“ألا ترى معي إننا يجب أن نتوقف طويلا قبل أن نضغط على زر “مشاركة” الموجود أسفل منشورات صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا, وبالأخص تلك المنشورات التي تتناول أحداثا تظهر المجتمع بصورة سلبية أو تظهرنا كمجتمع بأننا بلا أخلاقيات كأن ننشر فضائح أو أحداث سلبية حدثت في مجتمعنا, ثم نكتب كلاما يسيء إلى أنفسنا وإلى قيمنا ومجتمعنا وبالتالي إلى كياننا وبلدنا, ألا تتفق معي أن الأمور زادت عن حدها في مشاركة منشورات الفضائح وكشف عورات الأسر والشماتة في المصائب, ألا ترى معي أننا يجب أن نتريث قليلا قبل أن نفعل ذلك؟ ألا تسأل نفسك قائلا: لماذا نفضح أنفسنا على مواقع التواصل العالمية بهذا الشكل المهين؟ في السطور التالية يبحث الخبراء عن إجابة لهذا السؤال الصعب”. تحقيق : أحمد طنطاوى حادثة تحرش أو تصرف سلبي أو قضية فساد تحدث في كل المجتمعات ويتناولها المواطنون في إطارها الطبيعي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي, لكن بعض مستخدمي هذه المواقع في مجتمعنا العربي يتعاملون مع تلك الأخبار بشيء من المبالغة والتهويل وتضخيم الحدث وكأنه حدث جلل فريد لا يحدث إلا في بلادنا, ثم تنطلق كلماتهم على صفحات التواصل الاجتماعي كالنار التي تسري في الهشيم فيتناولها كل شخص في نفسه مرض أو غرض لئيم ليجعل من هذه الأخبار السلبية كارثة, وكأنها لا تحدث إلا في بلادنا المنكوبة بكذا وكذا, ووصل الأمر إلى الشماتة فى موت شخص ,أو جلد الذات وتعرية المجتمع وفضح عوراته وتجريسه امام صفحات التواصل الاجتماعي لكل الدنيا, ولأن الآخرون لا يفعلون مثلما يفعل البعض منا, فيظنون إن ما يرونه هو حقيقة مجتمعاتنا, فتترسخ في أذهانهم فكرة مشوهة عنا أو يعتبروننا مجتمعات غوغائية أو غيرها من السلبيات, ثم يتعاملون معنا بهذه النظرة الدونية فيعود نفس الأشخاص الذين تسببوا في هذه النظرة المخجلة إلى الشكوى من حدوثها, ويلومون المجتمع والحكومات دون أن يلوموا أنفسهم أو حتى يدركوا أنهم المتسببون في ذلك . فراغ البطالة في البداية يقول: د.محمد موسى على الخبير التربوى واستاذ الاقتصاد المعاصر، التكنولوجيا سلاح ذو حدين واليوم أصبحت وسائل الإعلام البديلة أو ما يطلق عليه صفحات التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا» عاملا مؤثرا فى اتجاهات وآراء الشباب والأطفال والكبار، وبالتالى علينا أن نتعامل معها بجدية وتفهم عميق لأدواتها وأن نستوعب ونتفهم تفاعل وتأثر الشباب بها، فهذه المواقع سلاح ذو حدين، يمكن أن تغير ويمكن أن تضر وهذا أمر لا جدال فيه، إذا العقل والمنطق والواقع يدفعوننا إلى أن نعمل جميعا على توعية الشباب بمخاطر هذه الاداة التكنولوجية المعاصرة التى أصبح يستخدمها بشكل لحظى ويومى ولا يستطيع الاستغناء عنها, كما يجب علينا توجيهه نحو الاستفادة منها واستخدامها بشكل صحيح لا يضر بوقته أو يؤثر على حياته بالسلب والضرر . ويضيف موسى: لمواقع التواصل الاجتماعي فوائد كثيرة إذا ما أحسنا استخدامها فيما يفيد، وفيما يتعلق بنشر السلبيات والشائعات وبعض الظواهر السلبية المصاحبة لإستخدامها، فيمكن تلخيص هذه المشكلة فى كلمة واحدة وهى «البطالة» فالشباب الذى لا يعمل يجد نفسه ضحية للفراغ والذى يجره إلى أى شىء غير إيجابى أو غير مفيد أو ربما يذهب به إلى شيء ضار أو مُجرم قانونا أو شرعا، ومن هنا يزداد تأكيدنا وإصرارنا على دعم الجهود التى تبذلها الدولة المصرية ممثلة فى الحكومة والتى يدعمها السيد الرئيس الجمهوية عبد الفتاح السيسى بشكل واضح لاستثمار طاقات الشباب والعمل على إيجاد الحلول الجذرية الحازمة لانهاء البطالة بين الشباب وتوفير التدريب اللازم والمتوافق على احتياجات سوق العمل بشكل حقيقى وفعال، خاصة أن إجراءات الإصلاح الاقتصادى وتوفير المناخ الآمن للاستثمار سيدفع فى شرايين الاقتصاد المصرى المزيد من تدفقات الاستثمارات الأجنبية والوطنية مما سيخلق بإذن الله تعالى المزيد والمزيد من فرص العمل الجيدة، ويجب علينا أن نعد شبابنا ونأهيلهم لاستقبال هذه الفرص واستغلالها جيدا من خلال تأهيلهم لما تتطلبه هذه الوظائف، وإذا استطعنا تحقيق ذلك سوف ينتهى هذا الفراغ الناجم عن البطالة وبالتالى تنتهى الكثير من المشكلات التربوية والاخلاقية المتعلقة به، خاصة إذا ما قمنا بمحاربة باقى الأسباب التى تؤدى إليها مثل إذاعة الافلام والمسلسلات والاغانى الهابطة التى لا تقدم إلا القبح وسيء الاخلاق ونشرنا القيم الاجتماعية والثقافية والوطنية والدينية مرة أخرى بين الشباب والنشء والأطفال خاصة هذا الجيل الذى حرم مع الأسف الشديد من هذه المتع العقلية والتعليمية. نموذج مسمم د.سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس تقول: الشباب لم يعد لديهم النموذج القدوة الذي يقتدون به, كما أن التعليم والإعلام لا يقدمون لهم المثل الأعلى الذي يمكن أن يؤثر فيهم بالإيجاب, والآباء أصبحوا منخرطين في توفير المتطلبات الحياتية على حساب تربية أبنائهم, والأمهات لم تعد تقوم بالدور المطلوب من التربية والرعاية مما تسبب في انتشار الندية بين الرجل والمرأة وارتفاع معدلات الطلاق، فضلا عن إننا نواجه مشكلة سكانية معضلة, فالأسرة هى النواة الأولى للمجتمع, وقد أصبحت الأسرة الآن مفتتة وهو ما يعني أن المجتمع مفتت. وتضيف خضر: لقد تركنا الساحة الفنية والإعلامية لمجموعة من الأشخاص الذين يصرون اصرارا شديدا على نشر وإذاعة الفن المُسمم للعقول والوجدان وغابت الدولة عن انتاج الأعمال الفنية المحترمة التى ترتقى بالروح وتسمو بالوجدان وتؤثر فى سلوكياته نحو الأفضل وتُعيد الشهامة والأخلاقيات النبيلة التى يتمتع بها الشعب المصرى إلى الشاشات مرة أخرى حتى يتعلم النشء والمراهقون والشباب هذه الاخلاقيات القويمة ويتصرفون بتصرفاتها وسلوكياتها الإيجابية, فما يقدم للشباب اليوم إلا المسلسلات التافهة التي تركز على السلبيات وتعرض صورة غير ايجابية عن المجتمع وتُهين المرأة, فبعد أن كانت المسلسلات المصرية تعلم العالم العربى كله الذوق والرقى والاخلاق الحميدة اصبحت الآن تصدر لهم العنف والقبح والألفاظ النابية التى لا يتداولها إلا فئة قليلة من المجتمع, ويتم تصديرها للأسف وكأنها المجتمع كله فأصبح لدينا جيل كامل لم ير أو يسمع إلا هذه السلبيات القبيحة التى تقدم له على أنها «فن» مع الأسف الشديد, ولهذا لا نتعجب عندما نرى هذا الجيل يتصرف بهذا الشكل المنحرف سواء فى القيام بحواداث تحرش أو فضح مثل هذه الحواداث على صفحات التواصل الاجتماعى دون أن يدرك خطورة ذلك أو حتى أبعاده الاخلاقية وتأثيرها على شخص الضحية أو على غيره من المتابعين . وهذا الفن الهابط السلبى يترسب داخل عقول الشباب والأطفال والمراهقين ويعمل داخل عقولهم حتى وهم نائمون ثم ينعكس على سلوكهم وتصرفاتهم اليومية وهكذا يصبح جزءا من شخصيتهم دون أن يدركوا ذلك ثم يبدأ الوالدان فى الشكوى من سوء تصرفات أبنائهم دون أن يعرفوا ما الذى أدى بهم إلى ذلك، ولهذا نقول ونكرر دائما أن الإعلام سلاح خطير يؤثرعلى شبابنا ويغير سلوكياته إلى الأسوأ وبالتالى يضر بمستقبله ومستقبل المجتمع ككل فيما بعد حيث يشكل الشباب أكثر من 60% من قوام المجتمع المصرى حاليا وهذا يوضح خطورة الأمر، وتشير خضر إلى زاوية أخرى فتقول: نحن لدينا حضارة عريقة وحقيقية وليست مصطنعة من الخيال أو الأفلام مثل أمريكا, فحضارة مصر بدأت, ثم بدأ التاريخ. لماذا نُهين أنفسنا بتقديم بهذه الخزعبلات للشباب؟ فهل جفت ينابيع العطاء النفسى والروحانى وأصبحنا نعيش بقانون الغابة؟ نريد أن نعرف ما هو دور وزير الإعلام، فقد اصبح هناك أب للأسرة بعد أن كان الأمر متروكا لكل شخص يفعل ما بدا له دون أن يراجع موقفه أو يهتم بالمصلحة العامة. لماذا انتشر التسيب وعدم الانضباط؟ الانضباط يأتى بإرادة الدولة، وأظن أنها تمتلك الإرادة والقدرة على تحقيقها . حلقات مفرغة وتتفق معها في الرأي هبة باشا عضو لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة مشيرة إلى أن بعض الأغاني التي تحُط من شأن المرأة وتستضيفها باحتفاء شديد برامج القنوات الفضائية الخاصة الشهيرة التي يتابعها الملايين وتقدم هذه النوعية من النجوم للمشاهدين دون رقابة أو محاسبة حتى من الضمير, سيظل هذا القبح ينتشر ويتمدد خاصة في ظل عدم تطبيق قوانين التحرش من حبس لا يقل عن ستة أشهر وغرامة تصل من ثلاثة آلاف حتى خمسة آلاف (تغليظ العقوبة تم عام 2014). وطالما الآباء والأمهات يتساهلون فى أسس التربية والأخلاق ويتركون الحبل على الغارب للمراهقين بحجة إنه طيش شباب سيبقى الوضع كما هو على أقل تقدير، بل وسيزداد سوءا إذا ما أخذنا اعتبار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام البديل في الحسبان, خاصة ان هناك تطورا تكنولوجيا يحدث كل ساعة وتقدم للشباب أدوات جديدة كل يوم، فما يحدث حقيقة اننا نظل نتحدث وندور في حلقات مفرغة لا تنتهى بنا إلى شيء من يوم حادث فتاة العتبة عام 1992 إلى اليوم،فلا التوعية ولا التربية ولا القانون، يسايرون سرعة المتغيرات التي تحدث في مجتمع يتعامل مع الفضائات التكنولوجية الواسعة والمتغيرات الإعلامية الرهيبة بهذا البطء والتراخي، فلا بد من إيجاد الحلول الجذرية، وتنفيذها بسرعة وحسم. تجربة فنانة ولأن الفن والدراما لهما دور كبير فى تشكيل الوعى وبناء العقول كما تقول الفنانة القديرة سلوى عثمان، إن الفن يلعب دورا فى تكوين شخصية الإنسان وذلك من خلال دورنا الفني من تجسيد أدوار وشخصيات مختلفة وتوصيل رسائل إيجابية لجميع أفراد المجتمع. وتضيف سلوى، تجربتى مع السوشيال ميديا «كنت فى الأول أقوم بمشاركة منشورات «بوستات» كثيرة من باب الترفيه دون الاطلاع على المصدر الاساسى للتأكد من صحتها ولكن بعد ذلك أدركت وانتبهت أن ليس كل ما نراه عبر مواقع التواصل الاجتماعى نقوم بنشره وتداواله او مشاركته، فلا بد من توخى الحذر والتأكد من مصدر المعلومة أو «البوست» الذى يتم تداوله جيدا وان يكون من مصدر موثوق منه وخلال تجربتى اكتشفت ان حتى «بوستات النكت» التى يتم تدوالها عبر مواقع السوشيال ميديا فى الكثير من الأحيان ربما يكون الهدف منها إثارة الفتن أو نشر الشائعات أو تستهدف الفرقة و هدم الوطن. درع الحماية وينصح الخبير وليد حجاج خبير تكنولوجيا المعلومات الملقب بصائد الهاكرز بحزمة من الإجراءات للحماية من مخاطر استخدام «السوشيال ميديا» فيقول: لا تقبل اضافة اي شخص لا تعرفه في الواقع الى قائمة أصدقائك على حسابك الشخصي بأي من مواقع التواصل الاجتماعي ,ووضع قيود ودرجات حذر على مشاركة الصور والمعلومات الشخصية عبر الانترنت وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي, واستخدام درجة من السرية على البيانات والمعلومات الشخصية وتوليد كلمات مرور ذات درجة عالية من التعقيد تجمع بين الحروف والرموز والأرقام وتغييرها كل فترة, وعدم القيام بفتح حسابك الشخصي أو موقع يتطلب كلمة مرور خاص بك من على جهاز لا تمتلكه ولا تشارك أي معلومات مهنية خاصة بك او بسفرك او بموقعك الجغرافي مع العامة على حسابك الشخصي بمواقع التواصل الاجتماعي لا تتعامل مع المواقع الإباحية والمتطرفة والإرهابية ولو بدافع الفضول لأنها غالبا ما تكون مصايد الكترونية تسعى لاختراق جهازك. ويشير حجاج إلى نقطة في غاية الخطورة قيقول: لابد أن يمتلك مستخدمو الانترنت ومواقع السوشيال ميديا ثقافة الحد الأدنى للتعامل التكنولوجى الآمن، فكثير من المستخدمين من طبيعتهم ان يتبرعوا بإعطاء المعلومات الكاملة عنهم دون مقابل أو حد أدنى من الحذر .