قبل عدة شهور، طرحت هذا السؤال مبينا خطورة هذا التطبيق على مجتمعنا وشبابنا وقيمنا، وظل السؤال حائرا، حتى بدأت مؤخرا حملة إلقاء القبض على مجموعة من أبرز وجوه التيك توك ومنهم سوزى الأردنية وأم مكة وأم سجدة وشاكر ومداهم، وآخرون، التى أصبحت قضيتهم حديث الساعة طوال الأيام الماضية، ومع ذلك فإن الزخم الكبير الذي نالته هذه القضية لا يتناسب مع حجم الضرر الواقع على المجتمع جراء الجرائم والممارسات غير الأخلاقية التي جرت – وما زالت- عبر هذا التطبيق المثير للجدل، لأن الضرر أكبر والخسائر أكثر. ويكفى أن تعلم أن "التيك توك" حذف من تلقاء نفسه 2.9 مليون فيديو مخالف فى مصر وحدها خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالي. لا شك أن الأخبار المتتالية للقبض على هؤلاء الفتيات والشباب الذين اتخذوا من "التيك توك" منصة لنشر كل ما هو هابط ومتردي، أثلجت صدورنا، ومنحتنا الأمل فى استعادة ولو جزء من الهواء النقي والنظيف الذى كنا نستنشقه قبل أن يلوثه هؤلاء بأفعالهم المتردية، وألفاظهم المشينة، لكن شعورنا بالرضا لمحاصرة هؤلاء أمنيا كانت تشوبه مخاوف من عودتهم مرة أخرى بعد الإفراج عنهم، لأن مثل هؤلاء لا يتورعون عن معاودة نشاطهم الآثم بمجرد استعادة حريتهم، وهوس الربح السريع الذي يحققونه من وراء هذه الفيديوهات البذيئة، ولنا سوابق كثيرة مع سما المصري وهدير عبدالرازق وغيرهما. إنني أتعجب من إصرار البعض على تسمية هؤلاء بنجوم التيك توك، وهم مجرد أحجار مظلمة رديئة لا ضوء فيها، فكيف نعتبرهم نجوما وهم المفسدون فى الأرض، وبعضهم متهم الآن بجرائم غسيل أموال مشبوهة، ناهيك عن الخلط الذي وقع فيه البعض حين تناول القضية زاعما أن هؤلاء الشرذمة يشكلون إعلاما بديلا، ولا أعرف ما علاقة ما يقدمونه بالإعلام، فهم ثلة من الجهلة، بلا تعليم، ولا ثقافة، ولا قدرة على نطق جملة واحدة مفيدة، فكيف نعتبرهم جزءا من الإعلام الموازي، ممثلا – حتى الآن – فى بعض الوسائل الناقلة للخبر والقصة الخبرية، بينما مازال هذا "الإعلام البديل" يعاني افتقاد المصداقية، والثقة فى مصادره، وتدقيق المعلومة، وموضوعية الطرح. إننا أمام حالة غريبة من غياب الرؤية، وضياع القدوة، واللهاث فقط وراء المال بعد أن جعلته تطبيقات مثل "تيك توك" بهذه الدرجة من السهولة، دون مبالاة بهدم ثوابت المجتمع، ودهس القيم النبيلة، كالعمل الشريف، والسعي من أجل لقمة العيش، ما يخلخل مفاهيم الحياة ومبادئها لدى الشباب الذي يعاني فى البحث عن فرصة عمل لا تدر سوى بضعة مئات من الجنيهات تساعده على العيش الكريم، أو تكوين أسرة جديدة. قناعتي دائما أن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة هو الأهم، وعدم إغفال الدور الخطير للتآكل البطىء، لأن فيهما تكمن بذور التلاشي والفناء، ولهذا وجبت مواجهة الأفعال الضارة بضدها النافع والمفيد، ومن هذا القبيل تلك المسابقة الكبرى التي أعلنت عنها مؤخرا إحدى القنوات الفضائية فى مجال حفظ القرآن الكريم على غرار برامج اكتشاف المواهب فى الغناء والتمثيل، فكم تمنينا أن نرى برامج هادفة كمسابقة القرآن الكريم لأن باستطاعتها المساهمة فى مقاومة التسطيح الفكري والثقافي، وغرس قيمة حقيقية لمعنى الفوز بجائزة فى مجال مفيد للبشرية، فى مواجهة قيم مزيفة ومضللة عن طرق كسب المال دون تعب أو مجهود. كلنا أمل أن تكون مواجهة شباب وفتيات "التيك توك" بداية جادة، ومستمرة، لضبط إيقاع البث عبر هذا التطبيق وغيره، وأن يصدر قريبا قانون ينظم بث الفيديوهات عبر هذه التطبيقات، لضبط محتواها، ومنع انحرافاتها، وتجريم أفعال المخالفين.