بالأسماء، 15 شخصًا يتنازلون عن الجنسية المصرية    محافظ البنك المركزي: رفع التصنيف الائتماني لمصر يعكس الثقة المتزايدة في الاقتصاد الوطني    أهالي الأسري الفلسطينيين يجتمعون أمام معتقل عوفر استعدادا للإفراج عن ذويهم    الأمين العام المساعد للجامعة العربية: نشهد مرحلة مهمة من الصراع مع إسرائيل    تاريخ منتخب غانا في كأس العالم بعد التأهل لمونديال 2026    الجيش الإسرائيلي: الأسرى ال 7 المفرج عنهم وصلوا إلى تل أبيب    دار الإفتاء توضح حكم التدخين بعد الوضوء وهل يبطل الصلاة؟    كلمة ترامب أمام الكنيست: حان الوقت لتترجم إسرائيل انتصاراتها إلى السلام    استبعاد لياو من المشاركة مع البرتغال ضد المجر فى تصفيات كأس العالم    «المالية»: فرص اقتصادية متميزة للاستثمار السياحي بأسيوط    الزمالك يستند على توقيع زيزو إثبات استلام مستحقاته فى جلسة الاستماع    تعرف على إنجازات جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة خلال عام بالشرقية    إصابة مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين لنزاع على أرض بمنشأة العمارى بالأقصر    إخماد حريق محدود داخل محولات كهرباء فى بولاق الدكرور دون إصابات    ضبط قائدي ثلاث سيارات ينفذون حركات استعراضية خطيرة بالغربية    تموين الفيوم تلاحق المخالفين وتضبط عشرات القضايا التموينية.. صور    الرئيس الأمريكى ترامب يلقى خطابا أمام الكنيست وسط تحية كبيرة من الحضور    خالد جلال ضيف بودكاست كلام فى السينما مع عصام زكريا الليلة على الوثائقية    مسلسل لينك الحلقة 2.. تحالف غير متوقع بين بكر وأسما لكشف سرقة أموالهما    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات محلية    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    وكيل صحة سوهاج فى زيارة مستشفى جرجا : لا تهاون مع أى تقصير فى خدمة المواطن    فحص 1256 مواطنا وإحالة 10 مرضى لاستكمال الفحوصات بقافلة طبية فى مطوبس    محافظ أسوان: إزالة 14 حالة تعد على مساحة 17 ألف متر    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    بتواجد أبو جريشة.. الكشف عن الجهاز الفني المساعد ل عماد النحاس في الزوراء العراقي    ب 35 لجنة.. بدء التسجيل ب «عمومية أصحاب الجياد» في الإسكندرية    شراكة بين أورنچ مصر وسامسونج إلكترونيكس لتجربة الأجهزة المتعددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    ارتفاع أسعار النفط مع بوادر تراجع حدة التوتر التجاري بين الصين وأمريكا    جامعة بنها: فحص 4705 شكاوى بالمنظومة الموحدة.. تفعيل نقطة اتصال جديدة لخدمة المواطنين    وزيرا ري مصر والأردن يفتتحان الاجتماع ال38 للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه    بالفيديو.. الأرصاد: فصل الخريف بدأ رسميا والأجواء مازالت حارة    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    لحضور أولى جلسات الاستئناف.. وصول أسرة المتهم الثاني في قضية الدارك ويب لمحكمة جنايات شبرا    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    الليلة بمسرح السامر.. قصور الثقافة تطلق ملتقى شباب المخرجين في دورته الرابعة    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية    إليسا تشارك وائل كفوري إحياء حفل غنائي في موسم الرياض أكتوبر الجاري    «أسير» و«دورا».. عروض متنوعة تستقبل جمهور مهرجان نقابة المهن التمثيلية    جامعة عين شمس تفتح باب الترشح لجوائزها السنوية لعام 2025    البيت الأبيض: ترامب يتابع إطلاق الرهائن من على متن الطائرة الرئاسية    «الإصلاح والنهضة»: قمة شرم الشيخ تتويجًا لمسار دبلوماسي طويل بدأته مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    الأمم المتحدة: إحراز تقدم في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    مصادر تكشف مصير 4 أعضاء ب«النواب» تم تعيينهم في «الشيوخ»    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    مباحثات مصرية - ألمانية لتعزيز التعاون وفرص الاستثمار في القطاع الصحي    انتظام اللجان الخاصة بالكشف الطبي لمرشحي انتخابات مجلس النواب بالأقصر    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    تحرك عاجل من نقابة المعلمين بعد واقعة تعدي ولي أمر على مدرسين في أسيوط    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    فاروق جعفر: هدفنا الوصول إلى كأس العالم ونسعى لإعداد قوي للمرحلة المقبلة    صلاح وزوجته يحتفلان بالتأهل في أرضية ستاد القاهرة    البطاقة 21.. غانا تتأهل لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الْعَسْكرُ وَالدُّسْتُور 1 2
نشر في شبكة رصد الإخبارية يوم 02 - 09 - 2013

أسّسَ عَسكرِ مِصْرَ أسوأَ ديكتاتوريّةٍ عسكريّةٍ في التّاريخِ الإنسانيِّ. ارتكبوا جرائمَ كثيرةً في حقّ المصريّينَ طوالَ ستّينَ عامًا. جرائِمُهُم هِيَ في الواقعِ جرائمُ ضدّ الإنسانيّةِ، تستحقّ عقابًا شديدًا. والعسكرُ مجرمونَ بطبيعتهم، مستبدونَ بفطرتهم، لا يطيقونَ أيّ معارضةٍ، ولا يقبلونَ أيّ نقدٍ. بل هم لم يتعلّموا أيّ شيءٍ سوى إعطاءِ الأوامرِ وتنفيذِها.
عندما أسّسَ عبدُ النّاصرِ الدّيكتاتوريّةَ العسكريّةَ في مصرَ سنةَ 1952م، كانَ يعي تمامًا ضرورةَ وضعِ دستورٍ يمنحُهُ الصّلاحيّاتِ اللّازمةَ لتأسيسِ حكمٍ استبداديٍّ قمعيٍّ. فحرصَ منذُ البدايةِ على ترويضِ قضاةِ مصرَ، وإسكاتِ المعارضينَ منهم. كانَ عبدُ النّاصرِ يُريدُ أن يكونَ هوَ الملك-الإله للمصريّينَ، بحيثُ يضغطُ على زرٍّ، ليقومَ له المصريّونَ من الأسكندريّة إلى أسوان، ويضغط على زرٍّ آخر، فيجلس المصريّونَ، وكأنّهم أطفالٌ في حضانةٍ.
فما أشد مرض هذا الرّجلَ، وأتفهَهُ فعلا. وتمثّلُ قصّةُ عبدِ النّاصرِ مع محاولاتِ صياغةِ دستورٍ مصريّ جديدٍ، بعدَ انقلابِ مجرمي عسكرِ مِصْرَ الأسودِ سنةَ 1952م، فضيحةً كبرى من فضائحِ العسكرِ الكثيرةِ. فبعدَ أنْ تمَّ تكليفُ لجنةٍ من كبارِ القانونيّينَ المصريّينَ بعمل دستورٍ جديدٍ للبلادِ، وبعدَ أنْ اجتهدَ فقهاءُ القانونِ المصريّونَ لمدّةِ سنتينِ، تمكّنوا بعدَهَا من تقديمِ مشروعِ دستورٍ جديدٍ لمصرَ.
قامَ عبد النّاصرِ - كعادةِ مجرمي العسكرِ - بتدميرِ جهودِ الخبراءِ القانونيّينَ، وتجاهلِهَا، ليكلّفَ بعدَ ذلكَ بعضَ أهلِ الثّقةِ بتلفيق دستورٍ يناسبُ الحكمَ الدّيكتاتوريَّ. هكذا بكلّ بساطةٍ. وليس هذا بمستغربٍ على إنسانٍ كانَ يُضمرُ في قرارةِ نفسِهِ عداءً شديدًا للشّعبِ المصريّ جعلَهُ يسعى إلى استعبادِه، وإذلالِه، ومعاملتِهِ كقطيعٍ من الأنعامِ. وبعدُ.
يقولُ جمالُ حمّاد في كتابِهِ: «الحكومةِ الخفيةِ في عهدِ عبدِ النّاصرِ»: «وفيما يتعلّقُ بالدّستورِ كانَتْ لجنةٌ خاصّةٌ قد شُكّلتْ بقرارٍ من مجلسِ الثّورةِ في 13 يناير 1953م، لوضعِ مشروعِ دستورٍ جديدٍ، بعدَ إلغاءِ دستورِ عام 1923م. وقد رُوعِي في تشكيلِ اللّجنةِ الّتي ضمّت 50 عضوًا أن يُمثِّلَ أعضاؤها مختلفَ الأحزابِ والطّوائفِ والهيئاتِ، علاوةً على أن يكونَ من بينهم طائفةٌ من جهابذة رجالِ القانونِ في مصرَ.
واستمرّت هذه اللّجنةُ الّتي كانَ يرأسُهَا علي ماهر، هي ولجانها الفرعيّةُ، تعملُ عملًا دائبًا لمدّةِ عامينِ كاملينِ، حتّى انتهت من إعدادِ مشروعِ دستورٍ جديدٍ يتمشّى مَعَ أحدثِ وأفضلِ الدّساتيرِ في العالمِ. وأقرّته اللّجنةُ الفرعيّةُ للصّياغةِ. وأُحيلَ في 17 ينايرَ 1955م إلى رئيسِ مجلسِ الوزراءِ وقتئذٍ جمال عبد النّاصرِ لاستطلاعِ رأيه، قبلَ عرضِهِ على اللّجنةِ العامّةِ تمهيدًا لإصداره. ولكنّ عبد النّاصر تجاهلَ هذا الدّستورَ الّذي أنفقتْ لجنةُ الدّستورِ عامينِ كاملينِ في إعدادِهِ، والّتي استرشدت في صياغته بأبرزِ وأهمّ النّظمِ الدّستوريّةِ في العالمِ.
واكتفى بأن عهدَ إلى مستشاره القانونيّ الخاصّ محمّد فهمي السّيّد (قريب السّيّدة قرينته)، بوضعِ دستورٍ آخرَ بمعاونةِ المكتبِ القانونيّ برئاسة مجلسِ الوزراء الّذي كانَ يتولّى رئاسته. وبعدَ دراسةٍ استغرقتْ بضعةَ أشهر تمّ إعدادُ مشروعِ الدّستورِ الجديدِ الّذي عُرِضَ على مجلسِ الثّورةِ، وعلى مجلسِ الوزراءِ في أيّامِ 10 و11 و13 يناير سنة 1956م، أي في نهايةِ السّنواتِ الثّلاثِ الّتي حدّدت من قبلُ كفترةِ انتقالٍ لإقامةِ حكمٍ ديمقراطيٍّ سليمٍ. ودُعِي الشّعبُ إلى استفتاءٍ عامٍّ في 25 يونيو سنة 1956م على الدّستورِ الجديدِ، وعلى رئاسةِ الجمهوريّةِ. وقد حصلَ عبد النّاصرِ في الاستفتاءِ على رئاسةِ الجمهوريّةِ على 99،9٪، وهي نسبةٌ لم يسبقْ لها مثيلٌ من قبلُ في تاريخِ الاستفتاءاتِ في العالمِ. كما كانتّ نتيجةُ الاستفتاءِ على الدّستورِ هي 99،8٪ في صفّ الموافقينَ عليه». ا. ه.
همجيّةُ العسكرِ ظهرتْ بوضوحٍ منذُ بدايةِ حكمِ عبد النّاصرِ. فالعسكرُ لا يؤمنونَ بالدّيمقراطيّةِ، ولا يحرصونَ إلّا على مصالحهم، ولا يبالونَ بتبديدِ طاقاتِ مواطنيهم، ولا يكترثون بإهدارِ ثرواتِ البلادِ. وقدْ رأينا هذه الجرائمَ تتكرّرُ مؤخرًا، حينَ قامَ المجلسُ العسكريّ بحلِّ مجلسِ الشّعبِ بكلّ بساطةٍ، مدّعيًا عدم قانونيّته!! وكأنّ العسكر يؤمنونَ بالقانونِ أصلًا. وبعدَ ذلكَ قامَ المجرمُ الآخرُ، المدعو عبد الفتّاح السّيسي، بإلغاءِ نتائجِ انتخاباتِ رئيسِ الجمهوريّةِ، ومجلسِ الشّورى، والدّستورِ. فالعسكرُ لا يجيدونَ إلا العربدةَ، وانتهاكَ القوانينِ، والتّعدّي على حقوقِ المواطنينَ.
وهذا هو سببُ تأخّرِ بلادنا عن اللّحاقِ بحضارةِ العصرِ، لأنّ الدّولَ المتقدّمةَ لا تسمحُ بمثلِ هذه الفوضى الّتي يجيدها عسكرِ مِصْرَ، ولا تقبلها، بلْ تضعُ القوانينَ الصّارمةَ الّتي تحدّدُ وظيفةَ الجيشِ، وتحظرُ على قادتِهِ تجاوزَ صلاحيتهم قيد أنملةٍ واحدةٍ.
يقولُ العلامةُ يوسفُ القرضاوي: «عبدُ النّاصرِ سياسيٌّ فاشلٌ، وحاكمٌ ظالمٌ ومستبدٌ، قادَ العربَ لنكبةِ 1967م. وأنا بصددِ تقييمِ حكمِ عبدِ النّاصرِ أُفرِّقُ تفريقًا واضحًا بينَ أمرينِ: أوّلهما ما كانَ مِنَ اجتهاداتٍ قد تُصيبُ، وقد تُخطئُ، وَهُوَ مأجورٌ على صوابِهِ، ومعذورٌ في خطئِهِ.
بل رُبَّمَا كانَ مأجورًا أجرًا واحدًا، إذا صحّتْ نيّته، وتحرّى في اجتهاده، واستشارَ أهلَ الذّكرِ والخبرةِ، واستفرغَ وسعه في الوصولِ إلى الحقيقةِ والرّأي الأرشدِ. وذلكَ مثلُ سياستِهِ في أفريقيا وفي اليمنِ وفي غيرها. فأقصى ما يُقالُ فيها: إنّهُ سياسيٌّ فاشلٌ، وفرقٌ بينَ الفاشلِ والظّالمِ! ولكنّ الفشلَ إذا تكرّرَ واستمرَّ، يُصبحُ كارثةً على الوطنِ، وعلى الأمّةِ. ففشلُ الفردِ العاديُّ وإخفاقُهُ على نفسِهِ بينما فشل الزعيم فيقع على الأمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.