منذ فبراير 2011 ونحن نتحدث عن العدالة الانتقالية ولم نشاهدها، مؤتمرات ومشروعات قوانين ونقاشات عامة وخاصة، جاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلن عنها وفضل تركها للنظام المنتخب، وجاء النظام المنتخب وتناساها، حتى كان أغسطس من هذا العام لتشهد مصر تأسيس وزارة للعدالة الانتقالية، لكن ها هو العام يرحل دون أن نرى أى نتائج أو خطوات لهذه الوزارة، ورغم ذلك فوجود الوزارة فى حد ذاته يبقى أمرا طيبا، وعلينا دفعها للقيام بمهامها، لأنه على ما يبدو أن القائمين على شئون الوزارة مازالوا فى حيرة من أمرهم، تماما مثل حيرة العدالة وحيرتنا نحن فى فهم هذه العدالة، والتى مازلت غائبة رغم مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على وقائع ثورة يناير، خاصة أن هناك شبه إتفاق على أنه لا تقدم ستشهده البلاد على أى صعيد دون تحقيق هذه العدالة الانتقالية، والانتهاء من فواتير الحساب وجبر ضرر الضحايا. أحد كبار المسئولين بالوزارة قال لى إن الوزارة معنية فى هذه المرحلة بعملية التأسيس، فهى وزارة من العدم، ولا تريد أن تستعير تجارب دول أخرى نظرا لخصوصية الحالة المصرية، وأن كل ما سمعنا عنه أو عرفناه من تجارب العدالة الانتقالية فى أكثر من أربعين دولة، ليس بالضرورة أن يكون صالحا للتطبيق فى مصر، فالمطلوب تشريعات خاصة تصلح لحل المشكلات التى نشأت من جرائم أنظمة متعددة، لم يتم الاتفاق عليها حتى هذه اللحظة، الرجل قال لى صراحة أنهم كانوا وراء وضع مادة بالدستور تلزم المشرع بضرورة إصدار قانون للعدالة الانتقالية وتنظيم مجال وآلية عمله، كما أنهم فى الوزارة التى يتولاها رجل قانون شامخ، المستشار أمين المهدى، لا ترغب فى وضع تشريع بعيد عن برلمان منتخب، لذا طالبت الوزارة لجنة الخمسين بالنص على ترك مهمة التشريع لأول برلمان بعد إقرار الدستور، ساعتها ستبدأ بحق إجراءات تحقيق هذا النوع من العدالة، وهو مطمئن تماما لحدوث ذلك فى التوقيت المناسب، وأن العجالة هنا غير مفيدة، وأنه ليس من اللائق أن تضع الوزارة هذا القانون، لأن ذلك يعنى أن واضع القانون هو المنتصر على الصعيد السياسى، وهذا يتنافى أصلا مع فكرة العدالة. ورغم أن الفكرة كلها، مازالت معطلة، إلا أن عدم التشريع الآن يبدو منطقيا وشريفا وعادلا وديمقراطيا، وتأخيره يكشف عن نوع خاص من النزاهة يجب أن نشيد به، لأنه بالفعل لا يجوز لطرف واحد القيام بمهمة التشريع فى غياب أطراف أخرى ممن يعتبرون ضحايا، خاصة أن هناك الكثير من المشكلات التى تحتاج مناقشات من نواب الشعب أو من يملكون الوكالة عنه، فمثلا حتى الآن لا يتفق الجميع على تحديد مصطلح النظام السابق، هل هو المرحلة المباركية فقط أم تتجاوزها، للخلف أو للإمام، وقد ينسى كثيرون أن هناك تعديلات تمت على قانون الغدر بموافقة أطراف عديدة، دون أن يفعل القانون، فكيف نتعامل مثلا مع أعضاء الحزب الوطنى، هل نتعامل مع الملايين الثلاثة الذين كانوا أعضاء فى الحزب، أم نتعامل مع قيادته، أم ننتظر تحقيقات تكشف لنا عن مرتكبى الجرائم فقط، الأكيد أن المشكلات كثيرة، لكن قضية العدالة الانتقالية كبيرة ومهمة، وأتمنى أن يكون العام المقبل، عام 2014 هو عام العدالة، لأن بدونها لا يمكن التوجه للمستقبل، فالمحاسبة على جرائم الماضى باتت ضرورة قصوى حتى لا تتكرر تلك الجرائم التى عطلت هذه البلاد طويلا وأعيتها وأفقرتها.. ولازالت.