اتصل بي صديق مصري مقيم بإحدي الدول الأوروبية مستفسراً: ماذا يحدث في مصر في هذه الأيام؟ وهل حقاً ما تصوره لنا وسائل الإعلام الأوروبية، وبعض القنوات العربية، من أن الوضع في مصر متأزم للغاية، وأن حالات الانتحار ستشعل الثورة فيها، تماماً مثلما حدث في تونس؟ أجبته قائلاً: لقد كنت في مصر منذ عدة أسابيع - فهل لا حظت ما تشير إليه؟ وهل وجدت الأمر علي النحو الذي تصوره وسائل الإعلام الدولية عن مصر؟ أجاب صديقي بالنفي، ولكنه عاد يكرر: وهل تكذب وسائل الإعلام الدولية يا سيدي؟! كثيرون منا مثل هذا الصديق، يكذِّب عينيه إذا أخبره الآخرون بعكس ما يراه.. كثيرون منا مستعدون لتصديق أي شيء يصدر من وسائل إعلام غير حكومية، رغم أننا أصحاب الشعار التاريخي "ده كلام جرايد"، و"ده شغل إعلام".. في الإشارة إلي كل ما ليس صادقاً.. فلماذا أصبحت وسائل الإعلام مصدقة إلي هذا الحد الذي نكذب فيه أعيننا وواقعنا؟ بعض الناس في مصر يقولون إنه لا توجد حرية في مصر؟ ويصيح بأعلي صوته في وسائل الإعلام ويتباكي علي الحرية المفقودة! رغم أن أي مشاهد بسيط سوف يسأله: وماذا تسمي برامج المكلمخانة اليومية علي القنوات الفضائية؟ وماذا تسمي الصحف الخاصة والحزبية التي لا هم لها إلا نقد الحكومة والحزب الوطني، ولم يعد هناك كبير علي الانتقاد؟ وماذا تسمي ما تقوم به أنت شخصياً من حديث وحوار حر ومفتوح؟ بعض الناس في مصر يتباكون علي عصور مضت، وعلي أزمان خلت، لدرجة أنهم بدأوا في البكاء علي أشد عصور مصر انحطاطاً، وتم تصويرها علي أنها الفردوس المفقود، و" جنة دانتي"، ويوتوبيا توماس مور.. بعض الناس في مصر مستعدون للبكاء أيضاً علي العصر المملوكي والعثماني، ويتمنون عودة علي بك الكبير ومراد بك، لا لشيء إلا لرغبتهم الدفينة في طمس الواقع، وفي تحقيق أهداف خاصة بهم.. واقع مصر كان من الممكن تصويره علي أنه قمة الازدهار لو كانت لهم بعض المغانم السياسية، أو احتلوا عن غير حق منصباً فيها.. أما والحال غير الحال، فمصر هي الجحيم، وليذهب الجميع إلي الجحيم، لا أحد يقول إننا في الجنة ولكن في الوقت نفسه نحن لسنا في النار. بعض الناس في مصرنا يكذبون أعينهم، ويضحكون علي أنفسهم وهم يتذكرون مقولة جحا لجاره الذي جاء إليه طالباً من جحا أن يعيره حماره، فأخبره جحا بأنه حماره غير موجود.. وفي أثناء ذلك ينهق الحمار من داخل البيت، فيتعجب الرجل ويسأل جحا: أليس هذا هو صوت حمارك؟ فيجيب جحا مستنكراً: يا هذا، أتكذبني وتصدق الحمار؟! نعم أيها الأصدقاء، بعضنا يكذب الواقع ووسائل الإعلام الأجنبية.