«التضامن» تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي القليوبية والشرقية    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    بحضور وزير الثقافة.. وصول لطفي لبيب للوداع الأخير من كنسية مارمرقس بمصر الجديدة    تخصيص قطع أراضي لإقامة مناطق حرة ولوجيستية بمحافظة الجيزة    20 % تراجعًا في مشتريات المصريين من الذهب بالربع الثاني بعام 2025    رئيس جامعة أسيوط يشارك باجتماع "تنمية الصعيد" لبحث مشروعات التنمية المتكاملة بمحافظات الجنوب    مصر تؤكد على أهمية التوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار بغزة    سلوى محمد علي تصل قداس جنازة لطفي لبيب    دونج فينج MHERO 1 أحدث سيارة للأراضي الوعرة في مصر.. أسعار ومواصفات    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الخميس 31-7-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    إعلام عبري: ويتكوف يصل إسرائيل ويلتقي نتنياهو ظهر اليوم    اتفاق الرسوم مع ترامب يشعل الغضب في أوروبا.. قطاعات تطالب بإعفاءات عاجلة    رئيس الأولمبية يشيد بدخول المسلم قائمة عظماء ألعاب الماء: فخر لكل عربي    البداية مؤلمة.. تفاصيل إصابة لاعب الزمالك الجديد ومدة غيابه    تفاصيل إصابة صفقة الزمالك الجديدة    صفقة تبادلية تلوح في الأفق بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل الكاملة    مواعيد مباريات الخميس 31 يوليو 2025.. برشلونة ودربي لندني والسوبر البرتغالي    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بأطفيح    ضبط 115 ألف مخالفة مرورية وكشف 236 متعاطيًا خلال 24 ساعة    تركيب بلاط الإنترلوك بمنطقة الصيانة البحرية بمدينة أبوتيج فى أسيوط    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    "السبكي" يتابع آخر استعدادات تطبيق التأمين الصحي الشامل في مطروح    مستشفيات جامعة القاهرة: استحداث عيادات جديدة وقسم متكامل للطب الرياضي    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    يعود بعد شهر.. تفاصيل مكالمة شوبير مع إمام عاشور    عزام يجتمع بجهاز منتخب مصر لمناقشة ترتيبات معسكر سبتمبر.. وحسم الوديات    خلال زيارته لواشنطن.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى بمعهد "أمريكا أولًا للسياسات"    مقتل 6 أشخاص وإصابة 52 آخرين على الأقل جراء هجوم روسي على كييف بطائرات مسيرة وصواريخ    السكة الحديد توضح حقيقة خروج قطار عن القضبان بمحطة السنطة    ذبحه وحزن عليه.. وفاة قاتل والده بالمنوفية بعد أيام من الجريمة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    مصرع ربة منزل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    سعر الدولار اليوم الخميس 31 يوليو 2025    حسين الجسمي يروي حكايتين جديدتين من ألبومه بمشاعر مختلفة    خالد جلال ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة: «الأب الذي لا يعوض»    لافروف يلتقى نظيره السورى فى موسكو تمهيدا لزيارة الشرع    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    استرداد 11.3 مليون متر من أراضي الري.. و124 قطعة دعمت النفع العام و«حياة كريمة»    أيادينا بيضاء على الجميع.. أسامة كمال يشيد بتصريحات وزير الخارجية: يسلم بُقك    حملة «100 يوم صحة» تقدم 23.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 15يوما    الكشف على 889 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الأمل بالبحيرة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    الكنيسة القبطية تحتفل بذكرى رهبنة البابا تواضروس اليوم    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    طرح صور جديدة من فيلم AVATAR: FIRE AND ASH    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    «حملة ممنهجة».. ترامب يقرر فرض رسومًا جمركية بنسبة 50% على هذه الدولة (تفاصيل)    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تخرج مصر من صنم المركزية؟ - محمد شعبان أيوب

الحضارة الإسلامية قامت بالأساس على أكتاف المجتمع المدني غير المقولب أو المسيطر عليه من السلطة المركزية، وكانت هذه الحرية التي أساسها التنوع وفاعليته على الأرض سببًا في التقدم والتمدن وتفرد هذه الحضارة، أما الغرب ومنذ سيطرة الكنيسة بل قلمنذ الدولة الرومانية وحتى الانعتاق من سلطتها وإلى الآن لا تؤمن بهذا الدور وإن بدا على السطح غير ذلك ببعض "الإجراءات" الديمقراطية التي بالمناسبة تجعل المجتمع خاضعًا في نهاية المطاف للدولة!
خذ مثلا الدليل على الاستهزاء بالديمقراطية وضربها بالنعال تحت أقدام رجال المال والأعمال والعسكريين واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من خلال تداول "شكلي" للسلطة من خلال "حزبين" فقط، وغير مسموح بالمرة أن يصل إلى سدة الإمبراطورية الأمريكانية أحدًا من خارج هذين الحزبين، والصين أكثر قسوة من الولايات المتحدة في هذا ، فضلا عن النظام المخابراتي الروسي المشابه في بنيته الكامنة للنموذجين الصيني والأمريكي والموضوع بالطبع لا يمكن إجماله في فقرة سريعة كهذه!
أما في العالم "الإسلامي" في المائتي عام الأخيرة فإن مجيء الحملة الفرنسية على مصر - وكانت بعد 9 سنوات فقط من بدء الثورة التحررية التنويرية الفرنسية!! - كان تجليًا لفكرة "السيطرة" على المجتمعات تحت سلطة واحدة متوحشة هي لب الصراعوالغاية، هي بوضوح انتقال نظام التوحش السياسي والسلطوي والفكري من منبعه إلى مصبه حيث "فئران الاختبار السياسي" التي لم تعهد هذه النظم والبنى الاجتماعية المشوّهة من قبل.
ثم تطور هذا الأمر بعد ذلك في حملة فريزر الفاشلة ثم على يد محمد علي ببراعة ثم الاحتلال الانجليزي في مصر وقد تم وأد "معظم" مقومات المجتمع المدني المقوّم والمغير الأول للسلطة في المنظور الإسلامي، وفي ظل هدر لكافة المقومات الأساسية والفكرية للنهضة في مصر والتي تناولها كل الحالمين بها في العصر الحديث بدأ بالجبرتي ومرورا بمحمد عبده وعلي مبارك ورشيد رضا ومصطفى كامل وحسن البنا وغيرهم، بدا أن الوضع في مصر أصبح سيئًا على "ظاهره" فلابد إذن "للسادة الجدد بعد الحرب العالمية الثانية" من إحداث "زوبعة في فنجان"!
في ربيع عام 1952م وقبل الانقلاب العسكري في مصر بأربعة أشهر أو أقل استطاع جمال عبد الناصر - وبعد أن انسلخ من التنظيم الخاص ومن جماعة الإخوان المسلمين التي رأت أن التغيير لن يحدث إلا على يد مؤيدي الفكرة الإسلامية وحدهم ولهذا انسلخ – استطاع أن يتوصل إلى نقاط جوهرية تباحث فيها مبعوثه مع مبعوث المخابرات الأمريكية وقتها إلى مصر – والذي اكتشف تنظيم الضباط الأحرار وسعى للتباحث معه - كيرمت روزفيلت حفيد الرئيس الأمريكي ثيودور روزفت.
كانت النقطتان التي توصل لهما عبد الناصر هما:
1. الشعوب لا تثور غالبا بسبب الأوضاع الاقتصادية وكانت قناعة المخابرات الأمريكية أو على الأقل عميلها في مصر متوافقة مع هذه الرؤية وهي التي تناولها وأكدها الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي كارين برنتون في كتابه المهم "تشريح الثورات"!
2. الشعب المصري غير قابل للثورة ولن يثور لأي سبب برغم وضعه المأسوي منذ "مئات السنين" ولعله طرحها ليقوي موقفه التفاوضي مع الأمريكاني!
لكن الأمريكي ومن منطلقه الفكري الثابت قرر بوضوح أن يرسخ الزعيم المنتظر قبضته على المجتمع المدني وعلى الأمة التي يعلم أنها بخلاف الصورة التي نقلها مبعوث عبد الناصر إلى كيرمت روزفلت (لم يذكره مايلز كوبلند صراحة في كتابه "لعبة الأمم"الصادر عام 1969م)؛ وتجربتهم السابقة للانقلابات العسكرية بدءًا من الانقلاب الأول في العالم العربي في سوريا سنة 49م قد أعطتهم خبرة ونتائج مدروسة بعناية.
يقول كوبلند: "أخيرًا تم الاتفاق على أنه في مستقبل العلاقات بين الحكومة المصرية الجديدة وبين الولايات المتحدة سيقتصر استخدام عبارات من طراز (إعادة المؤسسات الديمقراطية) أو (الحكومة القائمة على تمثيل حقيقي للشعب) ستقتصر على الوثائق المتاحة للعامة، أما فيما بيننا فيقوم تفاهم مشترك على أن شروط قيام حكومة ديمقراطية غير متوفرة في مصر ولن تتوفر لعدة سنوات مقبلة، وأن مهمة الحكومة الجديدة هي:
1. شعب غير أمي.
2. طبقة وسطى كبيرة ومستقرة (وهي التي عبّر عنها أحمد حمروش أحد الضباط الأحرار في مذكراته بأنهم ما قاموا بثورتهم إلا لأنهم ممثلو الطبقة الوسطى!!)
3. شعور من الشعب أن هذه هي حكومتنا وليست مفروضة من الفرنسيين أو الترك أو الانجليز أو الطبقة العليا المصرية.
4. إرساء قيم ومثل حقيقية تضمن قيام ونمو مؤسسات ديمقراطية حقيقية وليست تقليد مستورد من الولايات المتحدة أو بريطانيا". (جلال كشك: كلمتي للمغلفين ص87 نقلا عن لعبة الأمم لكوبلند).
هذه الشروط تم تطبيقها بحذافيرها إضافة إلى مقترح إعادة توزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين الذي بالمناسبة كان اقتراحًا أمريكانيًا هو الآخر وحلا مفضلا في انقلابات دول أمريكا اللاتينية؛ لتهدئة أو بالأحرى لاحتواء أي ثورة شعبية يكون وقودها هؤلاء المستضعفون في الأرض، وكلنا يعلم النتائج السلبية التي جرّها هذا القرار على الاقتصاد المصري وظهور فئة جديدة تفسّخ طبقة الفلاحين بالكلية فضلا عن ضرب ملف العدالة الاجتماعية وإهدار حقوق الطبقة الإقطاعية المصرية بقرار ديكتاتوري كهذا لم يُعوّضوا عليه!
إن الغرض من هذه الشروط كان بوضوح ترسيخًا لسيادة الدولة على الأمة، لتنميط المجتمع وجعله غير قابل للتنوع ومن ثم القدرة على "تقويم السلطة" أو "تغييرها" إذا لزم الأمر، بل أصدر عبد الناصر ثلاثة قوانين أخرى في غاية الخطورة..
الأول: المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة والقاضي بإلغاء الوقف الأهلي ووضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامةللإصلاح الزراعي، وترتب على ذلك ضرب الركيزة الاقتصادية للأزهر وعلمائه.
الثاني: إلغاء المحاكم الشرعية بقانون رقم 462 لعام 1955م.
الثالث: قانون تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961م وهذا القانون و إن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا وقسّمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة وخاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر, فشيخ الأزهر ووكيل الأزهرورئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية.
هذه القوانين الثلاثة التي صدرت في خلال السنوات التسع الأولى لحكم ثورة 52 جعلت الدولة تسيطر على المؤسسة الدينية الكبرى واقتصادها في العالم الإسلامي كله؛ ليتحول دورها من المتبوع في أقطار الأرض، إلى التابع لسياسة النظام الناصري ثم الرأسمالي الليبرالي في حقبة السادات ومبارك، وقد تم تغيير هذا القانون أخيرا لكنه في حاجة ماسّة إلى المراجعة من البرلمان القادم إذ أصدره المجلس العسكري بمعية شيخ الأزهر الحالي وهو أبرز رجال الحزب الوطني المنحل سابقًا!
إن هذه التركة الثقيلة من تزييف الوعي، وترسيخ صنم المركزية التي تناقض بل تضاد مقصد الحضارة الإسلامية والإسلام نفسه في جعل الشعوب أصحاب القرار الحقيقي وليس فئة أو جماعة وظيفية وطّنها المحتل أو المستعمر في بلداننا بحاجة إلى تغيير وإعادة نظر كبير!
ومن ثم يبقى أمام الرئيس المصري الجديد الذي من المفترض أنه يتكئ على هذه المنظومة الإسلامية الحضارية التي تحرّر الشعوب من صنم المركزية السياسية "الغاشمة" وأيدولوجيتها الواحدة عبر أذرع الدولة من أول جهازها الإداري مرورًا بالإعلام وانتهاء "بالإسلام المؤمّم" في مساجد "الدولة" تحد كبير .. فهل سيسعى الرئيس مرسي إلى هذا أم سيرى أن الأسهل والأقرب - لطبيعة تكوينه "التنظيمي المغلق" في جماعة الإخوان المسلمين - أن يرث نظامًا "ديكتاتوريًا" في جوهره فقط ليحسّن بعض الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإدارية، ثم يُسلّمه إلى خلفه وهكذا ليبقى جوهر النظام وبنيته لا تمسّه يد التقويم وإعادة الهيكلة؟
أفهم أن هذه القضية قد لا تشغل بال المصري الغارق في مشاكله اليومية لكنها لُب الصراع بين من يريدون إقامة دولة مدنية بمرجعية إسلامية وبين التبعية الكاملة للأمريكان/"منظومة العولمة" الذين رأوا نجاعة "المركزية الشمولية وتولية فرد على رأسها" منذ تخطيط السي آي إيه لأول انقلاب عسكري في العالم العربي قام به حسني الزعيم في سوريا في 30 مارس 1949م وإلى الآن!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.