التجربة المصرية سباقة في استشراف المستقبل (1) - بالطبع كان من الممكن أن تكون الأوضاع في تونس أفضل بكثير مما يحدث الآن، لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية تسمح بالتغيير السلمي الهادئ، الذي يحفظ للبلاد مكتسباتها ويحميها من الفوضي. - الديمقراطية كانت ستحمي الرئيس المخلوع من مصيره الحزين، فأسوأ شيء في الحياة هو أن يختتم رئيس حياته بهذا الشكل المأساوي ليقضي بقية حياته ويبحث عن قبر في المنفي. - لعن الله السلطة التي تعمي العيون وتميت القلوب، فلا يري صاحبها إلا الكذابين والمنافقين، فلا يعرف الفرق بين الجماهير التي تجري وراءه لتحييه أو لترميه بالطوب والحجارة. (2) - الديمقراطية كانت ستحمي الشعب التونسي من الفوضي العارمة التي تأتي علي الأخضر واليابس، وتحفظ البلاد من عمليات القتل والسرقة والنهب، علاوة علي الخسائر الفادحة في كل القطاعات. - الأوضاع الاقتصادية في تونس لم تكن بالسوء الذي يدفع إلي الثورة العارمة، ولكن الكبت الديمقراطي هو الذي جعل الإناء يغلي وينفجر ويتطاير في وجه الجميع. - تصور «بن علي» أنه امتلك تونس وأرضها وشعبها، فمارس عليها أسوأ أنواع الديكتاتورية الحديدية، وسد كل نوافذ التعبير ولم يؤمن أبداً بالحكمة التي تقول: «لابد للمكبوت من فيضان». (3) - الخوف علي تونس من أن تستعذب الفوضي لتخسر قاعدة اقتصادية معقولة فتزداد الأوضاع سوءًا، وتتردي الأحوال المعيشية للناس، ولا يجدون وسيلة للعلاج سوي مزيد من الفوضي. - الخوف - أيضًا - من المجموعات الإجرامية التي تنتشر في كل الأماكن، تسرق وتنهب وتقتل، وتمارس أعمال الترويع والترهيب وتحرم التوانسة من الهدوء والأمان. - الخوف علي تونس من هروب الاستثمارات التي تمثل حجر الزاوية في التنمية، وكان مشهداً مؤسفاً وحزيناً حين تعرض بعض السائحين الأجانب لاعتداءات دامية. (4) - الديمقراطية هي الحل، وهي التي تمنح الحاكم والمحكوم الأمن والطمأنينة، فتجعل الأول ينام قرير العين، والثاني مطمئنًا علي مستقبل أبنائه وحمايتهم من الخوف. - الديمقراطية العاقلة التي تمنع الفوضي، وأيضًا تجنب الانفجار، التي توازن بين حق الشعوب في حياة حرة كريمة، وبين حماية بلادهم من الاختراق والانفلات. - الديمقراطية ليست اختراعًا، وكما هو معمول بها في البلاد التي ابتكرتها فهي تُعلي شأن التداول السلمي للاختلاف، وتحتكم في النهاية لصاحب القرار، وهو الشعب. (5) - لست من هواة الإسقاط، أو مقارنة أوضاع مصر بأي دولة عربية أخري، كما يحلو لبعض الكتاب والمواقع الإلكترونية أن تفعل، ولكن من الضروري الإشارة لبعض النقاط: - أولاً: كانت التجربة الديمقراطية المصرية سباقة في استشراف المستقبل منذ عام 2005، وطورت آلياتها بحزمة من الإصلاحات الكبيرة التي تستوعب مختلف المتغيرات. - ثانياً: عالجت الديمقراطية أخطاءها بنفسها وبمزيد من الديمقراطية، وتعاطت مع حالات الخروج والانفلات بالصبر والهدوء والإصرار علي اجتياز كل العقبات. (6) - ثالثاً: حرية الصحافة لا تحتاج دليلاً ولا برهانًا، فبجانب «الكم» يحدث تطوير في «الكيف» وكسبت الصحافة المصرية مساحات هائلة تشهد بها كل دول وشعوب المنطقة. - رابعاً: دخلت الفضائيات ساحة المنافسة، ولم تترك صغيرة ولا كبيرة من أقصي البلاد لأقصاها إلا وسلطت عليها الأضواء والكاميرات، ووصل الأمر أحياناً إلي المبالغة والإثارة. - خامساً: رغم الممارسات السلبية لبعض جمعيات حقوق الإنسان، إلا أن عدداً كبيراً منها يلعب دوراً مهما في تكريس ثقافة حقوق الإنسان وملاحقة التجاوزات أولاً بأول. (7) - سادساً: مازالت أحزاب المعارضة المصرية تمثل الأمل والطموح في تفعيل الحياة السياسية، واجتذاب الكتل العازفة عن المشاركة وفتح قنوات الاتصال مع الناس. - سابعاً: التجربة الديمقراطية تطور نفسها بنفسها، والإصلاحات التي حدثت في السنوات الأخيرة ليست نهاية المطاف، ومن حق المصريين أن يحلموا ويطالبوا بالمزيد والمزيد. - ليس عيباً ولا نقيصة أن ندرس التجارب التي حولنا ونستفيد منها وليس هناك مصري واحد مخلص لبلده يريد لها السوء.. وحفظ الله مصر وشعبها. E-Mail : [email protected]