ارتفع سقف التكهنات بشأن القضايا المرفوعة ضد مصر للتحكيم الدولى فى قضايا ومنازعات تتعلق بالمستثمرين، وفى الوقت الذى تقلل فيه مصادر مسئولة من أهمية تلك القضايا، وأن الحكومة ليست طرفا فى هذه النزاعات، تتردد الكثير من الأرقام المتوقعة كخسائر من التحكيم الدولى، ويرى البعض أن المبلغ ربما يصل بعد الحكم فى عدة قضايا إلى 20مليار دولار، فى حين أن الرقم الذى أعلنته قبل نحو عام الدكتورة نجلاء الأهوانى وزير التعاون الدولى سابقا، هو 90 مليار دولار (مع الأخذ فى الاعتبار تسوية الكثير من المنازعات وديا منذ ذلك التاريخ).وقبل عدة أيام صدر حكم من مركز التحكيم الدولى ICC فى جنيف بتغريم هيئة البترول وشركة إيجاس نحو 1.7 مليار دولار لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية ونحو 288 مليون دولار لشركة شرق المتوسط Emg. وفتح الحكم من جديد ملف التحكيم الدولى ضد مصر التى تواجه عدة قضايا تحكيم دولى أخرى، تصل إلى 6 قضايا، تتعلق بنفس الملف (تصدير الغاز لإسرائيل)، لم يتم الحكم فيها حتى الآن. وقدرت مصادر قيمة التعويضات المطلوبة بالقضايا المرفوعة فى هذا المجال بنحو 10 مليارات دولار، وهى قضايا مرفوعة من جانب باقى المساهمين فى شركة شرق المتوسط، وأبرزهم شركات أمبال الإسرائيلية الأمريكية وميرحاف الإسرائيلية وبى بى تى التايلندية. وبالرجوع إلى موقع اكسيد للتحكيم الدولى التابع للبنك الدولى تبين أن شركة امبال الأمريكية الإسرائيلية رفعت دعوى ضد مصر منذ شهر مايو من عام 2012، وأن القضية لا تزال تنتظر الحكم. وفى تصريحات صحفية قال المهندس محمد شعيب الرئيس الأسبق للشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» أن مصر تواجه نوعين من التحكيم بملف تصدير الغاز لإسرائيل، الأول تحكيم تجارى بين الشركات أطراف النزاع، وهى القضية التى تم الحكم فيها من مركز التحكيم الدولى ICC فى جنيف بتغريم هيئة البترول وشركة إيجاس نحو 1.7 مليار دولار لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية ونحو 288 مليون دولار لشركة Emg. وأضاف أن النوع الثانى من التحكيم الذى تواجهه مصر، يتمثل فى التحكيم الاستثمارى، والذى بناء عليه قام مساهمو شركة Emg برفع قضايا ضد الحكومة المصرية، بدعوى أن الأخيرة لم تحم استثماراتهم واتفاقياتهم داخل أراضيها، وهى قضايا لا تزال قائمة حتى الان ولم يتم الحكم فيها. وأردف أنه سيتم الطعن على الحكم الصادر مؤخرا من مركز التحكيم الدولى ICC فى جنيف، بالمحاكم السويسرية، وذلك استنادا لعدم اختصاص جهة التحكيم،حيث إن التعاقد المبرم بين شركة شرق المتوسط وهيئة البترول ينص على اللجوء لمركز القاهرة للتحكيم الدولى كجهة مسئولة عن التحكيم بين الطرفين. وأضاف أن شركة إيجاس وهيئة البترول عندما قامتا برفع قضية ضد شركة «شرق المتوسط» توجهتا لمركز القاهرة، وتم الحصول على حكم بفسخ التعاقد مع الشركة عام 2012 لعدم التزامها بسداد مستحقات الهيئة. تشجيع الاستثمار ولا يمكن إنكار حسن النية من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة التى أفسحت الطريق لإدراج التحكيم ضمن القوانين المنظمة للاستثمار، حيث إن له أهمية كبيرة فى الحياة الاقتصادية بين الشركات الاستثمارية والأفراد، إذ يمكن من بند اللجوء إلى التحكيم قبل اللجوء إلى التقاضى فى أى عقد تجارى أو صناعى أو عقد من العقود العقارية، مثل البيع أو الإيجار أو الرهن . وعلى سبيل المثال أن يلجأ الطرفان إلى التحكيم ويمتنع القضاء عن النظر فى موضوع النزاع فى هذه الحالة ضمان سرعة الفصل فى النزاع بأقل مجهود وفى أقل وقت ممكن مع ضمان العدالة فى الفصل فى النزاع مع بساطته وسهولته ويسره، إذ إن التحكيم ليس له شروط معينة أو إجراءات يجب أن تتبع بل هو أبسط من مجرد رفع الدعوى أمام المحكمة. وتأتى أهمية أخرى للتحكيم تتمثل فى كونه يساعد بشكل أساسى فى انتعاش الحياة التجارية وتشجيع المستثمر على الدخول فى استثمارات كبيرة وفى علاقات تجاريه واسعة دون الخوف من مجرد ضياع الحقوق أو إطالة أمد التقاضى إذا حدثت منازعة بشأن عملية تجارية، أو تنفيذ عقد كما تسهم عملية التحكيم بشكل أساسى فى تشجيع الاستثمارات الأجنبية، حيث يخشى المستثمر الأجنبى من القوانين المحلية ومن بطء إجراءات التقاضى المحلية، فيمكنه اشتراط القانون واجب التطبيق فى حالة حدوث منازعة سواء كان القانون المحلى أو الأجنبى. وبسبب ازدهار التجارة الدولية، أصبح التحكيم التجارى وسيلة وحيدة مقبولة لتسوية الخلافات الناشئة عنها، لأن المتعاملين فى التجارة الدولية هم من جنسيات مختلفة، ولا يقبل أحدهم بالخضوع للاختصاص القضائى والتشريعى للآخر، فهو يجهل قانون الدولة الثانية، وقد يكون غير مطمئن إلى القضاء فيها، فليس أمام الطرفين إلا التحكيم وسيلة لفض المنازعات بينهما دون خضوع أحدهما لقانون الآخر. فالاستثمار الأجنبى يتطلب قضاء خاصًّا يحكم بتجرد وموضوعية بمنأى عن الاعتبارات الشخصية وعلى معرفة بمفاهيم التجارة العالمية، لذا فقد وجدوا فى التحكيم التجارى ضالتهم كعدالة خاصة مستقلة لنزاعات الاستثمار الدولى. خسائر باهظة وبحسب الفقيه الدستورى الدكتور شوقى السيد فإن مصر تتحمل خسائر فادحة فى قضايا التحكيم الدولى، بسبب أن الحكومة تتدخل فى هذه القضايا على غير علم، فمثل هذه القضايا تعتمد على ثلاثة أركان هى: العلم والخبرة والمتابعة وهى أمور تفتقر لها الحكومة. وقال إن قضايا التحكيم الدولى تختلف عن نظيرتها الأخرى من القضايا وتبدأ خسارتها منذ بداية التعاقد وإبرام الاتفاق بين الحكومة من جانب، وبين المستثمر أو الشركة من جانب آخر، حيث يدرج كبند أساسى فى العقود فى حالة النزاع والخلاف لجوء طرفى التعاقد إلى المحاكم المختلفة، ففى تلك المرحلة يجب على الحكومة اختيار هيئة التحكيم الدولى المناسبة لها والمشهود لها بالنزاهة والشفافية وأن تدرج فى العقد وجهة المحكمة فتلجأ مثلاً إلى مركز التحكم الدولى بالقاهرة أو المحكمة الاقتصادية أو هيئة التحكيم فى فرنسا أو لندن أو مدريد وهى متنوعة وتختلف درجة النزاهة والشفافية بين كل مراكز التحكيم. ونصح الحكومة بتحديد ذلك منذ البداية حتى لا تفاجأ بوقوفها أمام مركز تحكيم غير نزيه، فضلاً عن انتقاء المحكمين الدوليين بعناية فائقة بعد بحث ودراسة متأنية، حيث يحق لكل طرف من طرفى التعاقد اختيار محكم دولى إلى أن يتفقا فى النهاية على محكم محايد للطرفين. واعتبر السيد أن قصر الطعن على العقود التى تبرمها الدولة مع المستثمر على طرفى التعاقد فقط أمام المحاكم الاقتصادية والاستثمارية أمر يصب فى صالح تفادى قضايا التحكيم مستقبلا، بعد أن كان يحق لأى مواطن الطعن على أى عقد تبرمه الدولة، ما فتح الباب أمام أصحاب النفوس الضعيفة والانتهازيين وراغبى الشهرة فى الطعن على عدد من العقود التى أبرمتها الحكومة على مدى عقدين من الزمان وتسبب ذلك فى بطلان عدد كبير من العقود، خاصة بعد ثورة 25يناير، ما جعل الدولة غير قادرة على حماية الاستثمارات الأجنبية المباشرة على أراضيها والتى تسببت فى لجوء عدد من المستثمرين سواء المصريون أو العرب والأجانب إلى التحكيم الدولى وأشهرها شركة المراجل البخارية وأوعية الضغط وشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج والشركة المصرية الكويتية، وكذلك شركة طنطا للكتان والزيوت. غرامات مستمرة وبحسب خبراء فإن قضية التحكيم الدولى حول أحقية مصر فى مدينة طابا ضد إسرائيل ستبقى إحدى العلامات المضيئة القليلة فى تاريخ المنازعات الدولية المصرية أمام هيئات التحكيم الدولى، وتليها قضية الشركة القابضة للسياحة حول أرض «إيجوث» ضد مجموعة «هلنان شبرد» العالمية بعد ماراثون استمر 5 سنوات، وهما القضيتان اللتان فازت بهما مصر من بين 37قضية تحكيم دولى. وجاء فى تقرير للهيئة الدولية للتحكيم على موقعها الإلكترونى أن عدد القضايا التى رفعت ضد مصر بعد ثورة 25 يناير أكثر من سبعة قضايا وتواجه مصر نتيجة هذه القضايا مطالبات بأكثر من 20 مليار دولار سنوياً فى مواجهة المستثمرين الأجانب، ولعل أشهر تلك القضايا قضية «سياج» للاستثمارات السياحية حول أرض طابا والتى تبين قيام الشركة ببيعها لمستثمرين إسرائيليين ليتم اللجوء إلى مركز التحكيم الدولى التابع للبنك الدولى فى واشنطن ويصدر حكم بتغريم مصر 300مليون دولار، ويليه حكم مركز التحكيم الدولى ب «مدريد» الصادر بتغريم مصر 530مليون دولار فى قضية وزارة الطيران المدنى وهيئة بريطانية حول مطار «رأس سدر» وما حدث بقضية الهرم أو جنوب الباسفيك بين وزارة السياحة وشركة بريطانية حول هضبة الهرم بعد قيام الجانب المصرى بفسخ العقد المبرم ليُصدر حكم تحكيم ضد مصر بمبلغ قدره 36 مليون دولار وبعد تسوية الأمر تم دفع حوالى 19 مليون جنيه. ولعل ما سبق يؤكد على وجود ثغرة قانونية فى النطاق القانونى لمسألة التحكيم فى مصر رغم كونه وسيلة مستحدثة لحل منازعات الاستثمار بعيداً عن القضاء التقليدى تتفادى ضياع الوقت وتوفر الجهد إلا أن المتوقع من تلك الوسيلة لم يتحقق نتيجة للعديد من الاسباب مما أدى الى عدد من النتائج السلبية التى تهدم منظومة حركة الأموال والاستثمار مما يؤثر على إقتصاد الدولة. نقص الخبرة وفى سبيل التعرف على الزواية القانونية التى يمثلها التحكيم أكد د.ناجى عبد المؤمن مدير مركز تحكيم حقوق عين شمس أنه فى البداية لابد أن نعلم أن المشكلة لا تكمن فى التحكيم كأداة حيث إن قانون الاستثمار عندما تضمن بين نصوصه الالتجاء للتحكيم كان ذلك من عوامل حصول مصر على المراكز الأولى فى جذب الاستثمار فى فترة ولكن الأزمة هى طريقة التعاطى مع إعداد المحكمين التى أنتهجت أسلوب يشبه «السبوبة» بعد أن انتشرت المراكز بشكل عشوائى دون رقابة من وزارة العدل مما أخرج عددا من المحكمين يحملون «كارنيه» محكم دون كفاءة أو قدرة على صياغة عقود وهوما تسبب فى خسارة تلك القضايا فى الوقت الذى لا يتم فيه اللجوء إلى أصحاب الخبرة فى المجال، بالإضافة إلى أن هناك عاملًا آخر يتمثل فى تضارب سياسات الاستثمار وقوانين التجارة الدولية وعدم إلمام البعض بالاتفاقات الدولية. فيما أكد مصدر مسئول من وزارة الاستثمار أن الدولة تسعى دوماً لإيجاد حلول لبعض الإشكاليات التى تعوق الاستثمار وفى سبيل ذلك تم إنشاء المحكمة الإقتصادية ومن ثم إقرار التحكيم ضمن قانون الاستثمار كوسيلة لحل النزاعات من أجل الحفاظ على مصالح الوطن، وفيما يخص التحكيم فالحكومة لا تضع معوقات أمام الاستثمار رغم إصرار المستثمرين على تضمين العقود شرط التحكيم وهو ما يتطلب التواصل بين وزارتى العدل والاستثمار من أجل تقنين الأوضاع والعمل على إبراز كوادر قادرة على التصدى للتحديات الاقتصادية المعاصرة. وحول وجهة النظر الاقتصادية ومدى التأثير أكد د. أحمد أبو النور استشارى الاقتصاد الحرج وإدارة الأزمات أن العديد من العوامل تؤثر فى الحركة الاستثمارية فى مصر مثل المعوقات البيروقراطية التى يصطدم بها المستثمرين الأجانب، تضارب سياسات الاستثمار، وعدم تشجيع الاستثمارات الوطنية وإنما يتم إبعادها بطرق مختلفة عن السوق المحلى والعديد من العوامل التى أضيف إليها مؤخراً «التحكيم الدولى» الذى ثبت من خلال الدعاوى التى يرفعها المستثمرين على مصر وتصدر أحكام بخسرتها نتيجة لعدم وجود كفاءات قادرة على التعامل مع الثغرات التى يضمنها بعض المستثمرين عقودهم بهدف استغلال الجهل بالاتفاقيات والقوانين لدى القانونيين المصريين والحصول على أموال تعويضات قد تفوق فى بعض الأحيان نسبة ما استثمر فعلياً فى مصر مما يستتبعه انتقاص من الموازنة العامة للدولة التى لا تعد قادرة على التعامل مع الشأن الداخلى حتى يتم زيادة أعبائها من أجل استثمارات وهمية. وأضاف أبو النور أن التحكيم كوسيلة وكشرط فى العقود لا تأخذ به بعض الدول ومع ذلك فإنها من أكثر الدول جذباً للاستثمار حيث أن المستثمر دوماً ما يبحث عن الأسواق الاقتصادية الأكثر استقراراً، وللعلم فإن السياسة الخاطئة فى التعامل مع التحكيم كبدت العالم العربى خسارة أكثر من 750 قضية تحكيم، بخلاف المشروعات المتوقفة دون حلول حتى اليوم. بينما أكد د. جمال أبو ضيف المحكم الدولى والمستشار القانونى السابق لشركة «ماليكورب» - أحد الشركات التى لجأت الى التحكيم ضد الحكومة المصرية فى قضية ميناء رأس سدر والتى خسرتها مصر مقابل تعويض الشركة بمبالغ وصلت إلى 530 مليون دولار - أن التحكيم كبديل موازى للقضاء أفتقد الثقافة الخاصة بالتحكيم مما لم ينتج عنه فى النهاية إلا نقص فى الكفاءة القانونية.