استمرار تعذيب الأفارقة على أرض الفيروز في سيناء ما زالت الإريترية ميليين تغسطى التي حررها قبل أسابيع أحد زعماء كبرى قبائل سيناء من قبضة عصابة لتهريب البشر تبحث عن زوجها أسمرو الذي اختطف معها في منطقة رفح الحدودية قبل شهر يونيو) أثناء محاولة دخولهما إلى إسرائيل بطريقة غير مشروعة. حكاية ميليين، وهي أم لطفلتين تركتهما برعاية والدتها عندما قررت هي وزوجها الهجرة بصورة غير شرعية إلى إسرائيل لتحسين احوالهم المعيشية،هي حكاية حب وفقر وترحال وعصابات إجرامية دولية تنشط عبر الحدود. في منتصف يوليو الماضي شهدت المصري اليوم عملية مداهمة نفذها الشيخ محمد المنيعي (أبو بلال) ابن قبيلة السواركة لفك أسر ميليين من خاطفيها الذين احتجزوها في مخزن بقرية المهدية جنوبي رفح. جلست ميليين في ديوان أبو بلال والدموع تنهمر على وجنتيها وهي تروي عملية خطفها للمرة الثانية في رحلة البحث عن حياة أفضل في إسرائيل. ويحمل جسدها آثار التعذيب الذي أدىإلى كسر ذراعها الأيمن التي عقدتها إلى رقبتها. استطاع أبو بلال تحرير العشرات من الأفارقة المحتجزين وأغلبهم من الإريتريين والسودانيين والتشاديين"بسبب رفض أهالي سيناء مثل هذه التجارة التي شوهت صورة قبائل سيناء". رغم تحويل أم ميليين مبلغ الفدية قامت العصابة ببيعها إلى عصابة أخرى من المهربين حيث بقيت ثلاثة أشهر هنا افترقت ميليين عن زوجها وانقطعت أخباره عنها، لكنها متأكدة من أنه مازال يتعرض للتنكيل به إلى أن يدفع الفدية. زوجها ما زال في مكان ما من سيناء. كان الاثنان قد انتقلاإلى السودان حيث بقوا هناك عامين قبل أن تخطفهما عصابة سودانية في نوفمبر 2012 وتنقلهما إلى سيناء. وفي سيناء تعرضا للتعذيب ليدفع كل منهما فدية تقارب 35 ألف دولار. استطاعت أم ميليين المكلومة جمع مبلغ الفدية في إريتريا بعد أن قامت ببيع كل ما في حوزتها من ممتلكات، لكن العصابة باعت ميليين لعصابة ثانية وهم من أبناء القبائل المنبوذين في منطقة رفح الحدودية. كانت والدتها حولت الفدية إلى سماسرة في إسرائيل حيث يتم تهريب المبالغ المالية من إسرائيل إلى سيناء عبر الحدود بحسب رواية ميليين وروايات عشرات غيرها. يقول شهود عيان على معرفة بهذه العمليات إن عصابات الاتجار في البشر بسيناء ترتبط بعصابات في إسرائيل حيث تتلقى أموال الفدى في حسابات مصرفية. وتضم هذه العصابات مهاجرين أفارقة كانوا نجحوا في دخول إسرائيل والإقامة فيها. "تم تحويل المبلغ ولكنه لم يسعفني إذ قام المهرب ببيعي إلى مهرب آخر لتبدأ رحلة أخرى من العذاب،" هكذا تتذكر ميليين محنتها، قائلة إنه طلب منها في المخزن الثاني تحويل 30 ألف دولار وهو ما عجزت عن تدبيره. تم فكها من الأسر على يد الشيخ المنيعيبرفقة 20 مسلحا من أبناء القبيلة في أربع سيارات دفع رباعيإلى المخزن. هناك تم تقييد الحارسين الموجودين أمام المخزن قبل الاقتحام والعثور على 16 إريتريا مقيدين بالجنازير وبعضهم معلق في سقف المخزن. تم نقل الرهائن المحررين إلى منزل الشيخ أبو بلال حيث قام أحد الأطباء بإجراء الكشف عليهم لأن حالة بعضهم كانت خطيرة وآثار التعذيب واضحة عليهم. مازالت ميليين تعيش في منزل الشيخ أبو بلال حيث لا يستطيع المسؤولون بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة السفر إلى سيناء لاستلام هذه المجموعة لصعوبة استصدار إذن للسفر بسبب العمليات العسكرية المصرية ضد الجماعات المسلحة المتشددة في سيناءمنذ ثلاث شهور. محنة ميليين لم تنته عند هذا الحد. تقول ميليين "كل ما أتمناه أن تجمعني الدنيا بزوجي وبنتي رغم أني لا أعلم كيف أستطيع فك أسره." ولا توجد احصاءات بأعداد الأفارقة الذين يصلون إلى سيناءفي طريقهم إلى إسرائيل. لكن شهود عيان يؤكدون أن 300 شخص فقط وصلوا إلى سيناء في مطلع العام حتى 30 يونيو. مقارنة مع 5000 كل عام في السنوات الماضية. وتوقف هذا التدفق تقريبا بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 30 يونيو، حيث بدأت القوات المسلحة عمليات عسكرية في سيناء لمحاربة الجماعات المتطرفة وأغلقت شبه الجزيرة بصورة شبه كاملة. وتقول مصادر قبلية إن أبناء القبائل تشجعوا بوجود قوات الجيش وبدأوا شن غارات لتحرير بعض المخطوفين كما يقوم الجيش بتحرير آخرين. يؤكد مسؤولون أمنيون وناشطون حقوقيون مصريون أن وصول الأفارقة – وأغلبهم من إريتريا ثم أثيوبيا ثم السودان – إلى سيناء لا يكون عن طريق الخطف فحسب، قائلين إنهم يصلون إما قسرا عن طريق الخطف أو طوعا رغبةً في الهجرة إلى إسرائيل. يقول اللواء سميح بشادي، مدير أمن شمال سيناء، إن السبب الرئيسي لدخول الأفارقة إلى سيناء هو محاولة الوصول إلى إسرائيل بعد أن تغريهم العصابات بمستقبل مشرق هناك. ويضيف "لكن بمجرد وصولهم إلى سيناء يتم احتجازهم في مخازن المهربين ويجبرونهم عن طريق التعذيب على تحويل مبالغ مالية". ويرى بشادي أن أعدادا كبيرة من الأفارقة أصبحوا يأتون إلى سيناء في الفترة الأخيرة مرغمين في إطار التعاون بين المهربين في سيناء والمهربين من قبيلة الرشايدة على حدود السودان. ويرجع عدم قيام قوات الأمن بتحرير الرهائن إلى صعوبة تحديد مكان احتجاز الرهائن لأنه يتم أحيانا داخل مبان سكنية. ويؤكد أنه تم القبض بالفعل على عدد كبير من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين لكن سفارات بلادهم ترفض استلامهم "ومازال عندنا أعداد كبيرة منهم." يتابع بشادي قائلا: "الأجهزة الأمنية تقوم بإخطار سفارات بلادهم بوجود المهاجرين داخل أقسام الشرطة ولكن للأسف سفارات بلادهم لا تعترف بهم لأنهم دخلوا بطرق غير شرعية." ورفض المسؤولون في سفارات الدول التي يأتي منها المخطوفون الحديث عن هذه المشكلة. لكن أحدهم قال إن السبب في عدم اعتراف السفارة بمواطنيها "أن وجودهم غير قانوني ولا يمكننا تحمل تكاليف إعادتهم إلى بلادهم". وقالت مسؤولة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالقاهرة طلبت عدم نشر اسمها إن المهاجرين يتعرضون للخطف في السودان ونقلهم إلى سيناء لطلب الفدية، لكن هناك عددا منهم يطلب تهريبه إلى سيناء لأنها الطريق لدخول إسرائيل. وتتهم ناشطة حقوقية إريترية الحكومات المعنية بالتغاضي عن تهريب البشر سواء بالخطف أو الهجرة. تقول ميرون استيفانوس، التي تقيم حاليا في السويدفي مقابلة تلفونية ام مكتوبة ام عبر سكايب مع المصري اليوم: "هناك تواطؤ حكومي في عملية تهريب المهاجرين لأنها تتم عبر آلاف الكيلومترات من حدود السودان حتى حدود سيناء مع إسرائيل. وقد قمت بحملات توعية داخل إريتريا لحث المهاجرين على عدم المغامرة بحياتهم والتوجه إلى سيناء." وتتفق معها هبة مريف، المسؤولة عن ملف مصر في منظمة هيومان رايتس ووتش، قائلة "المسؤولية تقع على الدولة (مصر) فعلى المسؤولين إنقاذ ضحايا الاتجار وحمايتهم من التعذيب والاختطاف ومقاضاة المجرمين… لكن المسؤولية مركبة بين الحكومة المصرية والسودانية." وتوضح أن عمليات الخطف تقع في الغالب في شمال السودان وفي مخيمات اللاجئين هناك. وتضيف أنه لم يتم حتى الآن ضبط أي شخص من عصابات تهريب البشر أو الخاطفين في سيناء وهم من المنبوذين من القبائل، "وهذا يشجع على استمرار حدوث الجريمة." وتلقي مريف باللوم أيضا على المنظمات الدولية ومنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قائلة "هناك تقصير كبير منها فيما يتعلق بتلك الظاهرة". لكنها تضيف أن المفوضية حاولت زيارة الإريتريين المحتجزين في السجون المصرية غير أن الحكومة المصرية لم تسهل لها هذه الزيارة. وإلى أن يتم حل هذه المشكلة ستبقى ميليين عالقة في منزل الشيخ أبو بلال وروحها ممزقة بين زوجها المختفي وابنتيها اللتين اشتاقت إليهما ولا تعرف للعودة إليهما سبيلا.