حسنا ما فعله نادى قضاة مصر برئاسة المستشار الجليل محمد عبد المحسن منصور رئيس مجلس إدارة نادى القضاة حينما أرسل ردًّا يوم الإثنين الماضى لصحيفة «المصرى اليوم» نشر على نفس المساحة وفى نفس الصفحة وجاء هذا الرد على مقال نشر يوم الأحد أى قبل نشر الرد بيوم واحد كان يخص القضاة ورموزهم وتقاليدهم القضائية الراسخة والذى كتبه د. نصار عبد الله بعنوان: «شلاليت ممدوح مرعى» رحمه الله والذى توفى منذ أسبوعين تقريبًا والذى تولى مسئولية وزارة العدل قبل أحداث 25 يناير 2011 بعدة سنوات حيث تحدث فيه كاتب المقال عن «شلاليت الوزير عندما كان رئيسًا للتفتيش القضائى بوزارة العدل وأنه سمع من أكثر من مصدر أن الوزير السابق حينما كان رئيسًا للتنفيش يقوم بضرب أى قاض برتكب خطأ مهنيًا جسيمًا وتسفر تحقيقات التفتيش القضائى عن ارتكابه لهذا الخطأ الجسيم مهنيًا فكان يستدعى ذلك القاضى المخطئ إلى مكتبه ويواجهه بالخطأ الذى ارتكبه فإذا لم يقدم له تفسيرًا قانونيًا مقنعًا ينهال عليه ضربًا بالشلاليت منذرًا إياه بأنه إذا تكرر هذا الخطأ من جانبه فسوف يقوم فورًا بإحالته إلى لجنة الصلاحية التى تقرر عدم صلاحيته للمهنة وتنتهى مدة خدمته كقاض ولم يكن القاضى المخالف الذى يتعرض للضرب بالشلاليت ليتجرأ على القول بأن ما قام به رئيس التفتيش هو جريمة ضرب لأنه يعلم أن البديل القانونى هو إحالته إلى الصلاحية ومن ثم فقد منصبه وهنا يكون القاضى أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يتعرض للشلاليت من ممدوح مرعى أو تقديم استقالته فى ظل تولى ممدوح مرعى للتفتيش القضائى. أما النقطة الثانية التى تضمنها المقال أن ممدوح مرعى رحمه الله حينما تولى الوزارة أصدر فى كتابه الدورى القرار رقم 2 لسنة 2009 ارتكب خطأ فادحًا لزيادة موارد الدولة فى رسوم القضايا إذ أوجب على خاسر الدعوى دفع الرسوم القضائية مثل الطرف الثانى الذى حكمت المحكمة لصالحه وقد ساوى بين الاثنين فى جميع الأحوال وهو شىء مخالف لقانون الرسوم القضائية فالذى يخسر الدعوى لا يكون قد حكم له بشىء ومن ثم لا يستحق عليه شىء. وما يلفت النظر أن كاتب المقال تناول النقطتين أولهما الضرب بالشلاليت والثانى قرار الوزير الأسبق الماضى بزيادة الرسوم القضائية من جانب الطرفين فالنقطة الأولى تتعلق بالتعرف والسلوك الشخصى لقاض جليل رحمة الله عليه وعلاقاته بزملائه من القضاة فى حين نجد أن النقطة الثانية تتعلق بسياسة الدولة والحكومة فى تحصيل الرسوم القضائية. أعود إلى رد نادى قضاة مصر حيث كان رد النادى برئاسة المستشار الجليل محمد عبد المحسن منصور نائب رئيس محكمة النقض ورئيس النادى ومعه أعضاء مجلس الإدارة ردًّا قانونيًا دفاعًا عن التقاليد القضائية الراسخة على مر تاريخ القضاء المصرى. أما اللافت للنظر فى نشر هذا الرد الذى التزمت به الزميلة «المصرى اليوم» أنها قدمت فى توضيح فى منتصف هذا الرد ببرواز بارز أنها تعتذر إن كان قد أدى هذا المقال إلى فهم غير ذلك وأن الصحيفة تكن كل الاحترام لقضاة مصر باعتبارهم ركنًا أساسيًا وسلطة عليا فى المجتمع لا تستقيم الأمور بدونهم وأن الصحيفة لا تقبل أى إساءة لقضاة مصر الأجلاء. وهنا لابد أن نعود إلى مضمون المقال الذى حرك نادى القضاة فالنقطة الأولى التى احتوى عليها العنوان: «شلاليت ممدوح مرعى» رحمة الله عليه فقد كنت من الذين تعاملوا معه عن قرب حينما كان يتولى إدارة التفتيش القضائى وحينما تولى رئاسة محكمة النقض ورئيسًا لمجلس القضاء الأعلى وحينما تولى رئاسة المحكمة الدستورية العليا بعد عام 2001 فقد كان رحمه الله يتعامل بأسلوب القاضى الجليل الذى يحافظ دومًا على احترام القاضى لنفسه وللآخرين بأسلوب راق ومتحضر يحترم تقاليد القضاء الراسخة ويحافظ عليها وليس هناك أى قاض يقبل بأن يتعامل معه مدير التنفتيش بالضرب بالشلاليت حتى لو كان مخطئًا كما لو كان رئيسًا أيضًا وحينما تولى ممدوح مرعى رئاسة المحكمة الدستورية العليا بعد عام 2001 أصدر حكما رحمة الله عليه بعدم دستورية قانون البلطجة وترتب على ذلك أن أصدر النائب العام قرارًا بالإفراج عن أكثر من 15 ألف بلطجى كانوا جمعيهم محبوسين فى السجون على ذمة قانون البلطجة وتم الحكم على الكثير منهم وقد تم تنفيذ الحكم على الفور بمجرد صدوره من ممدوح مرعى القاضى المحترم رحمة الله عليه. أعود إلى تأكيد النادى فى رده على كاتب المقال د. نصار عبد الله بأن النادى انطلاقًا من دور المجلس فى الذود عن قضاة مصر الإجلاء وهيبتهم وكرامتهم والحفاظ على حقوقهم والتصدى لكل المحاولات التى تحاك للنيل منهم مستهديًا بقيم وتقاليد وأعراف سامية وسلوك وأخلاق قضائية رفيعة ورثناها من شيوخنا الاجلاء الذين استمسكوا بالصمت لغة وبالاحترام سبيلاً وبالترفع هدفًا إلا أنه إزاء هذه الهجمة الشرسة التى تعرضت لها السلطة القضائية فى الآونة الأخيرة التى استهدفت أحكامها تارة وشئونها وشيوخها تارة أخرى كان لزامًا علينا التصدى لتلك المحاولات العدائية ونواجهها بكل حسم وحزم. وأضاف رئيس النادى إزاء ما نشر فى الجريدة من مقال ينال من القضاة ومن أحد شيوخنا الأجلاء فقد مضى نادى القضاة فى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كاتب المقال السىء بتقديم بلاغ إلى المستشار الجليل النائب العام وكذا تقديم مذكرة لرئيس الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام بعزم لا يلين على أن يعتبر كل من استمرأ على السلطة القضائية ورجالها الشرفاء احترامًا لمبدأ سيادة القانون يتصدى بكل حسم لتلك المحاولات البائسة للنيل من القضاء القانون المصرى العظيم. النادى طالب فى رده وسائل الإعلام المرئية المسموعة والمقروءة والتى يكن لها كل احترام وتقدير ويثمن دورها فى توعية الرأى العام ودعم استقلال الوطن ألا تجعل ساحاتها الإعلامية منابر لمن يدنسون محراب العدالة بأحاديث مغلوطة ومفتراة تخلى كتابها عن دور الصحافة الحقيقى فى التثقيف والتنوير وراحوا يهينون الأحياء والأموات ويتجرأون على سلطات الدولة وأن قضاة مصر ملتزمون بالدستور والقانون فى كل ما سيقومون به من إجراءات للدفاع عن قضاتهم وقضائهم الشامخ وتقاليدهم الراسخة. من كان يعرف القاضى ممدوح مرعى رحمة الله عليه عن قرب يتأكد أنه ذلك القاضى الشامخ الذى يهابه القضاة وزملائه ومن يعملون معه احترامًا له كقاض يحافظ على تقاليد القضاة التى توارثها القضاة على مدار تاريخهم الطويل فقد كان ممدوح مرعى بعد أن أصبح رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا هو أول رئيس للمحكمة الدستورية الذى تدخل المرأة لأول مرة كقاضية فى المحكمة الدستورية العليا فكانت المستشارة تهانى الجبالى أول قاضية فى المحكمة الدستورية العليا يتم تعينيها فى عهده وحينما تولى مسئولية وزارة العدل كان أول وزير عدل يقرر تعيين المرأة كقاضية تجلس على المنصة لتصدر الأحكام وقد كانت أول دفعة قام بتعينيها عام 2008 هى أول 10 قاضيات يتم تعيينهن واختيارهن من النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة. رحم الله ممدوح مرعى فقد كان القاضى الشامخ المحترم الذى يستحوذ على احترام الجميع له من الهيبة والوقار الذى يفند أى أكاذيب أو ادعاءات تقال عليه. وفى النهاية نقول حسنا لنادى القضاة فقد رد ردًا قانونيا يتماشى مع تقاليد القضاة وأعرافهم العريقة.