لم يكن هذا لقائي الاول بالسيد الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية في مصر. في يناير 2011 بينما كنت اقدم الفقرة الاذاعية من برنامج نقطة حوار في البي بي سي. اخبرني المخرج معنا على الهاتف محمد مرسي احد القياديين في جماعة الاخوان المسلمين يتحدث من داخل السجن الذي تم اقتحامه والابواب مفتوحة. لم اكن حينها اعرف السيد مرسي ولا صفته ولا تاريخه بشكل مفصل. ووجهت له الاسئلة التي كنت ساوجهها لاي شخص في مثل وضعه. من الذي اقتحم السجن، لماذا هرب الحراس؟ من فتح لكم الابواب؟ من اين جاء اطلاق النار؟ وكيف حصل المهاجمون على السلاح؟ وهل هي عملية خاصة لتحريركم؟ من ادخل لكم الهاتف وكيف وصل رقمكم لوسائل الاعلام؟ كلها اسئلة لم الق لها جوابا في ذلك الحديث التلفوني وتظل لحد الان رهن الاجابة. في لقائي الثاني معه رئيسا في قصر الاتحادية، ضمن وفد من الصحفيين العرب، دعيت اليه بمبادرة من منتدى الاعلام العربي وامينه العام السيد ماضي الخميس، بصفتي اعلامية عربية في مصر وليس مقدمة برنامج الصورة الكاملة في اون تي في. لقاء حضره بعض رؤساء الصحف القومية يحضرني منهم اسماء ممدوح والي، محمد صلاح، اسماعيل الشتشاوي، ابراهيم الصياد ومحمد حسن البنا. بحضور وزير الاعلام السيد صلاح عبد المقصود والمتحدث باسم الرئاسة ياسر علي. بالصدفة البحتة كنت قد شاهدت قبل حضور اللقاء صورة بتناقلها الناس على تويتر ويدعون انها لياسر علي مشاركا بدور كومبارس في احد البرامج الكوميدية. وكلما التقت نظراتي مع متحدث الرئاسية استحضرني انطباع صورة الكومبارس والبرنامج الكوميدي. لقاء الرؤساء والزعماء السياسيين تسبقه تلك الخفقة بالقلب والغصة الخفيفة التي يعرفها تماما زملائي الصحفيين والاعلاميين. لكن هذا الشعور لم يراودني لحظة دخول الرئيس الى القاعة. ربما لانني لست هنا لغرض مقابلته تلفزيونيا. او لان الرجل طالما قدم نفسه وحرص، على انه واحد من ابناء هذا الشعب او ربما لما يشاع عن طيبة الرئيس وترحيبه القلبي بكل من يقابلونه. او ربما لاننا بتنا نراه كثيرا منذ توليه الرئاسة في خطاباته التي كان لبعضها الطابع العفوي، مما ازال بعض الحواجز. يرى الدكتور محمد مرسي ان على الاعلام العربي في محصلة حديث طويل ذكر فيه كلمة التجانس اكثر من ستين مرة، يتبعها كل مرة “بالتكامل ليشكل الوعاء”. تحدث في الاقتصاد والسياسة والثقافة والتسليح والدفاع العسكري العربي المشترك، وكل هذا يجب ان يكون هم الاعلام والاعلاميين العرب لتوجيه الرأي العام له في الفترة المقبلة. وان الاعلام يجب ان يكون موَّجِّها مستغلا “الطاقات التي لدينا” كاللغة كي تصل الرسالة لكل الناس على حد تعبيره. سأل الرئيس نفسه في معرض حديثه لجمهور مستمع، نحن، “فما هي مواردنا”؟ واجاب نفسه، وانقل ما قاله حرفيا، “عندنا موارد بشرية. الانسان له معتقد، وهذا يكون دافع لتحقيق اهدافه، نحن مؤمنيين والمؤمن لديه مفاهيم مختلف، عندنا الايمان وعندنا اللغة تتميز عن غيرها من اللغات عندنا بشر كتير ولغة مشتركة ومعتقدات مشتركة وعندنا مياه رغم مشاكل المياه.. عندنا ارض واسعة وعندنا غاز وفي توازن بين الليل والنهار مش زي بعض الدول الاخرى... ما عندناش جبال تحجزنا عن بعض وعندنا وقود وعندنا خامات وفيه حاجات نادرة كمان.. هذه الموارد كثيرة جدا والاهداف مهمة جدا.... دور الاعلام مهم جدا واذا تجانس وتوحد.. اذا تجانس مش عيب وصار له اهداف يحققها ويترسخ بداخله ان عندنا ادوات كثيرة. فكيف يكون الاعلام وسيلة ناجحة لتحقيق هذه الاهداف؟ ... يضيف الرئيس “يجب عقد ندوات لنشر هذا.. طبعا الانظمة السياسية عليها مسؤولية ان تتفق فيما بينها تتوافق تتجانس وتتكامل... هل نحن امة لديها رسالة؟” عند هذا السؤال الجديد توقفت عن تدوين ما يقوله الرئيس، ورحت اتأمل فيما قاله. السؤال الاول الذي خطر لي في لحظتها الم يكن يدرك العرب شعبا وانظمة ان لديهم لغة وعقيدة وموارد مشتركة؟ هل هي المشكلة في عدم معرفتنا بوجود هذه ” الموارد” ام في عدم القدرة على استغلالها؟ واين هي الخطة التي لديكم السيد الرئيس لتحقيق هذا “التجانس والتكامل”؟ الم يكن دور الاعلام العربي في “الستين سنة الماضية” توجيهيا؟ الم يوجه المواطنين ليل نهار الى اهمية حب البلاد والعباد وتمجيد الحاكم والتسبيح بقدرة الخالق وشكره ليل نهار على بلادنا الحلوة التي منحنا اياها؟ اليس الاعلام المُوَجِه هو نفسه الذي سمح لمعمر القذافي ان يعلنها جماهيرية؟ ولآل الاسد ان يعلنوها عزبة؟ ولبيت مبارك ان يضموها ضمن الممتلكات الخاصة المنقولة وغير المنقولة؟ هل ادى كل ما ارتكبه الاعلام المُوَجِه الى النتائج المرجوة سيادة الرئيس؟ والم يحن الوقت ليتسع فضاء الثورات بعد، لاعلام ينتقد ويعارض ويخطئ ويصحح ويعيش تجربة الحرية بحسناتها وسيئاتها؟ لم يتحدث الرئيس عن توحيد الاعلام في البلد الواحد بل عن توحيده في الجزيرة العربية كلها. تساءلت كيف يكون ذلك في بلاد يسجن فيها انسان بسبب تغريدة، او يمنع كاتب من الكتابة بسبب مقالة انتقد فيها الرئيس. وكيف يلاحق اعلامي ويهدد اخر بالقتل بسبب مواقفه. لكنني استدركت ان الاعلام المُوَجِه الموَحَد سيعفينا من كل تلك “الشرور”، فلن يكون هناك معارضة من الاصل طالما ان هناك “اهداف مهمة” يجب تحقيقها ويجب “شحذ الطاقات وتوجيها” لتلك الغاية. استشهد الرئيس ان الغرب حقق الوحدة الاقتصادية والعسكرية والثقافية، ولكنها قد تظل وحدة هشة لانها لا تملك “الموارد” التي “نملكها”، (البشر العقيدة واللغة...) لكن الحقيقة ان وحدة الغرب ليست هشة وان كان ربما مصيرها الزوال الان او بعد فترة. لكنها لن تختفي ستتخذ شكلا اخر من التوحد القائم على المصالح الاقتصادية والسياسات المالية الواضحة التي توضع وتناقش بشفافية. على استفتاءات حقيقية يقول فيها شعوب لا يعرفون لغات بعضهم نعم او لا على وحدة مصيرهم، وحدة لا تبنى على خلفيات عقائدية قد تكون هي بحد ذاتها مصدر الخلاف، ولا على لسان مشترك ما دامت لغة الارقام واضحة. وتحقيق الاهداف يتم من خلال ميزان دقيق يزن معدل المكسب والخسارة. في ختام الجلسة سمح للمستمعين بتوجيه اسئلة خلال عشر دقائق فقط. كانت الاسئلة تضج برأسي وعرفت انني لن اتمكن من طرحها. في الحقيقة لم اشأ ان اطرحها اصلا، بكل بساطة لم ارد ان العب دور البطلة او حصان طروادة. او لانه لا يعنني ان احصل على الاجابات على اسئلة شديدة البديهية. بعض الحضور وجه اسئلة عن الدور الذي ستلعبه مصر في توحيد الاعلام، وكأن الجميع صدق ان هناك خطة جاهزة لذلك. وتم الاتفاق على عقد مؤتمر للاعلام العربي بعد بضعة اشهر “لتوحيد الجهود”. بينما تحدث احد رؤوساء التحرير “المحليين” كما دعى نفسه عن اهمية العمل على ميثاق الشرف الاعلامي لمنع “الملاك، ملاك القنوات الفضائية، من التحكم باموالهم بالاعلام المصري”. طلبوا منا التجمع لاخذ صورة تذكارية مع الرئيس. تحججت بالدخول الى حمام السيدات الذي كنت احتاجه بالفعل. لكن دافعي الى عدم الظهور في تلك الصورة كان اقوى. في طريق عودتي مررت بخيام المعتصمين. في تلك اللحظة اردت ان اقدم اعتذارا لهم لانني كنت في جلسة عن الصحافة والاعلام في بلد ثورة خمسة وعشرين يناير لم تفتتح بالحكي عن شهيد الصحافة الحسيني ابو ضيف الذي اغتيل على بعد خطوات من ابواب القصر الذي جلست فيه مع رئيس البلاد. ملاحظة كتبت هذه الملاحظات على النوت باد الجلدية المزينة بالنسر والتي وزعت علينا في القصر الرئاسي.