من المؤكد أن الرئيس أوباما لم يتصل بالرئيس الأسبق عليه بيل كلينتون لكي يطلب منه نشر مقال في جريدة (نيويورك تايمز) بمناسبة الذكري الخامسة عشرة لتفجير مبني للحكومة الفيدرالية في أوكلاهوما.. كما أن جريدة نيويورك تايمز التي نشرت مقال كلينتون.. لم تتلق توجيهًا بأن تسعي إليه لكي تستكتبه المقال الذي أعاد فيه التنديد بهذا العمل الإرهابي الذي أدي لمقتل 168 أمريكيا.. الرقم الأضخم لضحايا أمريكيين قبل أحداث 11 سبتمبر. لقد اقتبست من هذا المقال عبارة مهمة قبل يومين في مقالات الصفحة الأولي.. وهي: (النقد هو شريان الحياة بالنسبة للديمقراطية، ولا يوجد من هو علي حق علي طول الطريق ولكن ينبغي أن نتذكر أن هناك فرقًا كبيرًا بين نقد السياسة وبين تشويه صورة الحكومة التي تضمن حريتنا والاعتداء علي الموظفين العموميين الذين يفرضون قوانيننا). بخلاف هذا الاقتباس، فإن المقال يستوجب نظرة متعمقة في الأمر.. ولكي نعرف أبعاده لابد أن نشير إلي أن في الغرب الأمريكي اتجاهات حادة رافضة لسلطة الحكومة الفيدرالية.. ووجهة نظر هذه الولايات أن تلك الحكومة لا ضرورة لها.. وأنها تتحصل أموال ضرائب لايجب أن تفرض.. وحدة هذا العداء تتحول إلي تطرف.. ومن ثم إلي إرهاب.. وهو ما أدي إلي قيام الإرهابي الذي فجر المبني بأن ذهب إليه بسيارة معبأة بالمتفجرات.. وأدت إلي تلك الكارثة. إن مرور خمسة عشر عاماً لا تمنع الإعلام الأمريكي من أن يتعامل مع الأمر بما يجب للقضاء علي القيم التي أدت إليه.. أنت لم تر صحيفة ذهبت إلي أسرة الإرهابي لكي تمجد ذكراه.. أو محطة تعد تقريرًا متعاطفًا معه.. أو إذاعة تقول كلامًا يؤيد فكرة التحريض علي الحكومة.. بل جريدة وهي بالمناسبة خاصة وتوزع علي المستوي القومي تدافع عن ثوابت المجتمع الأمريكي بطريقتها ومن خلال هذا المقال.. الذي كان عنوانه (الدرس الذي تعلمناه من تفجير أوكلاهوما). دافع بيل كلينتون عن الحرية الأمريكية.. وعن حق النقد.. ولكنه أيضا طوق هذه الحرية ليس فقط برفض العنف.. وإنما أيضا بأن يتحول النقد إلي تشويه.. غير أننا في المقابل نواجه في مصر معضلة رهيبة جدًا وهي أن الإعلام لايساعد علي ترسيخ قيم المجتمع وأسس دولته.. وإنما في الأغلب يدعو إلي الانقلاب عليها.. والتحريض ضدها.. والعمل علي تأليب الناس ضد سلطة القانون. لسنا بدورنا ضد النقد والاحتجاج والاعتراض.. ولا نريد حكومة مقدسة لا يقترب منها أحد.. ومن حق كل من يشاء أن يطالب بإقالة حكومة نظيف.. بل أن يسعي للحصول علي أغلبية تؤدي إلي إنهاء سيطرة أغلبية الحزب الوطني عبر طريق ديمقراطي.. ولكن المشكلة التي تتجذر يوميا في مصر هي أن الإعلام لايحرض فقط علي فريق الحكومة وإنما يحض علي الإطاحة بمعني الحكومة.. ويدعو إلي رفض تطبيق القانون.. ويحفز علي تجاوز ما تعنيه الدولة. كون الفريق الذي يدعو إلي تلك القيم في الإعلام المصري خاصًا، أي مملوك لغير الأدوات القومية لا يعطيه الحق أبدًا في أن يطيح بالدولة من خلال رسائله اليومية.. لأنه ببساطة جزء من نظام هذه الدولة طالما صدر بترخيصها وبقانونها.. ونيويورك تايمز التي صدر فيها مقال كلينتون هي جريدة خاصة.. ولكنها تدافع عن أسس الدولة الأمريكية وتدرك أن العمل ضد هذا من خلال كتابها وموضوعاتها.. هو ضدها هي أولاً. فليسقط كل من يخالف القانون.. وكل من يعمل ضد مصلحة الناس.. وكل من يكون فاسدًا.. ولكن لابد أن تكون رسالة الإعلام هي الدفاع عن الدولة.. لو كان قوميا.. ولو كان خاصًا.. ولو كان حزبيا.. ولو كان رسميا.. هذه الدولة هي التي تحمينا جميعًا.. والمكسب التافه الذي ستحققه مذيعة من مساندة سيدة تعارض علي قرار إخلاء بيتها.. لا يمكن أن يقارن أبدًا بمحصلة القيم السلبية ضد أسس الدولة بعيد فقرة عابرة لا قيمة لها لكنها تتكرر يوميا في مختلف المحطات.. تحريض خطر جدًا ولو كان يزعم أنه إنساني ومتعاطف مع الغلابة. اقرا ايضا للكاتب فى الصفحه الاولى : استرضاء الراى العام الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]