عندما أعلن الملياردير الأمريكى «دونالد ترامب» نيته الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الحزب الجمهورى، كانت السخرية هى رد الفعل الرئيسى الذى قوبل به هذا الإعلان، خاصة فى ظل تصريحاته الغريبة ضد المسلمين والمهاجرين، والتى كشفت عن عنصريته الواضحة. وللعجب، بات ترامب هو المرشح الأوفر حظًا اليوم لتمثيل الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لتتحول هذه السخرية إلى حالة من الخوف الشديد من إمكانية تحقيق ترامب المفاجأة ووصوله إلى البيت الأبيض، حتى وصل الأمر إلى ازدياد رغبة الأمريكيين فى الهجرة إلى كندا تزامنًا مع فوز ترامب، وطبقًا لما نشرته وسائل الإعلام فقد شهد موقع الهجرة الرسمى إلى كندا الأسبوع الماضى إقبالًا منقطع النظير من قبل الأمريكيين بالتزامن مع فوز ترامب فى عدد من الولايات فى يوم «الثلاثاء الكبير». فى المقابل، لم يكن حديث الصحف العالمية طوال الفترة الماضية سوى عن تقدم ترامب، ومناقشة أفكاره وسياسته، ومناقشة تأثير هذا التقدم على انهيار الحزب الجمهورى، وفى هذا الإطار ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن ترامب وضع الحزب فى أزمة هوية، متسائلة عما إذا كان الحزب القديم اقترب من إبادة نفسه. وأوضحت الصحيفة، أنه منذ عام واحد، كان الجمهوريون يهنئون أنفسهم على امتلاكهم أقوى المرشحين فى ساحة الانتخابات الرئاسية منذ جيل كامل، اعتقادا منهم بأن هؤلاء المرشحين هم طوق نجاة الحزب الذى خسر التأييد الشعبى فى خمس من الانتخابات الرئاسية الستة السابقة، مضيفة أن ترامب، الذى رفضه كبار الجمهوريين لشهور عديدة، معتبرين أنه شخصية هامشية مسلية ستدمر نفسها، شن عملية للاستحواذ وإعادة صبغ الحزب بوجهة نظره الخاصة، لافتة إلى أن ما خلفه ترامب لا يمكن اعتباره رؤية جمهورية للولايات المتحدة، أو حتى مجموعة من المبادئ المشتركة التى قد تدفع الحزب للأمام. ولفتت الصحيفة إلى تصريحات ترامب، التى قال فيها إنه حين يصبح رئيسًا قد يصدر أوامر للجيش الأمريكى بتعذيب المسلحين المقبوض عليهم، وتنفيذ عمليات أخرى تعد انتهاكًا للقانون الدولى، مشيرة إلى أن تبنى ترامب للتعذيب كان من بين العلامات الكثيرة التى أنذرت الجمهوريين بأنه مثير للقلق ومتهور. أما صحيفة «الجارديان» البريطانية فذكرت أن الجمهوريين يحاولون حاليًا وقف ترامب، من خلال شن هجوم شديد عليه، فذكرت أن ميت رومنى ألقى خطابًا أعلن فيه أن المرشح الأوفر حظًا هذا العام غير مؤهل ليكون رئيسًا، ووصف ترامب بالزائف والغشاش والمفلس، وأشارت الصحيفة إلى أن أعضاء الحزب سينفقون ملايين الدولارات فى الإعلانات التى يدعمها الحزب ضد ترامب من الآن وحتى يوم التصويت الكبير فى 15 مارس الجارى، ومع ذلك فإن الطريقة لهزيمة ترامب – بحسب الصحيفة - لا تأتى من خلال تكتيكات ذكية أو حتى السخرية منه، بل الطريقة تكمن فى فهم أسباب تواجده إلى الآن على الساحة، والمعارضون لترامب لايستطيعون علاج الجرح لأنهم متسببون أيضًا فيه، والحقيقة كما قال «روبرت كاجان» الجمهورى السابق «ترامب هو الوحش فرانكنشتاين الذى خلقه الحزب نفسه». أما صحيفة «دى فيلت» الألمانية فحاولت تفسير هذا التقدم الذى يحرزه ترامب، فذكرت أن ترامب هو فى النهاية الصيغة الأمريكية لصعود اليمين المتطرف والشعبويين فى أوروبا، وهو يمثل رغبة الانتقام من النخب المتعالية. فى تقريرها، تناولت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، تفاصيل بعض الملفات التى قد تجعل ترامب يفقد مصداقيته، وتجعله يخسر فى السباق نحو البيت الأبيض، وذكرت أن تلك الملفات تتعلق أساسًا بارتباطه بالفساد واستغلال المهاجرين والعنصرية، مضيفة أن ترامب يخفى أسرارًا متعلقة بارتباطه بعصابات المافيا ودورها فى نجاحه ببناء إمبراطورية العقارات، حيث إنه خلال الثمانينيات كان من المستحيل على وكيل عقارى مثل دونالد ترامب أن ينجح فى أعماله بالولاياتالمتحدة، دون التعامل مع عصابات المافيا، التى كانت حينها تسيطر بشكل تام على قطاع البناء فى الساحل الشرقى للولايات المتحدة. وأشارت الصحيفة إلى أن فضيحة أخرى قد تعصف بآمال ترامب، وهى استغلاله للعمال الأجانب، حيث إنه منذ إعلانه ترشحه فى يونيو الماضى، بنى حملته الانتخابية على فكرة معارضة الهجرة، وتعهد ببناء جدار على الحدود مع المكسيك، وطرد 11 مليون لاجئ غير قانونى من الأراضى الأمريكية، وهو ما جلب له عددا كبيرا من الأنصار الذين يرون أن هذا هو الحل لمشاكلهم، وكشفت استطلاعات رأى أجريت فى يناير الماضى، أن 81% من أنصار دونالد ترامب يرون أن الهجرة هى سبب كل مشاكل الولاياتالمتحدة. وقالت إن ترامب تعهد أيضا فى حملته بفرض ضرائب ثقيلة على الشركات التى تقوم بنقل أعمالها من الأراضى الأمريكية إلى دول أخرى، وتتسبب فى بطالة العمال الأمريكيين، رغم أن ترامب بدوره متورط فى تشغيل الأجانب، لأنه يفضل الربح المادى على القيم الوطنية التى يتشدق بها فى حملاته.