أسعار طبق البيض اليوم الجمعة 30-5-2025 في قنا    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 30-5-2025 في قنا    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 30-5-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    13 شهيدا في قصف ورصاص الاحتلال شمال وجنوب قطاع غزة    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب إقليم ألباى الفلبينى    القنوات الناقلة لنهائي كأس خادم الحرمين بين الاتحاد والقادسية    حالة الطقس اليوم الجمعة 30-5-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 30-5-2025 في محافظة قنا    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة    وليد عبدالعزيز يكتب: الحلم.. سيارة مصرية 100%    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    اليابان تعلن رفعا جزئيا للعقوبات عن سوريا.. فما هي القطاعات المستهدفة؟    «عانت بشدة لمدة سنة».. سبب وفاة الفنانة سارة الغامدي    الإفتاء: الأضحية المعيبة لا تُجزئُ عن المضحي    حاسوب فائق سمي تيمنا بعالمة الكيمياء جينيفر دودنا يعزز الذكاء الاصطناعي    لتغيير مفهوم رحلة اليوم الواحد، تفاصيل إقامة معارض أثرية في روسيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 20 مسجداً جديداً بالمحافظات    «مكتب شكاوى المرأة».. مأساة «سمر» تتحول لقصة فيلم مُلهم لضحايا العنف    قناة عبرية: ترامب أمر بوقف التعاون العسكري مع إسرائيل (تفاصيل)    «الجينوم الرياضي».. أولى الخطوات العلمية والعملية نحو مربع الدول العظمى    فوائد الزنجبيل، لتقوية المناعة وصحة الدماغ وجمال البشرة    هيشتغل إلى 2.30 صباحا، تعديل تشغيل قطار العاصمة الكهربائي اليوم بسبب حفل ضخم بالنهر الأخضر    كان نايم.. مصرع شاب دهسًا بسيارة والده في العاشر من رمضان    "قبل ريفيرو".. ماذا قدم المدربين الإسبان مع النادي الأهلي؟    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    إنييستا: إنريكي موهوب.. وإنتر يمتلك لاعبين كبار    مدحت العدل يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن شكوى جمعية المؤلفين.. ما علاقة حسين الجسمي؟    «قرار الأهلي».. رد مفاجئ من سيد عبدالحفيظ على مزاعم بيع زيزو    إمام عاشور يوجه رسالة ل حسام حسن    ياسر إبراهيم يسخر من احتفالات بيراميدز بالدوري    نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 الترم الثاني بالاسم في جميع المحافظات .. الروابط الرسمية للاستعلام الآن    البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قوانين الانتخابات    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    ترامب: يجب تمكين الرئيس من حماية الاقتصاد الأمريكي    الحوثيون يعلنون مهاجمة مطار بن جوريون وسط إسرائيل بصاروخ فرط صوتي    مصرع شاب في انقلاب سيارة على طريق أسيوط – الوادي الجديد    أوروبا تضغط على إسرائيل لوقف مجازر غزة    أسامة كمال: 600 يوم من الإجرام الإسرائيلي وغزة لا تزال تتنفس وتكتب التاريخ بالدم    إمام عاشور: زيزو هنأني بعد الفوز بالدوري.. وهذه رسالتي لميسي قبل كأس العالم للأندية    حزب "الجبهة الوطنية" يطلق مؤتمرًا موسعًا لريادة الأعمال في بورسعيد    العرض الموسيقي «صوت وصورة» يعيد روح أم كلثوم على مسرح قصر النيل    ريا أبي راشد: مسرحية «ريا وسكينة» سبب تسميتي بهذا الاسم (فيديو)    ديوان عام محافظة الجيزة يعلن توفر عدد من الوظائف    بالأسماء، وزير البترول يصدر حركة تكليفات وتنقلات لبعض رؤساء شركات القطاع    هل يجوز الجمع بين نية صيام العشر من ذي الحجة وأيام قضاء رمضان؟    "الإفتاء توضح" بعد الجدل الدائر.. حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟    رئيس "حماية المستهلك": 550 موظفا بالجهاز لخدمة 110 ملايين مواطن    موعد أذان الفجر اليوم الجمعة ثالث أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر رسميًا    ضبط 3431 أسطوانة غاز و1000 لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء بالبحيرة    الإمساك.. الأسباب الشائعة وطرق العلاج بوصفات طبيعية    تجاهل تنظيف منطقة في الأذن قد يعرض حياتك للخطر.. تحذير خاص لأصحاب «النظّارات»    متحدث الأوقاف: صكوك الأضاحى بدأ فى 2015 ووصلنا إلى 10 ملايين أسرة    وكيل أوقاف الفيوم يشهد فعاليات كتاب مسجد على مفتاح.. صور    وزير الأشغال العامة الفلسطينى: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية    «الإسعاف»| 123 سنة إنقاذ.. 3200 سيارة حديثة و186 مقعدا لاستقبال البلاغات يوميًا    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا أدافع عن منظومة زويل؟ || بقلم محمد المخزنجي


محمد المخزنجي
بعد زيارتى لمدينة زويل للعلوم والتقنية منذ شهر واحد، خرجت ببعض الرؤى التى لم تكن لدىَّ أبدا قبل هذه الزيارة، وتتلخص فى:
1 أن المنظومة التى رأيتها هناك تعمل، تشهد بأثر رجعى للدكتور زويل بأنه كان مُخلصا حين اختص بلده بأعمق وأرقى ما فى جعبته العلمية.
2 أن المنظومة تمثل قفزة فى التفكير والبحث العلميين على أرضنا وتعد بالكثير.
3 أن هذه المنظومة ينبغى حمايتها والحفاظ عليها كثروة قومية، مع حل مشكلة طلاب وباحثى وأساتذة «جامعة النيل» بشكلٍ توافقىٍّ، منطقىٍّ، وعادل.
لم أقل أبدا بالتضحية بجامعة النيل فى أى حلٍّ يكون، برغم حماسى لمدينة وجامعة زويل، وهو حماس وليد رؤية وتفحُّص ويستند إلى درجة ما من المعرفة بتطور العلوم ومنظومات البحث العلمى المتقدمة فى العالم المتقدم، فمنذ بداية الثلث الثانى من القرن العشرين حدثت ثورة فى تصميم منظومات البحث العلمى داخل عدد محدود جدا من المراكز العلمية العالمية من أبرزها معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «كالتك» الذى يكاد يكون محطة تاريخية توقف عندها أشهر عباقرة العلم، ومنهم أينشتين فى عامى 1930 و1931. وبمثل هذه المحطة لا توجد عشوائية فى انطلاق مسارات البحث العلمى، بل استراتيجيات يمضى على دروبها من يتسقون مع طموحها ويمتلكون القدرة على الإنجاز المرموق، وكان لويس باولنج الأمريكى المولود عام 1901، والذى ذكرته فى مقالى السابق، أحد رواد استراتيجيتها، أعدَّ بها رسالة دكتوراه للكشف عن التركيب الكيميائى للبلورات بتحليل معطيات تصويرها بأشعة إكس، فتداخلت الفيزياء مع الكيمياء فى بحثٍ واحد نال عنه باولنج الدكتوراه عام 1925 ثم عُين بروفوسيرا بكالتك عام 1927، وبعد أربع سنوات أحدث ثورة علمية عندما كشف لأول مرة فى التاريخ عن أن الروابط الكيميائية تحدث نتيجة اتحاد بين الإلكترونات وليس بين الذرات، ثم وسّع أبحاثه لتشمل المركبات الكربونية التى تتألف من جزيئات كبيرة مثل البروتينات فى المواد الحية، وهكذا أدخل علم الأحياء فى سبيكة المنظومة البحثية، وأسفر ذلك عن اختراق علمى بكشف فريق بحثى من «كالتك» عن تركيب البروتينات التى تُشكِّل الحرير والريش والشَّعر وعددا آخر من المواد العضوية، وهى خطوة مذهلة فى البحث العلمى متعدد الجوانب، تفتح على إمكانية ابتكار مواد جديدة تُحاكى الطبيعة، وتتيح فهماً أعمق لأسرار الأحياء يُكرَّس لصالح الإنسان. وكان باولنج أحد القلائل الذين حصلوا على جائزة نوبل مرتين!
مضت السنون، وتعاقب علماء كبار على كرسى أستاذية لينوس باولنج ليواصلوا المسير ضمن استراتيجية «كالتك» البحثية ذات الأفق المفتوح، وكان أحمد زويل آخرهم، وربما أبرزهم، فقد جعل البشرية ترى لأول مرة فى التاريخ عبر ومضات ليزر الفيمتو ثانية حركية التفاعل الكيميائى لحظة حدوثه، فحلَّ لغزا من ألغاز العلم، وبشَّر بمخرجات تقنية واعدة فى مجالات عدة تتمازج فيها الفيزياء مع الكيمياء مع التقنية وتتوجه من ثم إلى الأحياء، فانتقل إلى كشف أسرار الروابط الكيميائية فى الأحماض النووية المكونة للجهاز الوراثى، وكذلك تكوين البروتينات المسببة لمرض ألزهايمر، بومضات ليزر الفيمتو ثانية فى البداية، ثم ب«الميكروسكوب الإلكترونى فائق السرعة رباعى الأبعاد» الذى حصل به على براءة اختراع دولية، وأتاح له رصد دقائق التغيرات الكيميائية فى مَشاهِد ثلاثية الأبعاد، مُضافا إليها البعد الزمنى. وكان على مشارف نوبل ثانية!
حكيت كل ما سبق لأوضح أسس احتفائى ببزوغ تلك المنظومة العلمية فى مدينة وجامعة زويل للعلوم والتقنية بمدينة الشيخ زايد، التى تنقل إلينا ما يشابه تجربة «كالتك» التى توصف مع مثيلاتها بأنها متعددة التخصصات multidisciplinary وتتطلب التكامل بين علماء الأحياء والمهندسين والفيزيائيين وعلماء المواد وتكنولوجيا النانو وغيرها، وهذا التكامل تتوالد منه مفاهيم وبِنى جديدة فى العلم، منها ما يسمى محاكاة الطبيعة Biomimicry أو التقليد الأحيائى biomimetics حيث تُستلهَم النماذج والأنظمة الحية وعناصر الطبيعة لحل المشاكل البشرية المعقدة، مثل المُحاكاة الصناعية لحصول النباتات على الطاقة بالتمثيل الضوئى، وإنتاج أقمشة ودهانات وأدوات تنظف نفسها بنفسها على غرار ما تفعله أوراق نبات اللوتس، وحث الخلايا البالغة على التحول إلى خلايا جذعية شبه جنينية على نسق ما يحدث فى نجوم البحر التى تنمو لها أطراف وأعضاء جديدة بعد فقد القديمة. وفى مدينة زويل ثمة من يعمل بالفعل على تطوير كفاءة الخلايا الشمسية باستخدام مسحوق نبات مصرى فى طبقة طلائية نانوية تضاعف امتصاص أشعة الشمس، وبالتالى تضاعف توليد هذه الخلايا للكهرباء! وثمة من يعمل على التحكم فى الإيقاع الحيوى للخلايا ضمن منظور جديد ومدهش فى مكافحة السرطان!
إن توافر مفهوم المنظومة البحثية متعددة ومتكاملة التخصصات وتفعيلها فى مدينة زويل هو الذى يدعونى للدفاع عنها، وضمنها الجامعة، فالطلاب الثلاثمائة الذين لا يقل مجموع الواحد منهم عن 98%، والذين تم اختيارهم عبر اختبارات دقيقة ونزيهة- من بين ستة آلاف طالب من ربوع البلاد كافة- ليتلقوا العلوم الحديثة والمتقدمة جدا بالمجان، يدرسون فى هذا الصرح العلمى الفيزياء والرياضيات والكيمياء مع الأحياء، كعلوم أساسية لم يعد مقبولا الفصل بينها فى إعداد باحثى المستقبل.
والآن، برغم أننى تحاشيت منذ البداية الدخول فيما يُسمَّى «الصراع» بين جامعة النيل وجامعة زويل، أقول إنه لا جامعة النيل ولا مدينة زويل امتلكتا الأرض ولا شيدتا عليها تلك الأبنية التى تكلفت قرابة نصف بليون جنيه من ميزانية الدولة، فلماذا تُختَص النيل دون غيرها بهذا الإغداق برغم أنها واقعيا لا تزيد على كلية هندسة- مهما كان مستواها رفيعا- فى تخصصات محدَّدة ومحدودة تتعلق بالاتصالات والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، ويوجد نظير لها فى معظم كليات الهندسة الحكومية التى لم تلق التدليل ذاته الذى نالته النيل من حكومة نظيف؟ ومع ذلك، أعلنت وأُعلن رفضى التام لإهدار حق طلاب وباحثى وأساتذة «جامعة النيل» فى إكمال ما بدأوه وأغرتهم به الدولة ممثلة فى حكومة أو حكومات سابقة. وإذا كان ذلك كذلك، فإننى من باب أولى أرفض وأدعو كل من لديه ضمير فى هذا البلد أن يرفض تدمير المنظومة العلمية والبحثية الفريدة فى مدينة زويل للعلوم والتقنية، ولابد أن يكون هناك بحث عن حل توافقى يحافظ على الكيانين خروجا من هذا المأزق، والعدل والمنطق يقولان إن الأفضلية للأهم والأشمل.
هذا المأزق سيتحول إلى جريمة شنعاء إذا ما تم تدمير عدة تجهيزات فائقة الأهمية والندرة العلمية والتقنية وتكلفت مئات الملايين فى مدينة زويل بدعوى إخلاء المبنى لجامعة النيل، لأن هذه التجهيزات والأجهزة مُفصَّلة على الأماكن التى تحتويها، ومنها: 1- معمل النانو تكنولوجى المزود بشبكة غازات شديدة الحساسية فيما يسمى «الغرفة النظيفة» التى لا مثيل لها فى مصر باستثناء نموذج صغير بالجامعة الأمريكية، 2 معمل التصوير الميكروسكوبى الإلكترونى رباعى الأبعاد فائق السرعة، الوحيد فى الشرق الأوسط لأنه نسخة فريدة مما فى «كالتك»، وما كان ممكنا أن يكون فى مصر إلا لأن زويل أراد وأحب أن يكون فى بلده، 3- معمل زرع الخلايا فى مركز دراسات الشيخوخة، 4 معهد دراسات الجينوم.
أما فريق العلماء والباحثين الذين تركوا أماكن مرموقة فى الداخل والخارج ليلتحقوا بهذه المنظومة حباً فى وطنهم وحلماً بإقامة صرح علمى متقدم بين أهليهم، فستكون الجريمة أشنع إذا بُعثروا ودُفعوا بعيدا عن قلب هذا الوطن، وعقله. وإلحاقا بذلك فإن الطلاب الثلاثمائة النوابغ الذين جاءوا من كل ربوع مصر وبدأوا عامهم الأول فى الدراسة رفيعة المستوى بمجانية يستحقها نبوغهم ولا شىء غيره، سيكون تشريدهم بتدمير جامعتهم إعلاناً عن انحطاط لا مثيل له، وجريمة فى حق الحاضر والمستقبل.
لهذا كله أدافع عن منظومة زويل، وأكرر: هذه المنظومة ينبغى حمايتها والحفاظ عليها كثروة قومية، مع حل مشكلة طلاب وباحثى وأساتذة «جامعة النيل» بشكلٍ توافقى، منطقى، وعادل. وقد تكرر تقديم عروض معقولة فى هذا الاتجاه، قبلت جامعة النيل بأحدها ثم تراجعت عنه، ولا بأس بإعادة بحث وتطوير هذه العروض إذا حسنت النوايا، واجتمعت الإرادات على حب الأفضل لهذا البلد ومستقبله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.