أتفهم حجم الضغوط التي يتعرض لها الجميع.. بما في ذلك الزملاء في مجال الصحافة.. الحرب النفسية شرسة جدا.. والابتزاز وصل إلي أقصي مراحله.. ناهيك عن الاستفزاز.. والترويع والتهديد.. لكن تفهمي لا يعني أبدا أنني يمكن أن أقبل ظواهر (خلع الأفكار) كما تخلع الملابس في هذه اللحظة العصيبة والعصبية. الذين يخلعون أفكارهم الآن، يضحون بأنفسهم.. قبل أن يهدروا مصالح المجتمع والدولة.. في الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم يحمون ذاتهم.. هم يطعنون أجسادهم بأيديهم.. ينزعون الشرعية عن مواقعهم.. حين يبدأون في التعاطي بطريقة مخالفة مع نفس التحديات التي كانوا يواجهونها بطريقة أخف من قبل.. حين تبدل مواقفك.. أنت لا تنجو كما تعتقد.. وإنما تضع نفسك علي مذبح انهيار المصداقية والتبدل حسب الموجات.. أو وفقا لاتجاه الريح. الذي يؤمن بفكره عليه أن يؤكد أنه كان يفعل ذلك عن قناعة خاصة.. وليس لمصلحة حققها.. خلع الأفكار الآن هو نوع من الاعتراف بضعف القدرة.. وتعبير عن عدم احترام النفس.. وعن عدم احترام عقول الناس.. الذين يشاهدون التبدلات لن يعطوا صكا بالنجاة لكل من يعلن أنه يفر من سفينة يعتقد أنها تغرق. المواقف لا تكون مواقف إلا في لحظات الاختبار الحقيقية.. ولا تكتسب مصداقيتها إلا في أوقات التحديات.. هذا وقت عصيب.. إذا سعي كل منا لكي يحمي نفسه فحسب.. فإن النتيجة سوف تعني هي مجموعة من الانتهازيات.. وخسارة وطنية شاملة.. وأيضًا عدم تحقيق أي مصلحة لأولئك الذين يظنون أنهم سوف يربحون حين يتبدلون. لا أريد أن يأتي يوم ليقول أحدهم إنه غيَّر مواقفه في لحظة.. هذا ليس عنادا.. هذا احترام للذات.. وإيمان بالمبادئ.. وإذا كنت أنتقد الآخرين من قبل لأنهم كانوا يتبدلون فإن علي وعلي زملائي أن ينتبهوا إلي أن التاريخ لا يرحم أحدا.. أيًا ما كان هذا الذي سوف يكتبه فيما بعد.. الذي سوف يكتب التاريخ. أن توصف بأنك أحمق.. لم تفهم.. أشرف بكثير من أن توصف بأنك انتهازي وصاحب مصلحة.. وكنت تتبني مواقفك بناء علي أنك كنت موظفا.. صاحب الفكر لا يمكن أبدًا أن يكون موظفا.. النخبة عليها واجب أخطر وأهم من أي مواطن عادي.. كيف نكون قادة رأي بينما نحن نتعامل مع الرأي علي أنه خضار ننتقيه ونشتريه ونأكله. ولنفترض أن متغيرات مصر قادت فيما بعد إلي تبدل طبيعة الحكم.. وإلي تغير اتجاه السلطة.. ولنفترض أن المناخ سيكون ديمقراطيا.. إذن سوف نكون نحن المعارضة.. أما إذا اضطربت الأوضاع.. وتحولنا إلي عصر فاشٍ.. فسوف يدفع الجميع الثمن.. المؤيدون الآن والمعارضون لاحقا.. والمعارضون الآن والمؤيدون لاحقا. الصحف لا تلتحق بالمتغيرات في لحظة حدوثها.. شهادات الالتصاق لا تمنح هكذا في دقيقة مع ميلاد أي عصر جديد.. لكل متغيرات صحفها.. ولا أعتقد أن اللحظة قد قررت ما هي الصحف التي ستكون معبرة عنها بعد.. حتي لو كانت هناك مطبوعات تقدم العربون والقربان وتغازل كل شيء وتحرض علي أي شيء.. وتمشي مع الموجة وفوقها وعليها.. لحظة الفرز لم تنته بعد.. والدولة قائمة لم تتبدل.. وحتي اللحظة هي تدير الواقع الذي يفرض متغيراته.. واثق في أنها سوف تكمل مهمتها.. حين تنهار الدولة لن تكون أيًا من تلك الصحف كلها موجودة.. خاصة أو حزبية أو قومية.. وسوف تكون هناك وسائل إعلام أخري. لنحترم أنفسنا.. علي الأقل لأن لدينا مهمة قومية ووطنية.. وهي أن من المفترض في الصحافة أن تكون عقلا عاملا.. وأن تقدم رؤي للبلد.. وأن تطرح حلولا.. وأن تكون نبراس هداية.. لا فتيل اشتعال.. وأن تضع رؤي.. وأن تقدم أفكارًا.. وأن تسهم في حالة التفكير العامة.. وليس أن تضيف إلي حالة الفوضي التي سوف تقود البلد كله إلي المجهول.. حيث لن ينجو أحد.. خصوصًا أولئك الذين يخلعون أفكارهم كما يخلعون ملابسهم. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]