لم يشأ وليد جنبلاط أن يترك فرصة لصديقه السابق سعد الحريري لأن يخمن أسباب تخليه عنه والانقلاب عليه والانحياز إلي معسكر 8 مارس خلال المشاورات الخاصة باختيار رئيس وزراء جديد، رغم أن جنبلاط آثر رغم إعلان انسحابه مبكرا من معسكر 14 مارس بعد الانتخابات البرلمانية منح تأييده لصديقه السابق سعد الحريري، وكان يتمني ألا تتطور الأمور والأوضاع إلي درجة تجبره علي الاختيار. إنها سوريا التي رأت أن اللحظة صارت سانحة للتخلص من سعد الحريري مثلما تخلصت من قبل من والده رفيق الحريري وأطاحت به من رئاسة الحكومة.. لقد قالها جنبلاط بصراحة شديدة إن الموقف السياسي للقاء الديمقراطي الذي يتزعمه هو الوقوف بجانب سوريا والمقاومة.. وهكذا كشف جنبلاط بوضوح أسباب تخليه عن صديقه السابق سعد الحريري الذي سبق أن دبج الخطب والتصريحات شديدة البلاغة في متانة العلاقة بينهما. نعم من المعروف سلفًا أن وليد جنبلاط اضطر قبل شهور مضت للانسحاب من مجموعة 14 آذار التي خاض الانتخابات البرلمانية في إطارها، وذلك بعد أن كشر حزب الله عن أنيابه له وهدده هو وأقليته الدرزية بسلاحه ولم يكن أمام وليد جنبلاط سوي التنازل والتراجع وممالأة حزب الله في لبنان ليضمن السلامة له وأقليته.. لكن ظل وليد جنبلاط يحتفظ بصلاته مع سعد الحريري ولم يشأ أن يتخلي عنه.. ولكي يوائم بين موقفه الجديد اختار لنفسه موقع الوسيط بين الحريري والمعارضة خلال الخلافات التي نشأت سواء قبل تشكيل حكومته أو بعدها بينه وبين حزب الله وحلفائه. في هذا الوقت كانت سوريا في ظل المصالحة السعودية- السورية لا تبدي معارضة لتولي الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية.. بل تبدي استعدادها للتصالح معه وهو ما رتبته السعودية بالفعل.. واستقبلت دمشق سعد الحريري أكثر من مرة، وتم توقيع اتفاقيات لبنانية وسورية جديدة، وإن لم يتجاوز بعضها حدود مرحلة التوقيع فقط ولم تصل إلي مرحلة التنفيذ وفي المقابل فقد رد سعد الحريري التحية بأفضل منها حينما أعلن تبرئة سوريا من دم والده، بل قدم ما يشبه الاعتذار عن اتهاماته السابقة للسوريين بالمشاركة أو التحريض علي قتل والده. لكن.. كل هذه التراجعات لم تكن كافية لدي سوريا.. فهي لم تغفر لسعد الحريري أنه هو وحلفاءه الذي أجبر قواتها علي مغادرة لبنان وأنه لعب دورا في حشد عدد من الدول الغربية ضدها بعد اغتيال والده، وأنه - وهذا هو المهم الآن - يبقي علاقات لبنانية طبيعية معها تستند إلي الندية وعدم التدخل في الشئون اللبنانية وما زال يرفض الوصاية السورية علي بلاده. ولذلك ظلت سوريا تتحين الفرصة للتخلص من سعد الحريري.. وكانت إشارة البدء لحلفائها في لبنان للتحرك في هذا الاتجاه هي إصدار قرارات قضائية ضد عدد من أنصاره في إطار القضية التي عرفت باسم شهود الزور.. وعندما تدخلت السعودية لإعداد ما سمي بالمبادرة المشتركة مع سوريا لاحتواء آثار وتداعيات القرار الاتهامي الذي يسميه اللبنانيون الظني في قضية اغتيال رفيق الحريري لم تبد سوريا استعدادا لإقناع حلفائها بتنفيذ هذه المبادرة، بل علي العكس حرضتهم علي التعجيل بالاستقالة من الحكومة لإسقاطها.. وبعدها مارست سوريا ضغوطها علي وليد جنبلاط حتي يسحب تأييده لإعادة ترشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة مجددًا وهو ما تحقق بعد مشاورات عديدة اقتضت خلالها أن تطلب المعارضة تأجيل مشاورات اختيار رئيس الحكومة أسبوعًا حتي يتم إخضاع جنبلاط وهو ما تحقق لها أخيرًا.