«قصة كفاح».. توثيق لرحلة الدكتور محمد خضر فى أرض المهجر يروي فيه سنوات كفاحه حيث قدم فى الكتاب تاريخ حياته وخلاصة تجاربه لتكون نموذجا للشباب يحتذى به، وكتب مقدمة الكتاب كل من الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والكابتن محمد رشوان، بطل العالم السابق فى رياضة الجودو والنموذج المشرف للروح والأخلاق الرياضية. الدكتور محمد خضر بطل العالم لخمس مرات المصري الأصل الذي تعلم من الخسارة ليحقق المكسب ويقول «إن الحياة مكسب وخسارة، مع كل تجربة أيقنت أن مواجهة الخوف وعدم السماح له بالتسلل داخلي هو أول الطريق لمتابعة تحقيق حلمي، تسلحت بالإيمان وبالله عز وجل وأيقنت بحكمته فى القضاء والقدر، وأن الله يعطي الجميع سبل القوة والشجاعة التي تساندهم، تركت أفكار الآخرين السلبية، وهربت من نمط حياة يحد من تحقيق الحلم، وكان السعي هو ما يحول التعاسة إلى حظ سعيد».
تنتمي جذور الدكتور محمد خضر إلى أسرة متوسطة الحال، ولدت فى منطقة شعبية تقع بالعاصمة المصرية القاهرة، بين «كوبري القبة» و«منشية الصدر» وهي منطقة معظمها عائلات تمتعت بتعليم جيد ودخل مناسب. عشق الرياضة منذ سن صغيرة، وكان يتطلع للعب الرياضات القتالية وعمره لم يتجاوز العشر سنوات، ووقتها كان متأثرا كثيرا بالملاكم الشهير محمد علي كلاي وبطولاته، فكان يتابع أخباره عبر الراديو، وحلمه أن يصبح رياضيا مشهورا وملاكما قويا مثله، خصوصا لأنه يعيش بمنطقة شعبية. ويروي د. محمد خضر ل»أكتوبر» عن رحلته قائلا « فى رحلة المهجر، خلفت ورائي ذكرياتي الجميلة فى مصر، تركتها بالجسد، ولا تزال عالقة فى ذهني وقلبي وعقلي، لم تفارقني لحظة واحدة هي وأيامها وكل ما فيها. ولكن من لم يكن له تاريخ لن يكون له حاضر، وكما قال الأجداد «من لم تكن له بداية محرقة.. لم تكن له نهاية مشرقة»، هكذا يؤمن خضر ويوجه رسالة مباشرة للشباب ولكل من يحلم بالسفر قائلا «كثيرون ممن يحلمون بالسفر للخارج لبناء حياتهم يعتقدون أن البداية ستكون عقب وصولهم لكن الحقيقة عكس ذلك، فالبداية هي منذ قررت أن ترسم حياتك بعدها- أينما ستكون- . التدريب يتذكر د. خضر بداياته قائلا: كنت أبحث عن مكان مخصص للتدريب، فذهبت لمركز شباب اتحاد الشرطة وأنا طفل صغير كي أبدأ مشواري وأحقق هدفى، وأتذكر عندما قابلني مدير المركز وسألني «أنت جاي عايز تعمل إيه يا شاطر؟» فأجبته «أنا عايز ألعب بوكس»، فأخبرني وقتها أن سني صغير على هذه اللعبة، ولكن يشاء القدر أن يكون هناك وفد ياباني لتدريب وتعليم رياضة الجودو يزور المركز فى الوقت نفسه، ولاحظوني أثناء حديثي مع المدير، فسألوه عنى، واقترحوا أن يقوموا بتدريبي على رياضة الجودو، ولم أكن أعلم وقتها بهذه الرياضة، فشرح لي المدير عنها، فأعجبتني، وبدأت التدريب وقتها مع مدرب مصري. وهكذا كانت بدايتي مع رياضة الجودو وأنا صغير، وعندما علم والدي بذلك، كان له رد فعل حكيم أثر على حياتي كلها، قال «التدريب مقابل النجاح الجيد فى المدرسة»، وكانت صفقة رابحة للغاية وحفزت عندي الإرادة والعزيمة، وتدربت هناك مع مدرب ياباني اسمه «ياماموتو» والذي اعتبره الأب الروحي لي فى رياضة الجودو، ولم أكن أستطيع المشاركة فى بطولات دولية لصغر سني، لكني واظبت على التدريب مع معلمي الياباني، والمدرب المحبوب إلى قلبي «عمو زين» والذي كان الحارس الشخصي للرئيس الراحل حسني مبارك، والذي كان يعتبرني مثل ابنه، وأيضا «الكابتن عمر». أصعب مقابلة وبفضل تفوقي الدراسي، – والكلام ما زال على لسان د. محمد خضر- التحقت بكلية الهندسة، بجانب مسيرتي بالجودو، وصرت من أوائل دفعتي، وكنت أحلم بالعمل فى واحدة من الشركات الأجنبية فى مصر، وتحققت أمنيتي بعد التخرج عندما علمت أن شركة ألمانية فرنسية تبحث عن الكوادر من الخريجين المتميزين لتوظيفهم لديها، والراتب كان بالدولار الأمريكي، وكان من يدخلها يعتبر من المحظوظين. كان الأهم هو إجراء المقابلة الوظيفية والمعروف عنها أنها صعبة جدا ومتعددة المراحل، واستطعت الوصول إلى المقابلة النهائية مع شخص فرنسي لبناني ما زلت أتذكر اسمه «بول حداد» معروف عنه الحدة والصعوبة وعرفت أن مقابلته أصعب مرحلة، ومن يحوز على قبوله يعتبر اسمه مدرجا فى لائحة العاملين بالشركة. تسلحت بالأمل والتحدي وجلست فى مكتب السكرتارية أنتظر مقابلته، وعندما دخلت فوجئت بتوجيهه أسئلة مدهشة وغريبة، لا تحتاج إلى مادة علمية بقدر ما تحتاج إلى الذكاء وحضور الذهن، حتى وصلنا للسؤال الأخير وقال لي «يا محمد.. أنت روحت ألاسكا قبل كده؟ أو تسمع عنها؟» قلت له «أعرفها لكن لا أعرف مكانها بالضبط، هي غالبا بالقرب من كندا»، قال لي «ألاسكا بلد كلها جليد.. شفت الفريزر فى الثلاجة.. هناك حوالي 50 تحت الصفر، لو بعتك تشتغل هناك توافق أم لا؟» كان السؤال غريبا ومفاجئا، يحتاج إلى واقعية ومنطقية، فكرت لحظات ثم قلت له «أريد أن أسألك سؤالا»، قال لي «أنت جاي تعمل انترفيو.. أنا اللي أسألك» ثم بدأ يضحك، قلت له «هو سؤال بسيط» قالي «اسأل».. قلت له «هل أرسلت مهندسين هناك من قبل؟» قال «نعم»، رديت «هل ما زالوا على قيد الحياة؟» قال «نعم»، قلت «إذن أنا معنديش مانع أن أذهب هناك، لأني سأعيش مثلما عاشوا، ولا توجد لدي مشكلة». ابتسم ابتسامة كبيرة، ومد يده بالسلام، وقال لي «أنت عارف أنا باعمل انترفيوهات كتير جدا، منذ أكثر من 25 عاما، وأنت أحسن واحد جاوب على هذا السؤال، وسأضع إجابتك فى مذكراتي». بداية الرحلة صدمت عندما ذهبت لمقابلة فى شركة بعد أن سافرت إلى كندا وكان فى مدينة «ميسساجا» بولاية أنتاريو أن هناك يطلبون ما يسمى بالخبرة الكندية، وكنت أول مرة أسمع بهذا الأمر، بمعنى أنك لو كنت طبيبا لمدة 30 عاما فى مصر، فعند سفرك إلى كندا ستحتاج إلى خبرة أخرى لكن « كندية»، ولم يكن هذا السبب الوحيد لرفضي بالشركة، ولكن أيضا لم تكن هناك وظيفة متوفرة لتخصصي. واقترحت الشركة وقتها أن أقوم بالعمل لدى أحد عملائها وهي جامعة تورنتو، وتم ترتيب مقابلة لي فى الجامعة للعمل هناك بدلا من الشركة، واعترض كثير من أصدقائي بكندا، لأن هناك صعوبة كبيرة للتعيين فى تلك الجامعة الشهيرة وأنه حتما سيتم رفضي بسبب افتقاري للخبرة الكندية، بجانب أن الأولوية للتعيين داخل الجامعة ستكون للعاملين بها. وذهبت للمقابلة وكانت بحضور لجنة مهيبة تتكون من: د. ديفيد بوكوك عميد كلية الهندسة الكيميائية وأستاذ الموارد البشرية، وأيضا د. كيم وودهاوس مدير الأساتذة بالكلية، كان ذلك الحشد لأهمية تلك الوظيفة وصعوبة الالتحاق بها، دخلت إليهم متسلحا بالدعاء والإرادة. وعندما سألوني عن وقت حضوري لكندا، فوجئوا أني وصلت من أسبوع، وأنها أول زيارة لي، فاندهشوا لجرأتي فى التقديم لتلك الوظيفة رغم صعوبتها وتعليمات القوانين بوجوب الخبرة لفترة محددة داخل كندا، رديت على اللجنة قائلا «هل حضراتكم تريدون مهندسا يقوم على حل المشكلات التكنولوجية وأعطال الأجهزة فى أسرع وقت، أم تريدون مهندسا يتبع اللوائح والقوانين الوضعية التي ليس لها وجه إفادة من الناحية العملية؟». ردوا قائلين «وما يضمن لنا أنك ستقوم بحل هذه المشكلات؟» فاقترحت عليهم مشاهدتي عمليا وأنا أقوم بصيانة عطل ما لديهم، فعرضوا علي جهاز به عطل يصعب إصلاحه، فقمت بإصلاحه وسط اندهاشهم، مما جعلهم يقبلونني للعمل وسط اندهاش أصدقائي وزملائي». العودة إلى الجودو بعد التحاقي بالعمل فى الجامعة وإثبات قدراتي بدأت أفكر فى الجودو ومتابعة تدريباتي من جديد للحفاظ على لياقتي البدنية فى هذا التوقيت كان ابني أحمد لا يزال طفلا، ويطمح لممارسة رياضة الجودو هو الآخر، بالفعل ذهبنا لشراء ملابس التدريب وللصدفة علمت أن صاحب المتجر كان أحد لاعبي الجودو، وأننا تواجهنا فى مباراة قبل ذلك فى مونت كارلو بفرنسا، وتلقيت دعوة منه لمشاهدته أثناء التدريب، وكان الرجل عضوا فى اتحاد الجودو ومدربا كبيرا للأشبال فى تورنتو، وكان هذا اللقاء سببا فى بداية رجوعي للجودو. وفى عام 2005 وأثناء تحضير كندا لبطولة العالم، أصيب اللاعب الكندي الإنجليزي رون أنجوس والذي كان سيخوض بطولة العالم باسم كندا، وهو فى نفس وزني (90) كيلو، ورشحني اتحاد الجودو لخوض هذه المنافسة، فبدأت مرحلة التمرين الشاق وتجهيز نفسي بشكل يومي، وكنت أسافر بين مدينتين يوميا لوجود مدربي فى مدينة أخرى. وعندما جاء موعد البطولة وكان جزء منها بكندا، والآخر بجامعة بافلو بالولايات المتحدة، كنت قد أعددت لها جيدا واستطعت الفوز بالمباراة الأولى، ثم الثانية، حتى أن الكنديين اندهشوا بشكل كبير، وكان يتساءلون من هذا الرجل؟ لأنهم لم يروني من قبل، وبدأوا البحث عني وتشجيعي حتى أحرزت البطولة. تحد جديد شاهدت البطل البرازيلي والذي سيكون منافسي فى مباراة الافتتاح على برنامج بالتليفزيون ويحكي عن تاريخه وبطولاته، ثم سألته المذيعة عن مواجهة بطل كندا، فرد عليها أن هذا الرجل أصله مصري، وله تاريخ كبير، وهو سريع جدا فى الرمي، لكن فى كندا ربما صار مدللا لأن الكنديين لا يحبون العنف ومن السهل ربح هذه المباراة، كما أنه أكبر مني فى العمر. بعد مشاهدة هذا اللقاء عرفت أن هذا البطل الذي يحذرني الجميع منه، مغرور، ونصحني مدربي بأن أقوم برميه فى أول دقيقة لأربح المباراة، وهو ما حدث بالفعل واستطعت الفوز، وبعد الفوز فوجئت بالجماهير والمشجعين يتسابقون لالتقاط الصور معي، غير اللقاءات الصحفية والتلفزيونية. ويختتم د. محمد خضر حديثه قائلا: «لدى كل منا بطولة حياتية يخوضها ويبحث فيها عن النجاح وإثبات الذات ويقابل خلال هذا المعترك العديد من المنافسين بعضهم ينافس بشرف، وغيرهم لديه طرق أخرى، لكن الأهم هو أن تستمر، وأن تستثمر علاقاتك بالآخرين، لا تكسب عداء أي شخص، بل حاول تكوين صداقات طيبة مع محيطينك وزملائك وجيرانك، كن أنت السيرة الحسنة والشخص الطيب الذي يمرون به فى حياتهم».