هل هناك مفارقة أو تناقض بين أن قوى التطرف خصوصا تنظيم داعش تواجه هزائم شديدة فى سائر المنطقة العربية، وبين العملية النوعية التي ارتكبها الإرهابيون فى منطقة البرث برفح شمال سيناء صباح الجمعة الماضى، أو عملياتهم الانتحارية المتعددة فى سوريا والعراق؟!. لا يوجد تناقض بالمرة، بل إن النهاية المحتومة لهذه التنظيمات قد تكون سببا جوهريا لارتكاب عمليات عشوائية، فى المنطقة، وهو الأمر الذي يفترض أن يدفع الجميع خصوصا أجهزة الأمن إلى الاستعداد لأيام صعبة قادمة. حينما سيطر داعش على مدينة الموصل العراقية فى نهاية يونية 2014، أعلن قائده أبوبكر البغدادي قيام ما أسماه ب«دولة الخلافة الإسلامية» من مسجد النورD بالمدينة. وقبل أيام قليلة وحينما أيقن التنظيم أن الهزيمة آتية لا ريب فيها، قام بتفجير المسجد الأثرى وقبة الحدباء العتيقة. الأمر الذى دفع خصومه العراقيين إلى القول «سقوط دولة الخرافة!!». فى سوريا أيضا يكاد التنظيم يخسر معقله الرئيسى بمدينة الرقة، وفى ليبيا خسر سرت والجفرة وتم طرده من حى الصابرى آخر معاقله فى بنى غازى، وفى مصر تعرض التنظيم لضربات كثيرة، خصوصا فى سيناء. دعاية داعش قبل ثلاث سنوات كانت تقول ان دولتهم المزعومة «باقية وتتمدد»، لكنها تذوب الان وتتلاشى. تقديرات دولية تقول إن التنظيم فى «مرحلة طلوع الروح» وأنه سيخسر معظم، إن لم يكن كل الأرض، التي استولى عليها فى ظروف غامضة، قبل ثلاث سنوات فى المنطقة العربية. لكن ذلك لا يعني توقف العمليات الإرهابية بل ربما تحولها إلى ما يشبه «التلويش». أكبر أخطاء داعش أنه استولى على أرض ورفع عليها علمه الأسود، لأنه دفع معظم العالم للتوحد ضده. الان خسارته للأرض، قد تؤدي لهروب عناصره إلى مناطقهم الاصلية، او الذوبان والكمون انتظارا لضربة هنا أو هناك بطريقة الذئاب المنفردة. هؤلاء العائدون سيمثلون خطرا داهما على بلدانهم بعد أن كانوا متجمعين فقط فى الموصل أو الرقة وبالتالى، فقد نسمع كثيرا مصطلح «العائدون من سوريا والعراق» على غرار «العائدون من أفغانستان وألبانيا أو البوسنة وغيرها». أحد تفسيرات عملية البرث الأخيرة أنها تمت لتخفيف الضغط على التنظيم فى سوريا والعراق، والايحاء بأنه ما يزال فاعلا، فى حين يعتقد البعض بانها تكليف من الرعاة الإقليميين والدوليين لتخفيف الضغط عن قطر التى تتعرض لعملية حساب عسير على دعمها لقوى التطرف طوال أكثر من عقدين. إذا هزيمة داعش كتنظيم لا تعنى توقف الإرهاب أو العمليات، خصوصا أن داعش كان طلب من عناصر ألا تتقيد بالتعليمات الفوقية أو انتظار التعليمات لتنفيذ العمليات، بل التنفيذ بمجرد الشعور بإمكانية ذلك على الأرض. هذا التنظيم أعطى عناصره صلاحيات لا مركزية هائلة للتصرف طبقا للظروف المحلية المتغيرة. إذا كان ما سبق صحيحا، فإن السؤال الطبيعى هو: ما هى الطريقة المثلى لمواجهة ذلك؟! أولا: على البلدان العربية وأجهزة أمنها أن يكون لديها معلومات ساخنة حقيقية عن العناصر الإرهابية ولابد من تعاون وتنسيق شامل بينها فى هذا الصدد. غالبية هذه الأجهزة فشلت فشلا كبيرا فى اختراق هذا التنظيم الأمر الذى جعله ينفذ عمليات نوعية كثيرة فى الأراضى العربية. ثانيا: مطلوب من هذه البلدان أن تتأكد من أن عناصرها الأمنية مدربة تدريبا جيدا على مواجهة داعش، الذين يشنون حرب عصابات منظمة وناجحة إلى حد كبير. الهواية لا تنفع فى هذا المجال، بل تكون سببا فى زيادة الخسائر وإعطاء داعش احساسا وهميا زائفا بالتفوق وهو ما يعنى اطالة أمد المعركة. ثالثا: لا يمكن التغلب النهائى على فلول داعش وبقية المتطرفين إلا بحرمانهم من أى بيئة حاضنة لهم، وهو الأمر الذى يعنى آليا كسب قلوب وعقول المواطنين خصوصا فى بؤر التوتر ومناطق الصراع مع الإرهابيين. ومن دون هذه النقطة تحديدا فإن المعركة مرشحة للاستمرار رغم اليقين بأن هزيمة المتطرفين حتمية.