تحول إسلام الشهابي من لاعب أوليمبي إلي ناشط سياسي مفجر »ثورة الشك» داخل البعثة المصرية في أوليمبياد ريودي جانيرو بعد معركة قصيرة خاطفة مع الإسرائيلي أور ساسوان في منافسات الجودو..خسر في مباراة ككل المباريات..لكن في أوسع حدث رياضي انتشارا ومشاهدة سقط في الفخ وأسقطنا معه في ورطة »تهمة» العنصرية لأن العالم واللجنة الأوليمبية الدولية وكل الهيئات الرياضية في الخارج تعتبر رفض المصافحة شكلا من أشكال العنصرية التي يكافحها العالم مثلما يكافح المنشطات.. وقبل أن أحكي قصة ال 40 ثانية التي أزعجت وأحزنت المصريين من الخسارة..أسجل أن اختياري لثورة الشك كوصف لتوابع ماحدث في الصالة جاء بناء علي خلفية أن اللاعب نفسه سبق أن رفض التصويت لآية مدني المرشحة للاتحاد الدولي للاعبين الأوليمبيين بدعوي أن التصويت حرام..وأنه حتي بعد أن لمس حجم ردود الفعل من حوله لم يقل شيئا مفيدا أو رأيا واضحا في أسباب تصرفه..هذا الغموض أدخل الشك في نفوس مسئولي البعثة خوفا من أجوبته علي أسئلة لجنة القيم باللجنة الأوليمبيية الدولية التي استدعته ليلا للتحقيق والاستماع إلي أقواله بما قد تتضمنه من أية إشارة بتلقيه تعليمات بعدم المصافحة.. مخطئ ومعذور وأسجل أن تقييم التصرف مطاط وحسب تقدير لجنة القيم ما إذا كانت ستعتبره عنصرية أو تسمية أخري..إهانة للمنافس أم رد فعل غاضب من خسارة في مباراة..وأخيرا أسجل أن المصريين بلا شك حزنوا لهزيمته في مثل هذه النوعية من المباريات المعجونة بالسياسة..لكن ربما في ضميرهم ارتاحوا من قراره بعدم المصافحة وهو سلوك شخصي يقف علي أرضية شعبية في إطار أن السياسة للسياسيين والمعاهدات للمسئولين الرسميين..أما المشاعر فهي لفكرة الرفض الشعبي للتطبيع...وهذا يجبرنا علي التماس العذر للشهابي فهو تصرف تلقائيا كمواطن وليس كلاعب..وفي وعينا الشعبي نعتبر رفض التطبيع ورقة رئيسية في توازن القوي وآخر أسلحتنا الهجومية..ونضيف إلي ذلك أنها ليست الواقعة الأولي من نوعها بالنسبة للمصريين – خاصة الرياضيين - الذين تقودهم الصدفة والظروف إلي لقاء مباشر مع الإسرائيليين...إذن للإنصاف اللاعب مخطئ ومعذور في نفس الوقت.. القصة والتفاصيل أما القصة والتفاصيل..فبدأت منذ أن أعلنت القرعة عن المواجهة وأعلنت الجماهير المصرية من اللحظة الأولي عن ترقبها وثقتها في النصر وكأنها الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة..ولم تفلح التصريحات الهادئة لإدارة البعثة في تغيير الواقع رغم نصائحها للجماهير بعدم الخروج عن نطاق كون المباراة في منافسة رياضية يكسب فيها من يكسب ويخسر فيها من يخسر..وأيضا لم تفلح جلسات التهيئة النفسية للاعب في إزالة الضغط النفسي من داخله..فكان يبدو أمام الجميع طبيعيا ومتوازنا ومستعدا لكنه في قرارة نفسه كان خائفا وقلقا ليس من المنافس ولكن من العواقب المجهولة..ولذلك ظلت الأخبار تخرج من مقر البعثة في القرية الأوليمبية متضاربة..فمرة يتردد أنه سينسحب ومرة أخري أنه سيذهب إلي الملعب ويعتذر..ومرة ثالثة أنه جاهز ومتحفز..وتأكد المهندس خالد عبد العزيز بنفسه عندما التقاه وسمع منه مايؤكد جاهزيته..ثم التقاه المهندس هشام حطب مرتين..واحدة بترتيب واطمأن لاستعداداته وواحدة بالصدفة في الأسانسير وازداد اطمئنانا..إلا أن الشك ظل قائما لدرجة القول أنه حتي صباح يوم المباراة كان مترددا.. المهم..في الموعد كان الشهابي في الصالة مدعوما بحضور الوزير وكل مسئولي البعثة ومن تيسرحضورهم من المصريين..وقبلها كان التنبيه والإيضاح بأن اللاعب الإسرائيلي ليس سهلا وأنه في جدول التصنيف ( فاز بالميدالية البرونزية) وأن عليه التركيز ونسيان الظروف المحيطة بالمباراة والنظر إليها كمنافسة رياضية في دورة ضخمة جدا مرصودة علي كل المستويات وقوع البلا ولا انتظاره دخل الشهابي مرتديا اللون الأزرق ولم تكن ملامحه تترجم شيئا وأعطانا انطباعا بأنه تحرر من الهواجس..أو أنه رأي كما يقول المثل الشهير »وقوع البلا ولا انتظاره »..ودخل الإسرائيلي مرتديا الزي الأبيض وبدت علي ملامحه الجدية فهو أيضا انشغل بأقوال الصحف وردود أفعال الإعلام بعد المباراة..أظهر الشهابي حماسا في البداية وتطور أحيانا إلي تهور..بينما ظهر الإسرائيلي حذرا..حاول لاعبنا الهجوم وتنفيذ حركة مكررة فهمها الخصم..ثم عاد الشهابي إلي التوازن خوفا من مفاجأة وطال الانتظار بين الاثنين في محاولات المسك..ثم حصل الإسرائيلي علي إنذار فتفاءلنا.. فطمع الشهابي وهاجم إلا أنه فوجئ بحركة عكسية وذهبت 10 نقاط للإسرائيلي الذي سرعان مافاجأنا جميعا بالنقطة الكاملة أو »الإيبون »..ولا داعي للوصف بعد ذلك إلا في صميم المشكلة.. ظهرت المأساة في عين اسلام الشهابي وأدرك أن الدنيا ستنقلب رأسا علي عقب..فأخذه الحزن الشديد إلي المخالفة..ذهب إليه اللاعب الإسرائيلي الخبيث ليصافحه فاستدار الشهابي وابتعد فأصر الإسرائيلي علي توريطه وذهب إليه مرة أخري فاستدار وابتعد..وأخذته قسوة ماحدث إلي نسيان تحية الجمهور وهي من تعليمات الاتحاد الدولي ولما أفاق بسرعة عاد وقدم التحية عابرة.. ومن بساط الصالة إلي بساط القرية الأوليمبية انضم الغموض إلي الشك ولم تكن هناك أجوبة علي أسئلة ولاتبرير لشيء سوي أن الصدمة أفضت إلي تصرف تلقائي....وتلقت البعثة اتصالا من لجنة القيم يستدعي اللاعب للتحقيق والاستماع إلي أقواله..وكان الاتصال شرارة ثورة الشك لأن إدارة البعثة لاتعرف ماذا سيقول اللاعب وتسربت لها مخاوف من أجوبة ربما تورطها في تهمة الإيحاء له بعدم المصافحة..هي لاتضمن خط سير الاستجواب..وكان هذا دافعا لاتخاذ قرار بإصدار بيان رسمي من اللجنة الأوليمبية المصرية تم ترجمته علي الفور وإرساله إلي اللجنة الأوليمبية الدولية جاء فيه نصا : »للعلم..أنه قد تم التنبيه قبل المباراة علي اللاعب اسلام الشهابي بالالتزام بكافة القواعد والتحلي بالروح الرياضية اثناء مباراته مع اللاعب الاسرائيلي فهي مجرد مباراة جودو في دورة رياضية عالمية..وماحدث من اللاعب بعد المباراة وعدم مصافحته للمنافس هو مجرد تصرف شخصي».. تهمة العنصرية ثم أعقب ذلك الإشارة إلي تواصل السيدة جوليا أراهان المسئولة عن اللجان الأوليمبية بالدورة الأوليمبية مع شريف العريان نائب رئيس البعثة وثنائها علي بيان اللجنة الأوليمبية المصرية المعلن علي صفحتها الرسمية وأنها أكدت أن الجميع يعلمون أن ماحدث في مباراة الجودو وعدم المصافحة مجرد تصرف فردي.. وبالطبع لابد أن السفارة أرسلت تقريرا سريعا بالأحداث إلي وزارة الخارجية لأنها في الأصل ترسل تقارير دورية وسبق أن ارسلت تقريرا عن مشكلة إقامة الوفد الإعلامي فمابالنا في واقعة تتسع تأثيراتها..وقيل أن الخارجية بصدد تقديم تقرير للرئاسة.. وطبيعي أن نسأل بعضنا البعض في مثل هذه الورطة عن عواقبها علي اللاعب واللجنة واتحاد الجودو..ماهو حجم الخطر..وكالعادة في مثل هذه الحالات » حمالة الأوجه» تتعدد الاراء..قال البعض أن اللوائح لاتجبر علي المصافحة باليد والمهم أن يتبادل اللاعبان التحية بأي صورة..وقال اخرون إن جهات خارجية تعتبرها عنصرية حسب محاذير اللجنة الاوليمبية الدولية من اقحام الرياضة في الخلافات العقائدية أو الدينية أو مايخص اللون والجنس..ونفي البعض أن يتم تصنيف الواقعة في خانة العنصرية.. الاستجواب في نهاية الأمر ذهب اللاعب ومعه شريف العريان إلي الاستجواب وسألوه في البداية لماذا لم تصافح اللاعب الإسرائيلي فقال إن قواعد الاتحاد الدولي لم تحدد ضرورة المصافحة باليد..هي تشدد علي التحية لا علي المصافحة..ثم سألته اللجنة عما لو كان سيصافح لاعبا من جنسية أخري بعد المباراة فرفض الإجابة..فسألته هل كان سيصافح لاعبا من ديانة أخري غير اليهودية فرفض أيضا الإجابة..ثم استفسرت اللجنة من العريان عن الواقعة وعما لو كانت مقصودة..فأكد علي وجود بيان من اللجنة الأوليمبية المصرية يوضح موقفها وتم ارساله إلي اللجنة الأوليمبية الدولية متضمنا التأكيد علي التصرف الفردي..انتهي الاستجواب مع إشارة اللجنة إلي صدور القرار خلال يومين.. معندناش مشكلة إذن لابد من مسئول يضع لنا بعض النقاط علي الحروف..وتحدثت مع المهندس هشام حطب رئيس البعثة..وقال بصراحة ووضوح : لسنا كبعثة ولجنة اوليمبية في دائرة الاتهام..وببساطة شديدة » معندناش مشكلة»..هو تصرف فردي لاعلاقة لنا به.. ثابت للجميع رأينا المسبق في المباراة..قلنا للجميع وللاعب إنها مباراة عادية وقابلته وقلت له كل أملنا أن تكسب..»وشك سمح» وربنا هيكرمك..ورد علي كلامي بإيجابية.. قابلت جهازالجودو في البعثة ولم يقولوا شيئا..وتم استدعاء اللاعب ثم تأجيل استدعائه ثم تم استدعاؤه مرة اخري.. كان أمام الشهابي حلول كثيرة غير رفض المصافحة..مثلا كان يمكن أن يحييه بالإنحناء مثل اليابانيين..لأن اللائحة تطلب التحية ولم تحدد المصافحة باليد.. اللجنة الأوليمبية المصرية ملتزمة بالمواثيق الأوليمبية..ولاأدري ماسبب الهجوم عليها في الإعلام المصري..هل كان مطلوبا منا أن نلعب بدلا من الشهابي أو نصافح بدلا منه.. لو كانت نيتنا أن نوحي له بالانسحاب لفعلنا ذلك بأساليب أخري مثل التقرير الطبي عن اصابة تعرض لها لاتسمح له باللعب.. لو قال اللاعب في الاستجواب أن أحدا أوحي له أو طلب منه عدم المصافحة سوف نكذبه..لأننا كنا واضحين أمام الناس وأمامه.. هذه هي القصة قبل ان تكتمل لقطتها الأخيرة في مشهد العقوبة التي قال هشام حطب أنها تخص اللاعب وتتراوح بين الإنذار والإيقاف والشطب..وهي تقديرية تأخذ اتجاهات اخري اذا قدم اعتذارًا.