للحرب الروسية الأوكرانية تداعياتها على اقتصاديات التسلح عالميًا، وبالتالى على خريطة تجارة الأسلحة فى العالم كليًا وجزئيًا خلال الفترة المقبلة. لكن ما حجم هذه التداعيات؟ وكيف سيكون شكل خريطة تجارة الأسلحة مستقبلا؟ وما هى الدول المرشحة لتحقيق مكاسب أو خسائر نتيجة حرب ما زال مداها مجهولا حتى الآن ؟. هذه التساؤلات حاولت العديد من الصحف العالمية ومراكز الدراسات السياسية الإجابة عنها، ومنها موقع «The Conversation» الاسترالى، الذى نشر تقريرًا مطولًا بعنوان «الحرب فى أوكرانيا تهز عرش صناعة الأسلحة العالمية». وذكر التقرير أن الحرب فى أوكرانيا قد تؤدى لتراجع مكانة روسيا فى سوق السلاح العالمية، حيث اعتمدت سياسة بيع الأسلحة الروسية بشكل عام على كونها رخيصة وسهلة الصيانة، مقارنة بالبدائل الغربية، ولهذا استحوذت روسيا على 19% من إجمالى صادرات الأسلحة العالمية بين عامى 2017 و2021، لتحتل المرتبة الثانية خلف الولاياتالمتحدة، لكن عروض البيع بهذه الطريقة قد لا تُجدى نفعًا بعد الآن مع العديد من الدول، التى شاهدت خسائر وأعطال المعدات الروسية فى أوكرانيا، بحسب التقييمات الغربية. وتُشير تقديرات الولاياتالمتحدة حتى الآن إلى أن روسيا خسرت نحو 1000 دبابة، وما لا يقل عن 50 مروحية، و36 مقاتلة من قاذفات القنابل، و350 قطعة مدفعية، بحسب موقع «بيزنس انسايدر» الأمريكى. وبحسب الموقع الاسترالى، خيّبت الأسلحة الهجومية الروسية الآمال، إذ أن معدل فشل الصواريخ الروسية (أى نسبة الفشل فى الإطلاق أو الأعطال أثناء التحليق أو الفشل فى إصابة الهدف) يتراوح بين 50% و60% نتيجة عيوب التصميم والمعدات الرديئة أو التى عفى عليها الزمن، بالإضافة لذلك، فإن قدرة روسيا على استبدال خسائر المعدات قد أُعيقت بسبب العقوبات الاقتصادية، التى تحرمها من مكونات أجنبية أساسية مثل لوحات الدوائر الكهربائية، ومن شبه المؤكد أن روسيا ستحتاج لاستبدال أجهزة جيشها أولاً قبل تصدير أى شىء للخارج، ما يعنى أن الدول التى تريد الاستمرار فى استخدام الدبابات والطائرات المقاتلة الروسية ستضطر للانتظار أو البحث عن مصدر آخر لتلبية احتياجاتها الدفاعية. إذا كانت روسيا قد تخسر موقعها كإحدى الدول المصدرة للأسلحة، ففى المقابل، قد تصبح الصين أكبر المستفيدين من هذا الأمر، وهو ما ذكره تقرير لمركز «إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية»، حيث أشار التقرير إلى أنه رغم العلاقات الروسية الصينية القوية، فإن أى تراجع للسلاح الروسى هو زيادة فى القيمة السوقية للسلاح الصينى، وعلى الرغم من أن السلاح الصينى لا يصل إلى جودة السلاح الأمريكى والفرنسى، ولا يرقى إلى منافسة تلك القوتَين الكبيرتين فى ذلك المجال، غير أنه يظل بديلاً معقولاً لمستوردى الأسلحة بأسعار أقل. وهناك مؤشرات تدل على مدى الاهتمام الصينى بتجارة السلاح، وهو ما أصبح يثير ويزعج مخاوف قوى دولية وإقليمية عدة، فوفقاً للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، أنفقت الصين نحو 207.3 مليار دولار على قواتها المسلحة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أصبح جيش التحرير الشعبى أكبر قوة مسلحة فى العالم، علاوة على استحواذ الصين فى السنوات الأخيرة على 4.6% من تجارة الأسلحة العالمية، بحسب التقرير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولى، لتصبح فى المرتبة الرابعة بعد فرنسا، بالإضافة لذلك، تحقق نحو سبع شركات صينية مراتب متقدمة من أصل أكبر 20 شركة دفاعية من حيث الإيرادات المحققة من مبيعات الدفاع فى عام 2021. ولم تكن الصين هى المستفيد الوحيد، فشركات الأسلحة الأمريكية كانت من أكبر الرابحين، حيث تُهيمن شركات الأسلحة الأمريكية على صناعة الأسلحة العالمية، ومن المرجح أن الحرب الأوكرانية ستضمن لتلك الشركات الحفاظ على مكانتها لبعض الوقت. وبعيدًا عن الفائزين والخاسرين، فمن الملاحظ أيضًا اتجاه بعض الدول– التى كانت تعتمد على الآخرين فى تلبية احياجاتها الدفاعية- لأن تصبح أكثر اعتمادًا على نفسها، وهناك دول أخرى زادت من إنفاقها العسكرى، أو بدأت فى تعزيز أسلحتها. فالهند التى تعتمد على روسيا فى نحو نصف واردات أسلحتها خلال السنوات الأخيرة، بدأت تدرك أن روسيا ستحتاج لكامل قدرتها الإنتاجية أو غالبيتها من أجل استبدال الدبابات، والصواريخ، والطائرات، وغيرها من الأسلحة المستخدمة أو المفقودة فى أوكرانيا، ما سيقلل سعة التصدير المتاحة. ويعنى هذا أن الهند ستحتاج إلى الحصول على قطع غيار المركبات والأسلحة من عملاء الأسلحة الروسية السابقين، مثل بلغاريا وجورجيا وبولندا، أو بناء صناعتها الدفاعية الخاصة. وأعلنت الهند فى أبريل أنها ستُسرع إنتاج المروحيات، ومحركات الدبابات، والصواريخ، وأنظمة الإنذار المبكر المحمولة جواً لتعويض أى تراجع محتمل فى الصادرات الروسية، وهناك فيتنام التى بدأت فى تعزيز قواتها البحرية، علاوة على توقيعها صفقات جديدة للمعدات العسكرية، فيما وقعت إندونيسيا، فى فبراير الماضى، صفقة لشراء ست طائرات مقاتلة فرنسية من طراز رافال، وحصلت على موافقة الولاياتالمتحدة على شراء طائرات F –15، كما انتهت الفلبين مؤخراً من شراء صواريخ «براهموس» الأسرع من الصوت من الهند، حيث تسعى هى كذلك إلى تطوير ترسانة استراتيجية.