لو سألت جمهور الأهلي عن توجهات وسائل الإعلام نحو ناديها ونحو قضاياه ستكون الإجابة : يا عمي الإعلام يسيطر عليه مجموعة زملكاوية! ولو سألت جمهور الزمالك نفس السؤال ستكون الإجابة: الإعلام أحمر ومتحيز ضد الزمالك! ولو سألت أي فئة في المجتمع تنتمي الي قطاعات وظيفية أو انتماءات سياسية أو دينية لوجدت إجابات تعكس الاحساس بالتحيز الاعلامي لفئة علي حساب أخري. هذه الإجابات التي تعبر عن تشككك كل طرف من أطراف أي قضية في اتجاه وسائل الإعلام نحوها ، وفي إدراك تحيزها لصالح الطرف الآخر ، كانت موضع دراسات علمية متعددة ، منذ منتصف الثمانينيات من القرن العشرين ، وذلك في إطار نظرية أُطلِق عليها " نظرية إدراك الاتجاه العدائي لوسائل الإعلام" Hostile Media Effect Theory، والتي صاغها روبرت فالون وزملاؤه في عام 1985. وقد أجري فالون اختباراً طريفاً لاختبار فروض هذه النظرية ، إذ اختار هو وزملاؤه مجموعة من الأخبار عن الصراع العربي الإسرائيلي التي تذاع في وسائل الإعلام الأمريكية وروعي في هذه الأخبار أن تكون محايدة تماماً، وذلك بعد عرضها علي مجموعة من الخبراء .. وقد تم عرض هذه الأخبار بعد ذلك علي مجموعتين من المشاهدين : مجموعة إسرائيلية ، ومجموعة فلسطينية، وطُلِب من كل مجموعة أن تشاهد هذه الأخبار وأن تحدد ما إذا كانت هذه الأخبار متحيزة لصالح العرب أم لصالح الإسرائيليين أم أنها محايدة.. وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة أن الإسرائيليين أشاروا إلي أن هذه الأخبار منحازة بالكامل لصالح العرب ، وأشار الفلسطينيون إلي أن هذه الأخبار منحازة بالكامل لصالح الإسرائيليين ، ولم يشر أحد إلي أن هذه الأخبار محايدة ، أو لا تساند طرفاً علي حساب الطرف الآخر. وعلي مدار الخمس والعشرين عاماً الماضية ، أجريت عديد من الدراسات في عدد كبير من دول العالم ، ومن بينها مصر، لاختبار هذه النظرية ، والتي أشارت في مجملها إلي صحة فروض هذه النظرية .. ففي دراسة أجريت في مصر (2006) وذلك لقياس اتجاهات كلٍّ من القضاة والمحامين تجاه الأزمة الشهيرة التي حدثت بينهما آنذاك، اعتقد كل طرف أن وسائل الإعلام منحازة للطرف الآخر .. وفي الدراسة نفسها تم قياس اتجاهات عينة من المنتمين إلي الحزب الوطني، وعينة من المنتمين إلي أحزاب المعارضة نحو التغطية الإعلامية لكل طرف .. وأشارت الدراسة إلي أن المنتمين إلي الحزب الوطني يعتقدون أن وسائل الإعلام متحيزة ضد الحزب بينما يعتقد المنتمون للأحزاب الأخري أن وسائل الإعلام تعمل لحساب الحزب الوطني! هذه إذاً هي المشكلة : لا أحد يرضي بوسائل الإعلام كوسيط محايد ، والكل يعتقد في عدم موضوعيتها ، وفي تحيزها لصالح وجهة النظر المعارضة له .. وغالباً ما تكون وسائل الإعلام هي الجاني والضحية ، والمفتري والمفتري عليه ! مثل هذه النظرية سوف نكملها في كلية الإعلام لكي نري هل مازالت فروضها قائمة أم تغيرت.