صدر الحكم علي قاتل أبرياء نجع حمادي بإحالة أوراقه إلي فضيلة المفتي ما يعني حكما بالإعدام وبعدما انتظر أهالي الضحايا لمدة عام كامل يتلهفون علي معرفة ما سيحدث لمن قتل ذويهم ها قد أتت الساعة المنتظرة وتم إعلان عقاب الجاني.. ولكن هل امتلأت نفوس أهالي الضحايا بالفرحة كما قال البعض؟ هل هناك ارتياح في أوساط المهتمين ونشطاء حقوق الإنسان والمطالبين بالعدل بسبب العقوبة أم بسبب إعلان ثبوت جريمة الجاني وظهور الحق؟ وأخيرا ما قيمة هذا الحكم في هذه المرحلة ولما هو آت؟ هناك فرق كبير بين الأحكام التي تقرها المحكمة لعقاب الجناة، والانتقام من المخطئ.. فالقضاء العادل بصورته القانونية المجتمعية يتحقق من ارتكاب المتهم للجريمة.. فيصبح المتهم جانيا أثبت عليه ارتكاب جرم ضد المجتمع.. ومن ثم تنطبق عليه القوانين الخاصة بالعقوبات وتحكم المحكمة ممثلة في قضاتها الأجلاء بتنفيذ العقوبة علي الجاني.. أما الانتقام فهو غير وارد بالمرة في المفاهيم الإنسانية المجتمعية الراقية.. ولا هو هدف القانون، ولا هو روح العدل.. العقوبة ليست انتقاما بل قد وضعت لسببين مهمين ألا وهما: أولا إظهار الحق ورفع الظلم وإعطاء كل ذي حق حقه.. وثانيا: لردع أي عناصر في المجتمع تسول لها نفسها الضعيفة القيام بمثل تلك الجرائم.. وهذا يعني أن العقوبة إنسانية وليست إلهية كما تصور البعض.. وهي ليست للنقمة من الجاني بل لعقابه علي ما اقترفت يداه وحتي يتعلم المجتمع أن المخطئ لا يترك دون عقاب.. وإذا كان أهالي الضحايا قد وجدوا بعض الراحة وليس الفرحة في الحكم فهذا لأن إحساسهم بالظلم الذي وقع علي أبنائهم وذويهم واستمر شعورهم به مدة عام كامل قد لاحت نهايته.. وذلك بعد إعلان ثبوت الجريمة علي الجاني واستصدار العقوبة له.. لن يعيد إعدام الجاني أيا من الضحايا إلي الحياة.. ولن يخفف من حزن أهلهم لفقدانهم أن يموت الجاني.. ولن ينسي الأخ الحي دم أخيه الذي حمله وهو ينزف ومات بين يديه.. ولكن فرقا واحدا هو ما أتي به الحكم لهؤلاء ألا وهو رفع الظلم وتحقيق العدل واستعادة الثقة في المجتمع بمؤسساته.. ويبقي السؤال الأهم: هل هذه هي نقطة النهاية أم البداية؟ أي هل يعد الحكم بمثابة إنجاز قضي علي الشعور بالظلم وانتهي الأمر؟ أم هي بداية للانتباه إلي تعزيز القانون وأهمية دور العدل بمفهومه الحقيقي الذي يتضمن عوامل الوقت وسرعة الإنصاف للقضاء علي التوتر والفتن ولاستعادة الثقة الجماهيرية في سلطة المؤسسات الأمنية والقانونية التي ترفع الظلم وتسيد العدالة؟ أخيرا، وللتأكيد: الإعدام وغيره من العقوبات ليست عقوبات إلهية بل هي عقوبات بشرية وضعها الإنسان للحفاظ علي أمن المجتمع.. والقضاء ورجاله ليس عليهم أن يمثلوا العدالة الإلهية بل أن يحكموا بما بين أيديهم من أدلة ووقائع بشرية ويعتمدوا علي نصوص قانونية يلتزمون بها بهدف تحقيق العدل المجتمعي لا للانتقام من المجرمين..