التساؤلات المطروحة في معهد ماساشوستيس للتكنولوجيا (MIT) في الولاياتالمتحدة، تتمحور حول هذا السؤال: ما طبيعة الفكر اليوم؟... وقد شكلت محاولات الإجابة عنه ما يعرف ب "النزعة العقلية لمعهد ماساشوسيتس" كما يقول "بوتنم" وهي تضم جهود "نعوم تشومسكي" و"جرفودور" و "دانيل دينيت" و "ريتشارد رورتي" وآخرون. وتصدر هذه النزعة عن تصور عقلاني يقضي بأن الإنسان يولد مزودًا بجهاز فطري مخصص تخصيصًا عاليا يمكنه من اكتساب المعارف - وتري أن المحيط لا يلعب إلا دورًا هامشيا في هذا المسلسل الاكتسابي - ويمكن تخصيص "محتويات" هذا الجهاز الفطري علي النحو الذي تخصص به الفيزياء (بالمعني العام) موضوعاتها - أن هذه النزعة باختصار، تمزج افتراضًا ميتافيزيقيا تبلور في سياق عقلاني مع نزعة وضعية ظهرت في سياق تجريبي - لكنها تفرز هذا المزج نسقًا جديدًا لا يفصل بين الفكر والمادة، وهنا بالتحديد يختلف هذا الطرح الجديد عن الطرح العقلاني الكلاسيكي، ولا ينتمي بأي حال إلي النزعة الطبيعية كما هو الحال عند الوضعيين. لقد دشن ديكارت منذ القرن السابع عشر : "الثنائية" Dualism بين (العقل - الجسم)، ومن ثم ظهرت مشكلة أساسية وهي : كيف أن "العقل" Mind المجرد، يستقر في "المخ" (brain - body) وهو كائن عضوي، ومن ثم أصبح هناك لغز أساسي تولد من هذه الثنائية التي طبعت رؤيتنا للعالم وللإنسان وللأشياء، ويمكن صياغته كالتالي: كيف تستطيع أفكارنا المجردة، ومقاصدنا ومشاعرنا أن تسير أجسامنا الطبيعية، وتوجه أفعالنا وسلوكنا؟ إن "الثنائية" Dualism هي ذلك الاسم الذي عبر عنه الانشطار الحاد والفصل التعسفي بين:الروح - الجسد، الذات - الموضوع، العالم الباطني - العالم الخارجي، وقد ظلت تفعل فعلها زمنًا طويلاً قبل أن تتقدم العلوم الجديدة للفكر واللغة والرياضيات والاتصالات والبيولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم. بل أصبح اليوم أي "باحث، أو أية نظرية علمية، لا تأخذ بعين الاعتبار "خطأ" العلم الديكارتي تصبح موضع اتهام، ناهيك عن السمعة السيئة التي تلاحقها. والواقع أن الديكارتية وجهت بانتقادات في عصر ديكارت نفسه، ومن أبرز منتقديها "بليز بسكال" الذي اعتقد علي العكس من ديكارت: أن لكل موضوع من موضوعات المعرفة منهجًا ينبغي ابتكاره، وليس منهجًا واحدًا يطبق علي جميع الموضوعات. فالعقل والقلب متباينان في داخل الإنسان، وحسب بسكال "فإن لقلب الإنسان منطقه الذي هيهات للعقل أن يتفهمه ... وعبثًا يحاول العقل زعزعة المبادئ بالاستدلال، فإنها خارجة عن دائرته ولا شأن له فيها. ومن المضحك أن يطلب العقل إلي القلب الأدلة علي مبادئه، كما أنه من المضحك أن يطلب القلب إلي العقل الشعور بالقضايا التي يستنبطها. وقد رفضت أفكار بسكال في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، خاصة من الفيلسوف "ديفيد هيوم" والذي جادل أيضًا ضد ليبنتز ونظر إلي المعرفة نظرة آلية حسية، فالأشياء الكلية المجردة الموجودة في العقل مثل مفهوم " إنسان"، هي في حقيقتها مستخلصة من أشياء جزئية مادية، أدركناها بالحواس، وعليه فإن الفكر صورة عقلية لمدركات حسية. اللافت في الأمر أن "بسكال" كان رياضيا مثله مثل ديكارت، وإن اختلف عنه في تأكيده علي أن الرياضيات - رغم استخداماتها المتعددة - فإننا لا نستطيع أن نستخدمها في كل شيء. وللحديث بقية