«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصابات تهريب الأفارقة تحوّل سيناء إلى «أرض التعذيب» (ملف خاص)
نشر في المصري اليوم يوم 10 - 07 - 2012

هرباً من جحيم بلادهم إلى نعيم متصور فى إسرائيل، تحملهم أقدامهم بشكل غير شرعى إلى سيناء، وبينما هم مطاردون من قوات الشرطة المصرية ونظيرتها الإسرائيلية، تقع مصائرهم فى أيدى مهربيهم، الذين لا يكتفون بكثير يتقاضونه مقابل الرحلة داخل سيناء، فيطلبون الكثير مرة ثانية مقابل التوقف عن تعذيب المتسللين، مستغلين ذعرهم وضعفهم للحصول على أموال إضافية، وبين أدوات التعذيب من سجائر مشتعلة وأسياخ حديدية، تتحول سيناء إلى سلخانة تعذيب.
لم يعلم تسفاى مجابى، 33 عاما، وهو يخرج من أحد أحياء قرية تبعد 70 كيلو مترا عن العاصمة الإريتيرية «أسمرة» وهو يمشى على قدمين، أنه سيفقد القدرة على تحريكمهما بشكل كامل بعد 3 أشهر جرّاء التعذيب والثقب بآلات حادة والبلاستيك المغلى الذى صبه عليه أفراد من عصابات تهريب البشر إلى إسرائيل لترهيب عائلته وإجبارها على دفع آلاف الدولارات، فدية وثمنا لدخوله إلى ما يظن أنها جنة ستعوضه عن آلام التعذيب والجوع والحبس فى سيناء.
يحكى تسفاى قصته مستخدما بعض الكلمات العربية التى تعلمها داخل مخازن احتجاز المهاجرين غير الشرعيين فى سيناء، قائلا: خرجت من بلدى، إلى السودان فى رحلة استمرت حوالى 3 أسابيع، نقوم فى جزء منها بالسباحة حتى دخول الحدود المصرية، بعد أن يبيعنا السمسار الإريترى لسماسرة آخرين من قبيلة تدعى الرشايدة على الحدود المصرية السودانية، وعند وصولنا إلى المنطقة الحدودية بمدينة رفح وجدنا أنفسنا فريسة لعصابات قام أعضاؤها بربطنا بسلاسل حديدية من أرجلنا واستمروا فى تعذيبنا بإحراق أجسادنا بخراطيم بلاستيك مشتعلة حتى يقوم ذوينا بتحويل مبالغ مالية طائلة، وتجاوز المبلغ الذى دفعه أهلى 25 ألف دولار».
ويضيف: «ما أوصلنا إلى هذه المرحلة هو آلية يتبعها المهربون وهى القيام ببيعنا إلى بعضهم البعض، ونقوم بعمليات تحويل نقدية لكل منهم، وهكذا دائرة لا تنتهى، حتى أشرفنا على الموت جوعا وتعذيبا، وخلال فترة التعذيب والابتزاز استطعنا الهروب من أحد مخازن المهربين مع مجموعة يصل عددها 15 متسللا، وساعدنا بعضنا البعض حتى وصلنا إلى منزل الشيخ محمد المنيعى الذى أحضر طبيبا وعالجنا على نفقته، ووفر لنا مكانا نقيم فيه، حتى نستطيع مغادرة البلاد والعودة مرة أخرى إلى إريتريا».
وفى منزل الشيخ المنيعى وجدنا عددا كبيرا من المتسللين استطاعوا الخلاص من المهربين ولم يجدوا ملجأ سوى منزل الشيخ، بجواره رقدت فتاة عشرينية قصيرة تدعى ألماز، نحول جسدها ومظهرها يشيران إلى صعوبة التجربة التى مرت بها حتى وصلت لمنزل الشيخ. كانت الفتاة تلف ما تبقى من شعرها بمنديل صغير بعد قيام المهربين بإحراقه بهدف ترويع أهلها فى إريتريا ودفعهم لتحويل مبالغ مالية لإنقاذ ابنتهم والسماح لها بالعبور إلى الضفة الأخرى من الحدود، حيث إسرائيل.
تقول الفتاة: «صبوا البنزين على شعرى وأشعلوا فيه النار، وصبوا البلاستيك المغلى على ظهرى حتى شارفت على الموت، كما أنهم يتبعون طريقة أخرى لإجبار أهالى الفتيات على تحويل النقود، وهى اغتصابهن، وقبل فرارى من مخزن المهربين غلبنا النوم، وعندما حاولوا إيقاظ أحد المتسللين وجدوه ميتا، وعلى الفور غطوه بملاءة سرير، وألقوا به فى سيارة مثل القمامة، وتخلصوا منه فى الصحراء».
وسط هذا العذاب، كان «الأسرى المتسللون» يتمتعون بخدمة خاصة هى إمكانية الاتصال الدولى وبمدد زمنية غير محدودة، هذه الخدمة ليست لوجه الله، تقول ألماز: «لا يمنعون أحدا من المتسللين من الاتصال بأى شخص يرغب فى الاتصال به، سواء كان قريبا أو صديقا، طالما أن ذلك يضمن لعصابة التهريب توفير مبلغ من المال، بالنسبة لى اتصلت بأصدقاء والدى فى إريتريا، والذين استطاعوا توفير 17 ألف دولار، لإنقاذى عن طريق بيع منزل الأسرة، واستدان أبى من أصدقائه وأقاربه، لتحريرى والسماح لى بالهروب إلى إسرائيل، لكن المهربين ماطلوا فى تحريرى وتوفير طريقة لدخول إسرائيل، وطلبوا مزيدا من الأموال، وبعد عمليات تعذيب نقلتها لوالدى عبر الهاتف الدولى، استطاع توفير 7 آلاف دولار أخرى، ليصل مجموع ما دفعه 24 ألف دولار، لكنهم لم يرحمونى واستمروا فى تعذيبى حتى استطعت الهرب واللجوء إلى منزل الشيخ».
منزل الشيخ محمد المنيعى تحول إلى ما يشبه ملجأ لضحايا التعذيب من راغبى الهجرة غير الشرعية إلى إسرائيل والذين فروا من مخازن التعذيب على يد عصابات الاتجار فى البشر، يقول أحد الضحايا، يدعى سامسوم، إريترى الجنسية، يبلغ من العمر 30 عاما: «استخدموا فى تعذيبى جميع الطرق، حتى إنهم قاموا (بتخريم) قدمى باستخدام أسياخ حديد ساخنة، ومارسوا أنواعا من التعذيب النفسى لإجبار القادرين منا ماديا على الدفع، إذ قاموا بلف أحد المتسللين فى بطانية وأشعلوا فيه النار، لإجبار الآخرين على تحويل مبالغ كبيرة، وبسبب هذا التعذيب الوحشى توفى منا 7 من إجمالى 60 متسللا».
بجوار سامسوم، يجلس بلدياته مهاتى، البالغ من العمر 27 عاما، يقول: «قطعنا آلاف الكيلو مترات بحثا عن لقمة عيش فى إسرائيل، وعمل نستطيع به رعاية أسرنا، وتكبدنا فى سبيل ذلك عذاب الرحلة، وربطنا بسلاسل حديدية من أقدامنا حتى لا نهرب، وعند وصولنا الى المنطقة الحدودية مع إسرائيل، حبسونا فى أحد المخازن، مارسوا علينا شتى أنواع التعذيب الجسدى والنفسى، وكانت الوجبة عبارة عن رغيف خبز وقطعة جبن لكل متسلل يوميا».
هذا العذاب لابد أن أفكار خضراء عن المستقبل تدفعهم لاحتماله، يقول سامسوم: «تحملت هذه التجربة بعد معرفتى بقصة زميلى إيتاى متير، إريترى، يبلغ من العمر 34 عاما، دخل إسرائيل عام 2011، وتمكن من إيجاد عمل يكفيه هو وأسرته فى إريتريا، رغم تضييق الحكومة الإسرائيلية التى تسعى الآن لترحيل أكثر من 30 ألف مهاجر أفريقى تسللوا بشكل غير شرعى، تزامنا مع مظاهرات عنصرية تدعو لطرد الأفارقة من إسرائيل، إلا أننى لا أزال متمسكا بالأمل فى إيجاد فرصة عمل هناك تعوضنى عن كل الأموال التى دفعتها».
للقصة طرف ثان هو أحد المهربين، عضو عصابة للاتجار فى الأفارقة، علق الإدلاء بشهادته على شرطين: الأول أن يكون حديثا مقتضبا دون الدخول فى تفاصيل كثيرة عن دروب التهريب الحدودية، لأن هذا عمله الذى «يتعيش عليه»، حسب وصفه، والثانى أن يختار اسما مستعارا.
يقول أبوفارس: «عمليات التعذيب نادرة، ولا تتبعها جميع عصابات تهريب الأفارقة إلى إسرائيل، ومعظم العصابات تقوم بتهريب الأفارقة بمجرد وصولهم إلى المنطقة الحدودية، وهى الرحلة التى تستغرق فى المعتاد نحو 15 يوما، إذا لم يحدث ما يعطل مسيرة الرحلة، وعدد «العصابات العاملة فى مجال التهريب قد يصل إلى 50 عصابة لكن الأرقام ليست نهائية»، حسب قوله، مضيفا: «تتفاوت الأعداد التى تصل لكل عصابة، لكن يصلنى بشكل شخصى حوالى 100 متسلل أسبوعيا».
عن طرق التهريب، يقول أبوفارس: «نقوم بتهريب المهاجرين من الحدود المصرية السودانية حتى كوبرى السلام ونفق الشهيد أحمد حمدى بالسويس، مقابل دفع رشاوى كبيرة، ونقوم بإيداعهم أحد المخازن ونقدم لهم الطعام مقابل تحويل مبالغ إضافية أنفقناها بالفعل فى دفع الرشاوى من أجل تسهيل وصولهم إلى النقطة الحدودية، ولا أنكر أن بعض هؤلاء المهربين يقومون بتعذيب المهاجرين الأفارقة من أجل الحصول على مبالغ إضافية».
وسط هذا القدر من التفاصيل المأساوية، يظهر نور فى نهاية النفق، الشيخ محمد المنيعى، ليس شيخا بتوصيف العمر هو فى الحقيقة شاب فى الثلاثين من عمره، جعل من بيته مأوى لكل المتسللين الهاربين من جحيم عصابات التهريب، يقوم بعلاجهم وإطعامهم دون أى مقابل، وحتى تسليمهم لمفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، تمهيدا لترحيلهم إلى بلادهم».
يصف الرجل ما يحدث للمتسللين الأفارقة، من وجهة نظر الشخص الرافض لعملية التهريب برمتها، قائلا: «لا أستطيع وصف قدر البشاعة التى يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين من الأفارقة، فعمليات التعذيب التى يتعرضون لها لا يستطيع إنسان تبريرها، واستطعنا فى الشهور الماضية إنقاذ وترحيل عدد منهم عبر مفوضية شؤون اللاجين بالأمم المتحدة، ولكن أتمنى أن يكون لدى الدولة طريقة لمنع مثل هذه العمليات من منبعها، ونحن من جانبنا مستمرون فى محاربة هذه الظاهرة أهليا وبكل ما نملك رغم تأكدنا أننا لا نستطيع وقفها دون تعاون رسمى من الدولة».
يبدى المنيعى دهشته من سهولة اختراق البلاد تحت أعين السلطات، قائلا: «لا بد من تكاتف الجميع لمنع دخول المتسللين الأفارقة إلى سيناء، والإنزعاج والقلق من الظاهرة فقط لا يكفيان، فعلى الدولة التحرك لوقف تلك الكارثة، وإنقاذ سمعتها».
على المنيعى، شقيق الشيخ الشاب يحاول البحث عن حل عملى للمشكلة، يقول: «نحن بصدد عقد عدة اجتماعات مع عقلاء شمال سيناء لمنع تلك الظاهرة، التى انتشرت بصورة كبيرة وتسببت فى تشويه صورة البدو بشكل عام وصورة سيناء بالكامل، مؤكدا استمرارهم فى حرب البدو المتورطين فى هذه الجرائم غير الإنسانية».
وسط الجهود الأهلية التى تحدث عنها الشيخ على المنيعى، والاتهامات التى وجهها شقيقه لأجهزة الدولة بعدم بذل المجهود اللازم لإيقاف هذه الظاهرة، يشرح اللواء عبدالوهاب مبروك محافظ شمال سيناء أن عمليات التمشيط تتم على جميع مداخل محافظة شمال سيناء لمنع أعمال التسلل، ولكن رغم هذه الاجراءات تصل أعداد كبيرة من المتسللين إلى الحدود، ويتم ضبط أعداد كبيره منهم على نقاط التفتيش أو أثناء قيامهم بالتسلل، ويتعامل الأمن معهم بإطلاق النار، وتقع بالفعل بعض الإصابات بالمهاجرين غير الشرعيين، وبعد القبض عليهم نبلغ السفارات التابعين لها لترحيلهم إلى بلادهم».
وعن القتلى، يقول مبروك: «القتلى سواء برصاص الأمن أو عصابات التهريب، الذين تلقى جثثهم فى الصحراء، ونعثر عليها، نقوم بتسليمها للسفارات أو تشكيل فريق من النيابة العامة وتدفن الجثث المجهولة فى مدن العريش أو رفح أو الشيخ زويد».
وأضاف مبروك: «نتعامل مع الجهات الرسمية وهى سفارات بلادهم، وإذا كان هناك أى تعامل مع منظمات حقوقية فالجهة المنوطة بذلك هى وزارة الخارجية، نافيا فى الوقت ذاته ما يتردد عن وجود عصابات للاتجار فى الأعضاء البشرية للمهاجرين غير الشرعيين بعد قتلهم، قائلا: «لا يمكن أن تتم هذه العمليات فى الصحراء، لأن تجارة الأعضاء تحتاج إلى غرف عمليات مجهزة وتحاليل طبية معقدة».
بالمقابل، رفض المسؤول الأمنى الأول فى شمال سيناء اللواء صالح المصرى، مدير أمن شمال سيناء، الحديث عن القضية، أو حتى نفيها، إلا أن مصدرا أمنيا فى المديرية، فضل عدم ذكر اسمه، أكد أن الأجهزة الأمنية تعرف تماما أماكن تخزين المتسللين وأسماء المهربين، لكنهم لا يولونهم اهتماما، ويكتفون فقط بالتركيز على أولوية إعادة الأمن للشارع السيناوى وليس حل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة».
فى 2010، بعد إصدار الخارجية الأمريكية تقريرا عن الاتجار فى البشر، وصفت فيه التجارة فى مصر ب«مصدر ووسيط ومقصد للاتجار بالنساء والأطفال بفرض العمالة الإجبارية والاستغلال الجنسى» أصدرت الآلة التشريعية المصرية قانونا برقم 64/2010، يجرم الاتجار فى البشر، وينص فى مادته الثانية على: «يعد مرتكباً لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعى بما فى ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء فى داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية- إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه- وذلك كله- إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أيا كانت صورته بما فى ذلك الاستغلال فى أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسى، واستغلال الأطفال فى ذلك وفى المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، أو التسول، أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها» وعن عقاب هذه التهمة: «يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه» فى حالة ما إذا كان الجانى قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضماً إليها، أو «إذا ارتكب الفعل بطريق التهديد بالقتل أو بالأذى الجسيم أو التعذيب البدنى أو النفسى أو ارتكب الفعل شخص يحمل سلاحاً».
منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان أعدت تقريرا مفصلا عن عمليات استهداف المهاجرين غير الشرعيين على الحدود المصرية الإسرائيلية باستخدام القوة المميتة من قبل قوات الأمن، وخلصت فى تقرير نشرته عام 2008 إلى أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون إلى إسرائيل يصل عددهم إلى 100 شخص يوميا، وأن إجمالى المتسللين بين عامى 2006 و2008 وصل إلى 13 ألف مهاجر.
وقدم التقرير عددا من التوصيات إلى الحكومتين المصرية والإسرائيلية ومفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة. ومن أبرز التوصيات لمصر: «التشديد على قوات الأمن بعدم استخدام القوة المميتة تجاه المتسللين إلا إذا كانت متناسبة وضرورية لدرء أى تهديد للحياة والتحقيق فى حوادث إطلاق النار، مما تسبب فى مقتل 33 سودانيا وغيرهم من المهاجرين الأفارقة، والتوقف عن محاكتهم عسكريا». وأوصى التقرير الحكومة الإسرائيلية ب«التوقف عن إجراء المزيد من عمليات (الإعادة المنسقة) إلى مصر بحق الأشخاص الذين عبروا الحدود من سيناء حتى تضع تل أبيب نظاما لضمان قدرة عابرى الحدود على تقديم طلبات لجوء، وأوصت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فى مصر بوضع حد لتجميد طلبات سكان دارفور على مستوى ملتمسى اللجوء والسماح بالنظر الكامل فى طلباتهم بالتماس اللجوء».
وعن ملف المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة تقول هبة مرايف مسؤولة ملف مصر بمنظمة هيومان رايتس ووتش الدولية: «هناك نوعان من الانتهاكات فيما يخص حقوق المهاجرين، انتهاكات مباشرة من أجهزه الأمن، وهى إطلاق النار وقتل المهاجرين من قبل أجهزة الأمن المصرية على الحدود، والنوع الثانى هو الاعتقال الذى تقوم به هذه الأجهزة بحق المهاجرين وعدم السماح للمفوضية العليا لحقوق اللاجئين بالأمم المتحدة بزيارة المحتجزين داخل أقسام الشرطة، بالإضافة إلى عمليات التعذيب على أيدى عصابات الاتجار بالبشر، بهدف الحصول على مزيد من المبالغ المالية، وهو ما يستوجب تدخل الحكومة لحمايه الضحايا».
وتضيف «مرايف»: «تعتبر الحدود المصرية مع إسرائيل أسوأ حدود على مستوى العالم، حيث تقوم الشرطة بقتل أى مهاجر يعبر الحدود بدلا من القبض عليه وتطبيق القانون على حالته، وبالمقارنة، فإن الحدود الأمريكية المكسيكية الممتدة لمئات الكيلومترات تشهد مقتل مهاجر واحد سنويا فى حين تشهد مصر مقتل 50 متسللا فى العام بخلاف إصابة المئات فى عمليات قمع أمنية لا تشهدها أى حدود فى العالم، كما أن السلطات المصرية لا تعطى أى طلبات لزيارة المهاجرين المحتجزين، سواء لأعضاء مفوضية شؤون اللاجئين أو المنظمات الحقوقية العاملة فى مجال المهاجرين».
وعن مراكز الاحتجاز فى سيناء، تقول: «ما يحدث فى سيناء أمر غريب، فأقسام الشرطة تحتجز مهاجرين أفارقة منذ عام كامل، وشهد أحد المراكز وفاة أحد الأطفال بسبب غياب الرعاية الصحية، وفى عام 2007 أرسلت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين خطابات لوزارة الداخلية لزيارة المحتجزين ولم تتلق المفوضية ردا حتى الآن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.