يُدرك الإخوان المسلمون جيدًا قدرة مصر على التأثير في المنطقة بأسرها، سواء بالسلب أو بالإيجاب. وهنا تكمن أهمية مصر بالنسبة للجماعة ومشروعها، لا لكونها وطنًا، حيث لا وطنية في الإسلام كما قال حسن البنا، المرشد المؤسس، وهو ما ترجمه المرشد السابق مهدي عاكف بقوله: طظ في مصر!. وإنما تكمن أهمية مصر بالنسبة للجماعة في كونها قلب المشروع الإخواني الدولي، إن نجح فيها سيتوالى نجاحه في الدول الأخرى، وإذا سقط لن تقوم له ولا للجماعة قائمة في كل الدول، التي تتواجد فيها الجماعة. تتعامل الجماعة، كما تشير تصرفات أعضائها في الدول المختلفة، وكأنها شعبًا منفصلًا عن شعوب الأوطان التي يعيشون فيها، فَهَم الجماعة أكبر وأعظم من الهَم الوطني، ومشروع الجماعة أهم من المشروع الوطني، وأبناء الجماعة هم الخير وبقية أبناء الشعب في درجة أدنى، كما قال من قبل القيادي الإخواني صبحي صالح. منذ صعود الإخوان للسلطة في مصر، اهتمت الجماعة بكل الملفات التي تهم الإخوان دون غيرهم، حتى أن الشعب المصري طالما اشتكى من الدعم، الذي تقدمه الجماعة لحركة حماس، (التي تشير المادة الثالثة من لائحتها الداخلية أنها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان)، على حساب الشعب المصري، علمًا أن هذا الدعم لا توجهه حماس لمساعدة الشعب الفلسطيني، وإنما تبيعه الحركة الإخوانية له بأسعار فلكية. بنفس المنطق الذي تعاملت به السلطة الإخوانية في مصر، من إعلاء لمصالح الجماعة على مصالح الوطن، تتعامل فروع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان مع الثورة المصرية التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، فمع سقوط الدكتور محمد مرسي أعلنت قيادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان حالة الاستنفار في كل الدول التي تتواجد فيها الجماعة، لتتناسى فروع الجماعة في هذه الدول همها الوطني تمامًا وقضاياها الوطنية، وتتفرغ لمصلحة الجماعة، فتجد مظاهرات إخوانية في باكستان ترفع صور مرسي، وغيرها في تونس وغيرها. ورغم لجوء الجماعة لأكثر من جبهة في العالم لشن حرب نفسية ضد شعب مصر وجيشها، إلا أن الجبهة الأهم، لما لها من خصوصية لدى المصريين، هي الجبهة الفلسطينية، فمنذ الأيام الأولى لثورة يناير، لجأت جماعة الإخوان إلى كتائب عز الدين القسام، التي تُشير لائحة حماس الداخلية ضمنيًا إنها جناح مسلح دولي للجماعة بأسرها وليس فقط حركة حماس، فساعدت الحركة في اقتحام السجون، ثم في اغتيال المصريين بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر عبر تدريب ميلشيات الإخوان، ومن ضمنهم حارس خيرت الشاطر. تناست حركة حماس الهم الوطني الفلسطيني، ومأساة الشعب الفلسطيني، وعملت منذ صعود الإخوان للسلطة على تثبيت السلطة الإخوانية في مصر، فبدأت تقبل البضائع من معبر كرم أبو سالم الموجود تحت السيادة الإسرائيلية، وهو ما كانت ترفضه في عهد مبارك، وعقدت هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، أقرت فيها ولأول مرة في تاريخ قضية فلسطين بأن العمليات التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل هي «عمليات عدائية» وليست «عمليات مقاومة». على مدار الأيام الماضية أيضًا، عملت الحركة الإسلامية داخل إسرائيل، وهي امتداد أيضًا لجماعة الإخوان المسلمين، ولها نائب في الكنيست الإسرائيلي، يُدعى إبراهيم صرصور، عملت على تشويه الثورة المصرية والهجوم على الجيش المصري. وكما تناست حماس (الإخوانية) في قطاع غزة الهم الوطني الفلسطيني مقابل هم الجماعة، تناست الحركة الإسلامية (الإخوانية) في إسرائيل الهم الوطني الفلسطيني داخل حدود 48، مقابل هم الجماعة أيضًا. يتعرض فلسطينيي 48 اليوم لنكبة جديدة، بعد نكبة عام 1948، حيث يعمل الكنيست الإسرائيلي على إقرار «قانون برافر»، الذي ستتم بموجبه مصادرة أراضي فلسطينيي النقب، وتهجير سكانها منها، وفيما تعمل كافة القوى الوطنية الفلسطينية في الداخل على إجهاض هذا القانون، تحصل الحركة الإسلامية (الإخوانية) في الداخل على تصاريح من الشرطة الإسرائيلية للتظاهر دعمًا لما تسميه شرعية مرسي، وتهاجم الثورة المصرية والجيش المصري، لتعلي بذلك هم الجماعة على الهم الوطني، فلا تتظاهر ضد قانون برافر العنصري والكارثي بالنسبة لشعب فلسطين، وإنما تتظاهر لنصرة الجماعة في مصر!. وفي هذا السياق، لا مانع لدى شعب الإخوان أن يُحول مكانًا مقدسًا يعتبره العرب والمسلمون في كل مكان في العالم من أقدس الأماكن على الأرض، إلى منبرًا للهجوم على مصر شعبًا وثورة وجيشًا، فيلجأ أنصار الحركة الإسلامية (الإخوانية) أيضًا للحصول على تصريح من الشرطة الإسرائيلية للتظاهر ضد جيش مصر وثورتها في المسجد الأقصى، ويرفعون مع أنصار حركة حماس (الإخوانية) صورة المعزول عليه، لابتزاز مشاعر المصريين والعرب والمسلمين، وبالطبع توافق الشرطة الإسرائيلية وتمنحهم التصريح، فهَم الجماعة لا يُقلق إسرائيل، ما كان سيُقلقها هو إذا ما كانت الجماعة في فلسطين قررت العمل مع بقية القوى الوطنية الفلسطينية لرفض «قانون برافر» ومعارضة جيش الاحتلال الإسرائيلي. لقد حولت جماعة الإخوان المسلمين مصر ساحة للصراع بين مشروعها الإخواني الدولي والمشروع الوطني المصري، وبين شعب الإخوان في دول العالم المختلفة من جانب وشعب مصر المتمسك بثورته وجيش مصر المنحاز لها من جانب آخر، فإما أن ينتصر المشروع الوطني بانتصار الثورة، أو ينتصر المشروع الإخواني بهزيمتها، ليحكم مصر شعب متعدد الجنسيات.