لا حديث في المنتديات وعلي صفحات الإنترنت وفيما بين الناس العاديين إلا عن مناوشة المذيع والوزير السابق، والمكالمة المسجلة بين رئيس تحرير جريدة خاصة وناشرها، في ذات الوقت الذي يتم فيه جمع توقيعات ضد قيادات وإدارات صحف خاصة، أسبوعية ويومية. لا أريد أن أذكر أسماء، لأنني بالفعل لا أريد أن أخوض في تفاصيل، ولكن ما أريد أن أقوله هو أن تلك الحالة التي يعيشها الجميع لن تنتهي بأن يخرج فريق منهزما ويفوز فريق علي حساب آخر.. لن يكون هناك أخيار وأشرار.. ولن تكون النهاية هي أن المجتمع صنف عددا من الناس علي أنهم فاسدون بينما الآخرون أطهار أتقياء. الجميع سوف تتمزق ملابسه، وفي الختام سوف تكون الرسالة التي يصدرها المجتمع عن نفسه ولنفسه وللآخرين من حوله، هي أننا كلنا جميعا أشرار.. وأن البلد لم يكن فيه شخص واحد علي صواب.. خصوصا أن عمليات التشهير المتبادلة لن يكون لها سقف.. والاتهامات تتبعثر بلا دليل.. وسلطات التحقيق القانونية لن يمكنها أن تحسم كل هذا الفيض من البلاغات في لحظة.. والمواقف السياسية لن تتصفي إلا عند صناديق الاقتراع. الإعلام، وتحديدًا المكتوب منه، باعتباره وقود كل آليات الإعلام الأخري، عليه جهد كبير في إنقاذ المجتمع من هذه الحالة التي تتصاعد يوما تلو آخر.. خصوصا أن لها مردودًا في كل مؤسسات الدولة.. وكل قطاعات الإنتاج.. وليس في الصحف والأحزاب وحدها.. والمستفيد الحقيقي من كل هذا لن يكون أحدا سوي قوي التطرف والجماعات الراغبة في أن تقود المجتمع إلي اتجاه غير مدني. مصانع القطاع الخاص برمتها تقريبا عانت أياما طويلة من اعتصامات وتمردات ومطالبات.. القطاع المصرفي تعطل أياما بسبب مطالب فئوية في مختلف البنوك.. شركة المقاولين العرب بكل استقرارها كانت تواجه مطلبًا جماعيا بزيادة الرواتب فورًا.. عمال المحلة لا يريدون المفوض علي إدارة شئون شركاتهم ومصانعهم.. الجميع كان سواء - ولم يزل - في نفس الهم. ويعتقد الكثيرون أن انهمار الشكاوي من هذا النوع الشخصي والفئوي علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة سوف يكون مفيدا.. في حين أن المطلوب هو أن نعطي هذه النخبة من رجال مصر الفرص والوقت لكي يتمكنوا من إدارة الفترة الانتقالية بدون أي تشويشات وبدون أن نشغلهم بأمور مهما كانت أهميتها هي لا تقارن بمصالح البلد العليا. أتساءل ببساطة: إذا كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة منشغلا بتعديل دستوري أو إعداد تشكيلة وزارية جديدة.. هل سيكون عليه أن ينحي هذا جانبًا من أجل أن يبحث مطالب بعض العمال في شركة ما لكي يستبين إذا كانوا علي حق أم أنهم مبالغون في التعامل مع رئيسهم.. هل سينظر في تفاصيل المادة 76 من الدستور أم أنه سوف يقضي وقتا في بحث تعدي عدد من الموظفين علي رئيس قطاع أو رئيس مؤسسة أو حتي رئيس إدارة بإلقاء الكراسي وشتم الأب والأم؟! أليس علينا أن نعين المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتشغيل آليات التفكير بدلا من إعمال ماكينات التدمير الذاتي؟ ليس مطلوبًا أن نتستر علي فساد وأن نسكت عن أخطاء.. المحاسبة هي أساس أي مجتمع قائم علي العدل أو يريد أن يكون كذلك.. والشفافية هي لب أي دولة تريد أن تكون نزيهة والمنافسة فيها حرة وفق قواعد صحيحة.. ولكن المحاسبة لا يمكن أن تقوم علي التشهير.. بالعكس سوف يؤثر سيل منهمر من الشكاوي والبلاغات علي مصداقيتها كلها.. وفي نهاية الأمر فإن المحققين بشر.. لديهم طاقة.. وقدرة علي التعامل.. وإذا وجدوا أمامهم ألف شكوي كيدية أو ذات أهداف شخصية.. فإن هذا سوف يؤثر في أحكامهم علي شكاوي قد تكون صحيحة. لم يكن البلد كله من الخائنين والفاسدين والحرامية.. الصحافة كانت تقول إنها حرة.. والإعلام كان يقول إنه لا يخشي في الحق لومة لائم.. أين كان كل هؤلاء الشاكين وكل هؤلاء المشهرين.. إن الرسالة التي يبعث بها الظرف الحالي للمجتمع هي أنه لا أمل.. في حين أن هذا حقا هو وقت الأمل.. لماذا نهدر أهم مكسب ل25 يناير.. وهو استعادة الأمل.. ولكي يبقي هذا كذلك فإن علينا أن ننتبه إلي مستقبل مصر.. لا نتستر علي جرم حقيقي.. ولكن أيضا لا يكون الوقت فرصة لأوسع عملية تصفية حسابات في التاريخ.. الكل سوف يخسر.. وليس واحدًا بعينه. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]