من تونس إلي لبنان اشتعل بلد عربي جديد، لكن الدوافع والمسببات والقوي المحركة مختلفة هذه المرة، فما حدث في لبنان، انقلاب قاده حزب الله علي حكومة التوافق الوطني، التي شكلها سعد الحريري، وضمت كل الطوائف والقوي السياسية المتنافرة في هذا البلد. ورغم أن عنوان إسقاط حكومة الحريري، هو إسقاط المحكمة الدولية لمحاكمة من اغتالوا رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في ضوء ما كشفت عنه التسريبات المتلاحقة من تورط عناصر من حزب الله في هذه الجريمة، فإن الصراع في لبنان يبدو أن له دوافع أكثر وأهم من محكمة الحريري. لبنان هو الساحة الأبرز والأهم للصراع الإيراني الغربي، ويعتبر حزب الله اللبناني، أحد أقوي وأهم الأذرع الخارجية للحرس الثوري اللبناني، وكان معروفا أن حزب الله يقود المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان حيث يتركز الشيعة، لكن الملاحظة المهمة أن الحزب خرج من معادلة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ حرب صيف 2008، ولم تشهد منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة أي عمليات مقاومة. ومنذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.. فشلت كل محاولات القوي السياسية المختلفة في لبنان في وضع سلاح حزب الله علي مائدة التفاوض، ما حوله إلي جيش خاص داخل الدولة اللبنانية لا يستطيع أحد مواجهته.. ولا حتي الجيش الرسمي للدولة. وتحول حزب الله من قوة لمقاومة الاحتلال إلي ذراع عسكرية لإيران، يتحرك حين تأتيه الأوامر، ويلتزم الصمت أيضا وفقا للتعليمات الإيرانية كما حدث في حرب غزة، حين زار مستشار الأمن القومي الإيرانيدمشق وأطلق تصريحات واضحة وتعليمات للحزب بعدم توسيع دائرة الحرب، وبتبريد الجبهة اللبنانية. ومن يقرأ جيدا طبيعة العلاقات الغربيةالإيرانية وجلسات المباحثات الخاصة بالملف النووي الإيراني، سيلحظ بلا شك أن الإيرانيين الذين كانوا قد بدأوا في إظهار بعض المرونة، عادوا في المباحثات التي جرت في تركيا قبل أيام بالتزامن مع إسقاط حكومة الحريري في لبنان إلي التشدد من جديد، مما يعني أن التصعيد في لبنان ليست له علاقة بمحكمة الحريري بقدر ما هو ورقة يراد استغلالها في التفاوض علي الملف النووي الإيراني. ومن يتابع مناطق النفوذ الإيراني في العالم العربي.. يلحظ بلا شك أن طهران مارست ضغوطا كبيرة في الداخل العراقي، واستطاعت انتزاع انتصار جديد لها حينما نجحت بضغوطها في تكليف نوري المالكي بتشكيل الحكومة العراقية رغم أنه لم يحصل علي الأغلبية النيابية المناسبة، وتشددت ضد القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي ومنحها المواطنون العراقيون المركز الأول في التصويت والتمثيل النيابي.. وهو نفس ما تعيد إيران تكراره في لبنان، بإسقاط أغلبية الحريري، وصعود أقلية حسن نصر الله وحزب الله لتشكيل الحكومة. وقد يتابع المواطنون العرب ما يحدث في لبنان علي شاشات الفضائيات، لكن بعضهم لا يدرك أن بلداً عربياً آخر في طريقه ليسقط في حجر إيران، وهنا تبدو خطورة ما سبق وحذر منه ملك الأردن عبدالله الثاني حين تحدث قبل سنوات عن الهلال الشيعي الذي يضم العراق ولبنان وسوريا وغزة.. والبقية تأتي.. والبقية في حياتكم.