في تاريخ «روزاليوسف» الكثير.. وفي تاريخ الصحافة ما هو أكثر.. صعوداً وهبوطاً.. وأفولاً وظهوراً.. انحناءات وانفرادات.. طعنات وقبلات.. زهوراً وقنابل.. سنابل وطلقات. وقد ابتدعت باباً شهيراً للقطات الصحفية من وحي دراما الإنسانية والمجتمع كنت أنشره لسنوات في المجلة اسمه: سنابل وقنابل. الأيام عامرة بالدروس والعبر.. والذي يمكنه أن يستوعب حقائق الحياة لا يمكن له أن يغضب.. فالنفس البشرية مليئة بالمتناقضات.. تربت علي كتف هذا فيعض يدك.. وتعاقب ذاك فتفاجأ به في وقت آخر يكون أخلص الناس معك.. ويقول المثل المعروف: اتق شر من أحسنت إليه.. لكن هناك مثلاً آخر يجب أن نكتبه يقول: لا تتوقف عن أن تكون إنساناً.. ولو لم يكونوا كذلك. أنا أنظر إلي كل ما يجري بترفع شديد.. أياً ما كان.. ذلك أنني تعلمت الكثير.. حتي لو كنت لم أزل في منتصف الأربعينات من عمري. وما تعلمته جاءني مباشرة.. ووصلني أيضاً بالتدارس من أجيال من الأساتذة.. ومن قراءة التاريخ. حيث ليس من الصعب أن تكتشف أن أهم قيمة هي العمل.. وأن أقوي حصانة هي النزاهة.. وأن أفضل سبيل هو الإصرار.. وأن الأنواء لا تعصف المواهب حتي لو تحولت إلي أعاصير.. وأن للمجتمعات لحظات عصيبة.. لا تلبث أن تمر.. ولا يصح بعدها إلا الصحيح. كان إحسان عبدالقدوس، كاتباً عظيماً، وصحفياً علامة، ومناضلاً كبيراً، ساهم في جهد ثورة يوليو، وأدت تحقيقاته الشهيرة حول الأسلحة الفاسدة إلي نشوب الثورة نفسها.. والكل يذكر أنه واحد من أهم الروائيين في تاريخ مصر.. وأنه من رسل الحرية والتنوير.. والرجل صاحب الإنجازات المهيبة في تاريخ المهنة.. وقبل كل شيء المالك الذي ورث عن أمه هذه الدار.. دار «روزاليوسف» قبل أن تؤمم. لكن الكثيرين لا يذكرون أنه تعرض في «روزاليوسف» لأسوأ أيام حياته.. بعد التأميم.. وزعوا المنشورات ضده.. شتموه. أهانوا سيرة السيدة العظيمة أمه.. طعنوا في سمعتها. بل إن واحداً من أشهر كتاب صحافة مصر عامله بجفاء.. وكانت فاطمة اليوسف هي التي جعلت من هذا الكاتب رئيساً لتحرير صباح الخير.. وبالتأكيد فإن هذا الشهير جداً، والذي احترم مهنيته، لم يشر إلي ذلك في أي من مقالاته أو مذكراته أو محاوراته. إحسان المتفرد.. تجاوز المحنة. ومضي في طريقه.. عينته الثورة فيما بعد رئيساً لمجلس إدارة أخبار اليوم.. ومن المفارقات أنه أول من بلغ بتوزيع الجريدة رقم المليون نسخة. وأنه واصل التطوير المهني.. وابتدع بابه الشهير: علي مقهي في الشارع السياسي.. وأصبح من أهم علامات الكُتَّاب في الأهرام.. ولم يدخل «روزاليوسف» مرة أخري إلا قبل أن يتوفي بعام حين قررت المؤسسة التي وضعت أولي لبناتها في عام 1925 أن تضع اسمه علي واحدة من أشهر قاعاتها. وعرفت الكثير عن صلاح حافظ.. ربي أجيالاً.. وكان أشهر من ادعي أنه تعلم منه لا يزوره وهو مريض بالسرطان إلي أن مات؟ هذا الجاحد جعل من نفسه مؤرخاً لسيرة الأستاذ صلاح.. وعرفت ما هو أكثر عن المهيب فتحي غانم ذلك الذي روي الكثير عن كواليس الصحافة في «زينب والعرش».. والكواليس مليئة بمشاهد نري مثلها وتكراراً منها في الأيام الحالية.. التاريخ يكرر نفسه.. ولن يتوقف عن أن يفعل.. المهم أن نتعلم منه. ومن دروس الحياة أن المظهر لا يمكن أن يكون كاشفاً للجوهر.. والعكس صحيح.. في بداية تعارفي عام 1998 علي رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة الجديد الأستاذ محمد عبدالمنعم وصف قسم «الديسك» الذي كنت أرأسه بأنه «خابور».. فيما بعد كان عبدالمنعم واحداً من أهم أصحاب الفضل في تاريخي ومساري.. وأنا مدين له بنصف ترقيات تاريخي المهني: رئيس قسم الدراسات.. مساعد رئيس التحرير.. نائب رئيس التحرير.. وقد عضد ترشيحي رئيساً للتحرير. دربت نفسي منذ وقت مبكر علي ألا أتوقع إلا الأسوأ.. فيكون للأفضل مذاق خاص حتي لو كان ضئيلاً.. جاورت تجربة السيدة العظيمة سعاد رضا إحدي أهم أيقونات «روزاليوسف».. تظاهروا ضدها وتآمروا عليها وخلعوها من منصب العضو المنتدب.. وفيما بعد كان مكتبها منتدي لكل الأجيال.. يتمني أي عابر أن يحصل منها علي إيماءة أو نظرة. وتعلمت أن أي موقف يمكن أن يؤثر في أي من مسارات الحياة ولو بعد حين.. ذات مرة رفضت رشوة ألفي جنيه من مسئول التسويق في اتحاد المهاجرين اللبنانيين في إفريقيا.. وكانت تلك هي أحد أهم الأسباب التي دفعت صحفياً لبنانياً مرموقاً بعد أن شهد رفضي للرشوة.. لكي يختارني مديراً لمكتب جريدة كويتية أصبحت مستشاراً لمجموعتها الإعلامية فيما بعد.. ولم أزل. بل تعلمت من المسار المهني لأخي الأصغر عمرو كمال.. تخبطته الحياة.. وتعثر.. وطردوه من مجلة الأهرام الرياضي.. وأصبح الآن محرراً رياضياً مرموقاً في أخبار اليوم.. يحظي باحترام الوسطين الصحفي والرياضي.. ويتمتع بخبرة كبيرة في برامج التليفزيون الرياضية. وذات مرة صادفت أنس الفقي في أحد اجتماعات الحزب الوطني.. كان يجلس خلفي وأسمعه يسأل من إلي جواره: من هذا ولماذا يهتمون به؟ وكنت وقتها مساعداً لرئيس تحرير «روزاليوسف».. ثم حين أصبح وزيراً للشباب وجدته يعرض علي رئاسة تحرير جريدة تصدرها الوزارة.. لم تصدر.. كنت وقتها نائباً لرئيس تحرير المجلة. وحين أصبح وزيراً للإعلام اتفقنا علي مشروع برنامج حواري كنت أنا من نقدته في مطلع عام 2007 لأنه قال أمامي أن المرحوم مجدي مهنا علي «قائمة الدفع» لديه في التليفزيون «حتي لو كان ينتقد الدولة فهو يقبض منها.. حيث كان يقدم برنامجاً.. قلت لنفسي لن أقبل أن يقول عني أنس الفقي ذات يوم أنني علي قائمة من يدفع لهم.. وفيما بعد كنت الوحيد الذي هاجمه بكل قسوة.. ولا توقفني عن ذلك أي ضغوط. ثم حين ألقي القبض عليه.. وكان علي وفق منظومة القيم التي أومن بها إلا أن أقول: لقد كنت أكتب عنه من قبل وخضت أشرس الحملات ضده.. وكنت أنا أول من كشفه.. منعت نفسي من كتابة صفحة جريدة مدعمة بالوثائق لكي أكشف كل شيء. ببساطة ليست هذه هي الأخلاق. إذا ما عدت إلي الفقرة الأولي في هذا المقال أذكر أن صحفياً زميلاً لاحقني باتهام ادعي فيه أنه كان يكتب باباً اسمه «زهور وقنابل».. وأن علي أن أغير اسم الباب الذي أكتبه.. وضغط علي الأستاذ محمد عبدالمنعم.. وجعلت عنوان الباب: «سنابل وقنابل».. قلت إن القاموس لم ينضب.. فيما بعد كتب هذا الزميل بابه بضع مرات.. ثم نسيه وأقيل من الجريدة التي كان يكتب فيها.. وبقي اسم الباب الذي أكتبه من حين لآخر. الحياة مجموعة من السنابل التي لا تنفي القنابل.. والذي منحنا السنابل يمنحنا القدرة علي الاحتماء مما يعتقدون أنه قنابل.. بل إن قصف بعض القنابل يكون تمهيداً لزراعة سنابل جديدة. لقد اكتشفت أن عدداً كبيراً من زملائي هم في رصيد السنابل. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]