** لست من أولئك الذين يصدقون كثيرا مما يتبادر إلى مسامعهم.. وأشعر بالحزن والأسى حين أقول إننى لا أصدق بعض ما يكتب، أو بعضًا مما يذاع هنا وهناك.. وقد تعاملت بمنطق عدم التصديق، حين روى لى أحد الأشخاص، رواية غريبة، وللوهلة الأولى يصعب تصديقها، والأفضل ألا نصدقها، لأنها لو صحت فقولوا على منتخب مصر.. البقاء لله، ولا تنتظروا تأهلا لكأس العالم، لأنها بالفعل النهاية الحقيقية! القصة ببساطة تقول إن منتخب مصر، حين سافر إلى السودان لأداء ثلاث مباريات ودية، أدى بالفعل منها مباراتين.. أمام الكاميرون وتوجو، وقبل أن يلعب المباراة الأخيرة أمام مالاوى، راج ما يدور حول اعتذار المنتخب المنافس عن عدم اللعب، وعاد المنتخب إلى مصر، وكانت البلاد تعيش أجواء الانتخابات الرئاسية، واستطاع من كان يريد الإدلاء بصوته، أن يشارك فى الاقتراع. لم يتوقف أحد عند عدم إقامة المباراة الثالثة، وعندما كتبت عنها، تناولتها من جانب أن منتخب مصر، يسافر فى معسكرات، ويشارك فى مباريات تسىء إلى اسم مصر، وتنتقص من قدر المنتخب، وسمعته، فكان لابد من وقفة، خاصة أن الأمر تشوبه ظلال كثيرة، وقد تكون هناك شبهات فساد، ولكن.. فى الواقعة التى أتكلم عنها، يبتعد الأمر فى اتجاه آخر.. وتقول تفاصيل الواقعة، التى قيلت لى إن محمد أبوتريكة، كان يهمه العودة إلى مصر ليشارك فى التصويت فى الانتخابات الرئاسية، وأنه هو الذى سعى لإلغاء المباراة الثالثة فى معسكر السودان، أمام مالاوى، حتى يتمكن من العودة إلى مصر.. فهل هذه الرواية صحيحة؟ هل يمكن أن يخرج علينا من يؤكدها أو ينفيها؟ لماذا لم يخرج الكلام إلا متأخرا هكذا؟ ولماذا السكوت لما يقرب من أسبوعين؟ على أية حال أبوتريكة مطالب بالتوضيح، والرد على مثل هذا الاتهام، وأتمنى صادقا ألا يكون فى هذه الرواية، ولو حرف واحد صحيحًا، لأنها لو صحت فقولوا على منتخب مصر السلام، واعتبروه صار منتخب المعلمين، خاصة لو وضعنا صور الخروج عن النص التى توالت تباعا، منذ أن تجاوز محمد شوقى فى حق الجهاز فخرج مدرب حراس المرمى بتصريح، قلته كانت أحسن، فقد التمس العذر للاعب، وقال عندما يتحسن مستواه سنضمه، أما كرامة المنتخب، وكبرياء الجهاز الفنى فقد داستها الأقدام، ثم اشتباك زيدان ومحمد الشناوى، ولم يتخذ الجهاز الفنى أي موقف، ولم يتمكن من النفى، أو الإنكار.. لأن الواقعة كانت مسجلة بكاميرات قناة الحياة، ويصعب الكذب فيها كما اعتادوا دوما.. فى المنتخبات والأندية على السواء، عند وقوع مثل هذه المواقف!! عندما نضع هذه المواقف.. الواحد بجانب الآخر.. أستطيع بثقة أن أتوقع، وفق قاعدة أن من يتنازل عن الأخلاقيات، ويضحى بالمبادئ والثوابت، لا يحصل على شىء.. فى النهاية، فيفقد احترام الناس، ويخرج من المنافسة خالى الوفاض.. يعنى مش هانوصل كأس العالم.. وابقوا قابلونى!! -*- ** نقول دوما إن كرة القدم جزء أساسى ومهم فى حياة المصريين اليومية، وهى متعتهم الوحيدة تقريبا طوال ما يقرب من نصف قرن كانوا فيها دوما على هامش الحياة، فلا هم شركاء فى صنع مستقبل وطنهم، ولا هم جزء من المشاركة السياسية، حيث لم يكن لأى منهم قيمة أمام صندوق الانتخابات، حيث ظلت لسنوات طويلة لا تخرج عن قول نعم أو لا.. فلم يكن هناك سوى الاستفتاءات، وحين اتسعت مساحة الحرية، كان هناك تصويت، ولكن لا قيمة لأحد فيه.. لأن كل شىء تقريبا كان معدًا سلفًا.. ولذلك ظلت الكرة هى النشاط الحقيقى، الذى يجد الناس فيه تنفيسا لما بداخلهم، ولأن الموضوع كله كان يتم من خلال خبرة المشاهدة، فقد كانت أغلب الآراء "تقريبا" لا تخرج عن كونها انطباعات، وهى فى الغالب تفتقد المعلومات، وتفتقد الخلفيات، ولذلك لم يكن ما يقال، معبرا عن واقع حقيقى، أو أنه يمثل ظلا لشىء موجود، كل ما فى الأمر أن المسألة مجرد اعتياد من جانب كل الناس تقريبا أن يقولوا ويتكلموا فى الكرة، وكأنهم من كبار خبرائها، أو عتاة ممارسيها، وقد تكرر هذا الأمر، منذ ثورة 25 يناير، بتناول الشأن العام، أو ما يميل البعض إلى وصفه بالكلام فى السياسة، وهو أمر مستحب، لأن الوطن هو الأهم.. وقبل كرة القدم، وقبل نجومها، ولكن.. ما ينفع فى كرة القدم لا ينفع فى السياسة.. كرة القدم فيها مساحات تتيح الاجتهاد، وتسمح بالكلام المباح، أما الشأن العام فهو محكوم بكثير من التفاصيل، لا يمكن أن تسمح بالاجتهاد، وأن يدلى أى أحد بدلوه كما يفعل عند احتساب الحكم ضربة جزاء، أو يخطئ مساعده فى احتساب تسلل.. الأمر مختلف تماما، خاصة أن كثيرا ممن كانوا يتكلمون فى كرة القدم، كانوا على استعداد للإطاحة بأى شىء، وعدم الاعتراف بأى قواعد، مادام قد وقع ما يخالف هواهم، أو يتقاطع مع مصلحة الفريق الذى يشجعونه.. فى السياسة، وعندما يتعلق الأمر بالوطن.. فلا يمكن أن نسمح بمثل هذه التصرفات "الخايبة"، التى تتسم بالسطحية، وعدم الفهم!! لو كان الهجوم على الحكم فى كرة القدم مباحا.. مع أنه خطأ فى كل بلاد الدنيا المحترمة، فليس مسموحا بالمرة، أن يحدث هذا الأمر فيما يخص الوطن، نلغى العقول فى ملاعب الكرة.. ممكن، أما أن نلغى الاعتراف بصندوق الانتخابات، وأحكام القضاء، والقوانين، والأعراف.. وأى نوع من الثوابت، فهذا هو ما يقولون عنه المراهقة فى أجلى صورها، وهذا ليس حرية رأى، إنما تجليات فى التعبير عن آراء مشجع "درجة تالتة".. يتكلم فى السياسة!! -*- ** جزء من الفهم الخاطئ للحرية، هو أن يجرؤ ناد من الأندية، أو مسئول من المسئولين، ولنقل مدير فنى مثلا، إلى إصدار قرار بمنع صحفى، أو ناقد رياضى من دخول النادى، أو مقاطعة المدير الفنى أو المسئول للتعامل معه.. مسألة مضحكة جدا، وهى لا تختلف كثيرا عن قطع الطريق، أو اللجوء للاعتصام، قبل أى خطوة أخرى للحصول على الحق.. ففى مثل هذه الحالات، يكفل القانون لكل شخص تناولته الصحافة بالنشر، بأي صورة من الصور، أن يمارس حق الرد، أو التوضيح.. ولكنه لا يفعل، وهو لا يفعل ربما لشيئين.. الأول: لأنه لا يملك الحجة أو مبررات الرد القوية وما قيل أو كتب صحيح تماما، والثانى: هو الاستمرار فى تطبيق النموذج القديم فى الإدارة، وعدم الاهتمام بالرد، وتطبيق طريقة فرد العضلات، ومنع هذا أو ذاك من الدخول.. نفعلها ثم نجلس لنغنى للحرية، والديمقراطية، وحق التعبير.. وسلامى للشيزوفرانيا، أو ازدواج الشخصية والعياذ بالله.