وقف الرجل الثمانيني فى وسط الطريق متحيرا، وهو ينظر إلي الرصيف الطويل الممتد أمامه، ولسان حاله يقول: من أين لي بقوة على ارتقاء هذا الرصيف الشاهق؟ الرجل الذي تيبست عضلاته، ونخر الزمن فى عظامه، لم يقو على صعود الرصيف بعد أن عبر نصف الشارع، ولم يستطع العبور نحو وجهته فى الجانب الآخر.. لكن حيرته لم تطل كثيرا إذ اتجه إليه شاب ثلاثيني ليأخذ بيده، وسارا معا فى نهر الطريق لمسافة طويلة، وفى مواجهة السيارات المسرعة حتى وجدا فاصلا يمكنهما العبور من خلاله للجانب الآخر من الشارع. هذا المشهد المؤلم والإنسانى فى آن واحد، يتكرر فى شوارعنا مئات المرات يوميا..فى ظل وجود ألف شكل وشكل للأرصفة فى بلدنا..فمنها المرتفع، والمنخفض، والمائل، والمعتدل، ومتعدد الطبقات..ومنها المتكسر، والمتعرج، وغير المستوى بالمرة. فماذا يفعل كبار السن أمام رصيف غير ممهد ومنحدر بدرجة خطيرة، أو جزيرة وسطى فى الشارع يصل ارتفاعها لقرابة 50 سنتيمترا؟ وكيف يتسنى لك،ولو كنت شابا، المشى فى الشارع مطمئنا،وأنت ترى فى طريقك بقايا أعمدة الإنارة التى تمت إزالتها بينما تركت قاعدتها لتشكل خطرًا كبيرًا على أقدام المارة…أو لوحة إعلانات سابقة لم يتبق منها سوى المسامير الغليظة التي تقف كالشوك على الأرصفة وفى منتصف الشارع. مثل هذه المشاهد قد تبدو لمسئول المحليات بسيطة أو معتادة مقارنة بمشاكل أخرى يراها من وجهة نظره أكثر أهمية.. لكن توابعها خطيرة وغير متوقعة…فكم من رجال ونساء، وشباب وفتيات، تعرضوا للسقوط بسبب هذه الأرصفة، فأصيبوا بالتواءات، أو كسور فى العظام، أو انزلاقات غضروفية، وكم من المارة اضطروا لأخذ إجازة من عملهم بسبب وضع أقدامهم فى الجبس، وربما احتاجوا لعمليات جراحية جراء رصيف منزلق، أو عقبة فى الطريق لم تكن فى الحسبان. ناهيك عن تلك الحفر والمطبات الخطيرة التي يتفاجأ بها قائدو السيارات فى الطرق وفوق الكباري وأسفلها.. دون سبب مفهوم لوجودها من الأساس أو لعدم معالجتها وتركها بهذا الشكل الخطير.. ما يهدد بوقوع حوادث -لا قدر الله- حين يحاول قائدو المركبات تفاديها بسرعة فيصطدمون بالسيارات المجاورة … أو أن تصطدم السيارة بالحفرة فيتعرضون لخسائر مادية وهدر للوقت فى إصلاحها. وعن المطبات العشوائية فى الطرق والشوارع غير الرئيسية، حدث ولا حرج، فالأمر أصبح هواية وعلى المزاج، ومن يحلو له أن يقوم بعمل مطب أمام منزله، يجلس على كرسى أو ينظر من الشباك ليستمتع بمشاهدة السيارات، وهى تئن من شدة اصطدامها بمطبه الاصطناعى!