بالرغم من نجاح رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فى أن يؤمن لبلاده وضعية خاصة داخل الاتحاد الأوروبى من خلال الاتفاق الذى أبرمه مع نظرائه الأوروبيين والذى جاء بعد مباحثات ماراثونية شاقة فى بروكسل ويقضى بالموافقة على حزمة الإصلاحات التى تطالب بها بريطانيا مقابل الاستمرار فى عضوية الاتحاد، إلا أنه مازال أمام كاميرون حملة شاقة لإقناع شعبه بأهمية بقاء البلاد داخل الاتحاد وعدم التصويت لصالح الخروج فى الاستفتاء الذى تقرر إجراؤه فى 23 يونيو القادم. ومن أبرز الإصلاحات التى ينص عليها الاتفاق بين كاميرون ونظرائه من قادة الاتحاد تعطيل نفقات الرعاية الاجتماعية لمدة سبع سنوات، وهى النفقات التى تقدمها لندن للمهاجرين من دول الاتحاد المقيمين على أراضيها، كما يحافظ الاتفاق أيضًا على هامش الحرية التى تحظى بها بريطانيا والمتعلقة بقوانين السوق. وبين الترحيب والتشكيك تفاوتت الآراء فى الشارع البريطانى من جهة وبين الساسة وصناع القرار وخبراء المال والاقتصاد داخل لندن وخارجها من جهة أخرى، حيث أظهر أول استطلاع للرأى أجرته صحيفة «ميل أون صنداى» بعد اتفاق كاميرون مع الاتحاد الأوروبى أن 48% من الشعب البريطانى يؤيدون خروج بريطانيا من الاتحاد مقابل 33% يؤيدون البقاء داخله ويتبقى 19% لم يحسموا أمرهم بعد. كما يؤيد الانفصال 6 وزراء فى الحكومة البريطانية، منهم على سبيل المثال وزير العمل والمعاشات إيان دنكان سميث الذى يقود حملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وقد صرح لقناة ال «بى بى سى» بأن بقاء بريطانيا فى الاتحاد يجعلها أكثر عرضة لمخاطر الإرهاب، ويبقى الباب مفتوحًا لهجمات إرهابية كالتى حدثت فى باريس العام الماضى. وشكك دنكان سميث فى فعالية الإجراءات الصارمة بخصوص استحقاقات المهاجرين الأوروبيين عند هجرتهم إلى المملكة المتحدة والتى تشكل جزءًا من الاتفاق الذى تفاوض حوله كاميرون، ووصف تلك الاستحقاقات بأنها تعد عامل جذب ولكن «صغير» جدًا، معترفًا بأن تعطيلها قد يفيد فى تقليل عدد القادمين إلى بريطانيا، لكنه لن يتيح التحكم فى حدود وأراضى المملكة المتحدة، وهو الأمر الأهم، وأوضح أن الخطة الأولية كانت تهدف لإيقاف الهجرة، لكن الاتحاد الأوروبى «رفض حتى مناقشة الأمر رفضًا قاطعًا». وبشكل عام يرى الفريق المؤيد لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى، أن هذا سوف يعيد للمملكة المتحدة السيطرة الكاملة على أراضيها، مما دعا كاميرون للرد عليهم بمجموعة من الأسئلة والإجابة عليها قائلا: «إننا إذا تركنا الاتحاد الأوروبى، فهذا قد يعطينا شعور بالسيادة، ولكن هل هو حقيقى؟»، وأضاف: «هل ستكون لديك السلطة بأن تمنع التمييز ضد أعمالك فى أوروبا؟ لا، لن تقدر، وهل ستكون لديك القوة بأن تجعل الدول الأوروبية تتشارك معنا فى معلوماتها الحدودية كى نتمكن من معرفة ما يفعله الإرهابيون والمجرمون فى أوروبا؟ لا، لن تستطيع!». ومن جانبه، حذر رئيس مصرف «اتش اس بى سى» الأوروبى العملاق دوجلاس فلينت من المخاطر الاقتصادية الناجمة عن عملية الخروج، وأظهرت دراسة أجراها معهد «اوبن يوروب» أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيؤدى إلى تراجع إجمالى الناتج الداخلى بحوالى نقطة مئوية عام 2030، وأوضحت الدراسة أن «بريطانيا لن تزدهر خارج الاتحاد الأوروبى إلا إذا كانت مستعدة لاستخدام حريتها المستعادة لاتخاذ تدابير ناشطة من أجل تحرير التجارة وتخفيف الضوابط». ومن العواقب الأخرى المتوقعة فى حال انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى تنظيم اسكتلندا استفتاء جديدا حول الاستقلال عن بريطانيا، حيث ترفض اسكتلندا فصلها قسرا عن الاتحاد الأوروبى الذى تتمسك بانتمائها إليه، ومن المتوقع أن يختار الاسكتلنديون هذه المرة الانفصال، خلافا للاستفتاء الأول الذى جرى فى سبتمبر من عام 2014 والذى رفض فيه الأغلبية الانفصال عن بريطانيا.