوا أيضًا بأن التجارة كانت محرمة وقت الحج فى الجاهلية قبل الإسلام، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذلك أثناء الحج، وهذا ما يدل على أنه أمر جائز ولا حرمة فيه . لافتًا إلى أن البعض الآخر فسر هذه الآية بنظير قوله تعالى{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله}، ولذلك فالتجارة هنا تكون جائزة بعد أداء الحج وليس أثناءه، ومن كل ما سبق يمكن القول إن الحكم فى هذا الأمر يرجع إلى النية. و تقول د . سعاد صالح العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر ان الفقهاء أكدوا أن التجارة أثناء الحج أمر كان متداول فى الجاهلية قبل الإسلام، حيث كان هناك سوقان لأهالى قريش يتم التبادل التجارى فيها أثناء موسم «الحج»، وعندما عم الإسلام مكة، امتنع المسلمون عن التجارة أثناء الحج بحجة أن هذه الأمور من أمور الجاهلية التى نهى عنها الإسلام، فنزل قوله تعالى{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} فعاد المسلمون لممارسة هذا الأمر مرة أخرى، ولذلك فهذا الأمر لا حرمة فيه، ولكن يجب عدم الغش، أو المغالاة لأن هذه الأشياء تفسد الحج. أما فيما يتعلق بالذهاب بنية التجارة بدلاً من الحج فقد أكد أن هذا أمر متروك على الله سبحانه وتعالى، لأنه لا أحد يستطيع معرفة نوايا الآخرين. وترى د . مهجة غالب إن المنافع التى يشهدها الحجاج كثيرة متنوعة، منافع دينية ومنافع دنيوية، ومن المنافع الدنيوية رزق أهل مكة استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حينما وضع ولده إسماعيل وأمه هاجر فى هذا الوادى الذى ليس فيه زرع. والرزق قد يكون بدون مقابل كالهدى والفِداء أو بمقابل كالبيع والشراء للهدى ولغير الهدي، ففيه نشاط تجارى دنيوي، كما أن فيه نشاطًا دينيًا. واضافت ان ابتغاء الفضل من الله فى موسم الحج بالتجارة والكسب الحلال ليس فيه حرج، وقد جاء فى سبب نزول هذه الآية ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إن الناس فى أول الحج أى فى الإسلام كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وذى المجاز موضع بجوار عرفة ومواسم الحج وهم حرم . فأنزل الله تعالى هذه الآية. فالتكسب الحلال فى أثناء الموسم لا حرج فيه، بمعنى أنه لا يفسد الحج، ولا يضيع ثوابه ، ومن ثم فالذين يحجون ويزاولون أعمالاً تجارية حجهم صحيح غير فاسد لا تجب عليهم إعادته، وتسقط عنهم الفريضة، أما الثواب فظاهر هذه الآثار أن الله لا يحرمهم منه، ولكن يجب مع ذلك مراعاة الحديث الصحيح «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى « وإذا تعددت النوايا فى عمل صالح يمكن أن يرتبط الثواب بما غلب من هذه النوايا، والأمر كله لله من قبل ومن بعد ، وهو سبحانه عليم بذات الصدور.