الروبل تجاوز مستوى ما قبل الحرب الأوكرانية أكدت مراكز بحثية دولية متخصصة في قضايا الاقتصاد الدولي، أن العقوبات الاقتصادية الدولية ضد روسيا فشلت في تحقيق أهدافها في تقويض الاقتصاد الروسي، عبر خلق أزمات تمويلية وإثارة الذعر في الأسواق، وانهيار النظام المصرفي الروسي، ونقص السلع في المتاجر على نطاق واسع، وارتفاع الأسعار، بهدف ردع روسيا عن الحرب في أوكرانيا. واتفقت غالبية الرؤى التحليلية، والتقارير الصادرة عن وسائل الإعلام العالمية، على أن فشل العقوبات الاقتصادية الدولية ضد روسيا يؤكد فشل الاستراتيجية الأمريكية الأوروبية بدمج اقتصادات الدول ذات التوجهات المعادية للمصالح الأمريكية الأوروبية في منظومة الاقتصاد العالمي، بهدف التهديد بالعقوبات الاقتصادية التي تلحق الضرر بمصالح هذه الدول حال انتهاج سياسات معادية للغرب الأمريكي الأوروبي والتي يطلق عليها «استراتيجية الاحتواء الاقتصادي». كتبت :صفاء مصطفى أوضحت هذه التقارير، أن الروبل الروسي حقق ثلاثة ارتفاعات متتالية متجاوزًا مستويات ما قبل الحرب رغم العقوبات الاقتصادية الدولية ضد الاقتصاد الروسي، وفى المقابل الإجراءات التي اتخذتها روسيا ردًا على هذه العقوبات جاءت بمثابة «عقوبات اقتصادية مرتدة» أدت لارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة تجاوزت اقتصادات الدول التي أصدرت العقوبات إلى جميع الاقتصادات على المستوى العالمي، علاوة على خلق أزمات اقتصادية أخرى خاصة بسلاسل التوريد ونقص المواد الغذائية فى العديد من الدول فى مختلف أنحاء العالم، علاوة على نقص المواد الخام اللازمة للصناعات الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد الدول الأكثر تأثيرا فى الاقتصاد العالمي. السطور التالية تلقي الضوء على أهم هذه الرؤى والتحليلات. الروبل الروسي يعود ذكرت وسائل إعلام عالمية، أن الروبل الروسي نجح خلال تعاملات الأيام الأخيرة فى مواصلة الصعود ليتجاوز مستويات ما قبل الحرب والعقوبات فى 24 فبراير الماضي وصولا إلى مستويات 78.3روبل للدولار بارتفاع فى حدود 2%. رغم شدة العقوبات الاقتصادية، ليسجل الصعود الثالث على التوالي أمام الدولار الأمريكي. وحول الإجراءات الروسية للحفاظ على قيمة الروبل خلال الفترات المقبلة صرحت، رئيس البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، أن المركزي الروسي يستعد لرفع دعوى قضائية لنقض قرار الغرب بتجميد جزء من احتياطيات البنك الدولية، قائلة: «تجميد غير مسبوق لاحتياطيات الذهب والعملات الأجنبية، سنقوم بإعداد دعاوى قانونية، ونحن نستعد لرفعها لأن الخطوة غير مسبوقة على النطاق العالمي». وبحسب تصريحات رئيس المركزي الروسي، رغم العقوبات الدولية المشددة العقوبات أعلن البنك المركزي الروسي فى 9 مارس الماضي عن مجموعة من الإجراءات للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي فى البلاد. وأشارت رئيس البنك المركزي الروسي، إلى أن البنك المركزي الروسي من المحتمل أن ينفذ مزيدًا من تخفيضات الفائدة خلال الفترة المقبلة، وأن الأمر قد يستغرق عامين لكبح جماح التضخم عند المستهدف البالغ 4%. وبحسب وكالات أنباء وصحف عالمية الإجراءات التي اتخذتها روسيا ردًا على العقوبات الاقتصادية أدت إلى ارتفاع غير مسبوق فى معدل التضخم فى الدول الأوروبية صاحبة الاقتصادات الأكبر، وأنه على سبيل المثال نتيجة للحرب فى أوكرانيا والارتفاع القياسي فى أسعار الطاقة، سجل معدل التضخم فى ألمانيا خلال الأيام الأخيرة معدلات هي الأعلى منذ نحو 40 عاما، بحسب شبكة دويتشه فيله «WD» الألمانية. كما سجل معدل التضخم فى فرنسا ارتفاعا بنسبة أكبر من المتوقع ليصل لمستوى قياسي، وهو ما يعكس التداعيات الاقتصادية السلبية، للحرب فى أوكرانيا على الاقتصاد الفرنسي، ويكشف عن تزايد التحديات التي تواجه صانعي السياسات، وفق وكالة الأنباء الألمانية. احتياطي النفط الأمريكي تطبيق قرار الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بطرح مليون برميل إضافى فى السوق يوميًا خلال الإفراج عن احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي فى المتوسط لمدة ستة أشهر فى إطار المساعي الأمريكية للاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية أدى إلى استخراج الولاياتالمتحدةالأمريكية لمعدلات غير مسبوقة من الاحتياطي الاستيراتيجي للنفط فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بحسب بيانات البيت الأبيض الواردة فى وسائل إعلام أمريكية. وذكرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن فشل العقوبات الاقتصادية ضد روسيا يخلق واقعا جديدًا للاقتصاد العالمي واقتصادات جميع دول العالم، مشيرة إلى أنه باستثناء الطاقة والمنتجات الحيوية، يعد فصل اقتصاد روسيا الذي يحتل المركز 11 فى قائمة أكبر الاقتصادات العالمية بسبب العقوبات الاقتصادية نقطة «تحول جيو اقتصادي». وأكدت المجلة فى تحليلها، أنه من النادر أن تنجح العقوبات الاقتصادية فى تحقيق أهدافها، وأنه بخلاف اعتقاد كثير من صناع السياسات الغربيين بأن الفشل يرجع إلى نقاط الضعف فى منظومة العقوبات، أوضحت المجلة أنه بحسب الأوضاع على أرض الواقع، فإن العقوبات من الممكن أن يكون بها ثغرات، أو تفتقر إلى الإرادة السياسية لتنفيذها، أو عدم كفاية الاتفاق الدبلوماسي بشأن التنفيذ وأن هذه العوامل فى مجملها تؤدي إلى فشل العقوبات الاقتصادية فى تحقيق أهدافها . وأوضحت، أن الاحتواء الاقتصادي الغربي لروسيا يتسم بطبيعة خاصة ويرتكز على توجهات وأهداف مختلفة عن تلك التي تعتمد عليها عمليات إدراج اقتصادات الدول الأخرى ذات التوجهات العدائية للغرب الأمريكي الأوروبي، والتي تستهدف ربط اقتصادات هذه الدول بحركة الاقتصاد العالمي بما يمكن من توظيف سلاح العقوبات الاقتصادية فى ردع هذه الدول بهدف منعها من انتهاج سياسات من شأنها إلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية والأوروبية. وأشارت مجلة فورين أفيرز، إلى أن فشل العقوبات الاقتصادية الدولية ضد روسيا، يرجع إلى قوة العقوبات الاقتصادية وليس بسبب ضعفها بحسب اعتقاد الكثيرين. وأضافت، أن أوجه الضعف والقصور فى النظام الاقتصادي العالمي وخاصة أوجه القصور فى الهيكل الاقتصادي والمالي للاقتصاد العالمي، تؤكد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا ومن المتوقع أن يؤدي إلى تداعيات سياسية واقتصادية شديدة الخطورة. وذكرت المجلة الأمريكية، أن تداعيات العقوبات الغربية ضد روسيا وتأثيراتها السلبية تتجاوز بكثير روسيا، إلى التأثير الأوسع نطاقا على اقتصادات غالبية الدول، مشيرة إلى أنه من أبرز هذه التأثيرات، التداعيات الاقتصادية السلبية غير المباشرة فى البلدان والأسواق المجاورة المترتبة على سحب الاستثمارات، والتأثيرات الاقتصادية السلبية الناجمة عن التصعيد الروسي والعقوبات الروسية. وأضافت، أن التأثيرات الاقتصادية غير المباشرة أدت إلى اضطرابات فى أسواق السلع الأساسية الدولية، وارتفاع فى أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والقمح والنحاس والنيكل، والألومنيوم، والأسمدة، والذهب، متوقعة أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى العديد من الأزمات الاقتصادية نتيجة لنقص الحبوب والمعادن الذي يلوح فى الأفق، مشيرة إلى أنه علاوة على ذلك فإن صدمة الأسعار التي لحقت بالطاقة والسلع الأساسية فى جميع المجالات ستدفع التضخم العالمي إلى موجات من الارتفاع غير المسبوق، وأن البلدان الإفريقية والآسيوية التي تعتمد على واردات الأغذية والطاقة تواجه بالفعل عددا من الأزمات والصعوبات. وفى ذات السياق أوضحت أن اقتصادات آسيا الوسطى أصبحت عالقة نتيجة للتأثيرات الاقتصادية السلبية لهذه العقوبات، حيث ترتبط هذه الدول السوفيتية السابقة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الروسي من خلال التجارة وهجرة العمالة إلى الخارج. وأضافت أن زيادة معدلات الفقر المتوقعة فى روسيا سيجبر الملايين من العمال المهاجرين من آسيا الوسطى على البحث عن عمل فى أماكن أخرى مما ينعكس سلبيًا على التحويلات المالية لهؤلاء العمال إلى بلدانهم الأصلية. وأكدت المجلة الأمريكية، أن القيود الروسية على صادرات الأسمدة فى أوائل فبراير الماضى فرضت بالفعل ضغوطا على الإنتاج الغذائي العالمي. نزيف الاقتصاد العالمي فى أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بدأ نزيف الاقتصاد العالمي، نتيجة للتداعيات السلبية للحرب على الاقتصاد العالمي، وتصاعدت وتيرة هذه التأثيرات منذ بدأ تطبيق الإجراءات التي اتخذتها روسيا ردًا على العقوبات الاقتصادية الدولية ضد الاقتصاد الروسي، ورصدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أهم هذه المخاطر التي تضغط على الاقتصاد العالمي وتهدد النشاط الاقتصادي لكافة الدول، وتعد مؤشرا على بداية دخول الاقتصاد فى نفق مظلم نتيجة هذه المخاطر، وأوضحت الصحيفة أن ارتفاع أسعار الطاقة، وأزمات سلاسل التوريد، تمثل أهم هذه المخاطر، مشددة أن مثل هذه المخاطر تؤدي إلى تفاقم التضخم وكبح النمو. وأضافت الصحيفة، أنه بالتزامن مع تطورات الأوضاع أصبحت آفاق الاقتصاد العالمي مظلمة، وأنه مع زيادة وتيرة الحرب فى أوكرانيا وفرض عقوبات مالية قوية بشكل غير متوقع هزت الاقتصاد الروسي أصبحت اقتصادات جميع الدول مهددة بزيادة التضخم. فشل كارثي من جانبه، أكد إدوارد الدين الباحث وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة ويسترن واشنطن، أن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا فشلت فى تحقيق أهدافها، فشلا ذريعًا وصفه بالكارثي، لافتًا الى أن هذا الفشل يعد مؤشرًا على إخفاق الاستراتيجية الأمريكية الأوروبية فى تطبيق سياسة احتواء الخصوم، والتي تعني «إدماج الدول المعادية والدول ذات التوجهات المخالفة ضمن دورة الاقتصاد العالمي، فى إطارالترويج للاعتقاد بأن العولمة تجلب السلام. وأوضح الأكاديمي الأمريكي، أنه لا يتوقع أن تؤثر هذه العقوبات على التوجهات السياسية والاستراتيجية للصين، انطلاقا من كونها لا تمثل أي رادع أمام الصين يجعلها تقرر الاستكانة، كما أن هذه العقوبات لم تجعل الصين تقلق كثيرا على مصالحها الاقتصادية مع الغرب، وأنه من هذا المنطلق ما زالت تتزايد الرسائل العسكرية من بكين إلى تايوان. وأرجع أستاذ العلاقات الدولية السبب فى دخول الصين فى تحالف مع روسيا، إلى رغبة الصين فى التصدي للنظام العالمي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية. فشل العقوبات فى ردع روسيا وفى سياق متصل، أوضح غاري كلايد أستاذ الدبلوماسية المالية بجامعة جورج تاون الأمريكية فى دراسة تحليلية أجراها فى معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أنه على الرغم من فشل العقوبات الاقتصادية ضد روسيا فى ردع روسيا عن الحرب فى أوكرانيا، إلا أنها قد تخدم ردع روسيا فى المستقبل عن شن حرب مماثلة فى مولدوفا وفنلندا والسويد، قائلا: «فقد يكف بوتين، على سبيل المثال، عن تهديد مولدوفا وفنلندا والسويد وهذه الدول ليست أعضاء فى حلف شمال الأطلسي (الناتو) فى إطار سعيه لإقامة إمبراطورية روسيا العظمى». وأضاف أنه علاوة على ذلك، قد تستخلص بكين درسًا واقعيًا من الإدانة العالمية لروسيا وتعيد النظر فى الخطط العسكرية لضم تايوان فى نهاية المطاف، مؤكدا أن الصين أكثر اندماجًا فى الاقتصاد العالمي من روسيا.