عيب أن ترجع الحكومة فى كلامها، وخاصة إذا كان هذا التراجع أو تحوّل المواقف يمس ثوابت وأصولا لا يصح التراجع عنها.. فمنذ عام ونصف العام واللجنة الوطنية للتشريعات تعمل على إعداد مشروع القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام، حتى تم الانتهاء منه، وحظى بتأييد غالبية الصحفيين والإعلاميين. وخلال فترة عمل اللجنة كان هناك تفاوض مع الحكومة، أسفر عن الاستجابة لطلب الحكومة بتعديل بعض مواد مشروع القانون، وفى نهاية الأمر تم تقديم القانون للحكومة وتمت مراجعته مع ممثلين للحكومة على مدى عدة جلسات. وكان رأى ممثلى الحكومة أن المشروع هو أفضل مشروع قُدِّم مقارنة بمشروعات أخرى كان قد تم تقديمها من قبل الحكومة نفسها، حتى أن رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب كان فى طريقه إلى تقديم المشروع للرئيس، إلا أن التغيير الوزارى أوقف تقديمه. ولكن جاءت تصريحات وزير العدل أحمد الزند بأن المشروع الذى قدمته اللجنة الوطنية غير ملزم للحكومة ولن تأخذ منه سوى المواد التى تراها صالحة لتضمها إلى المشروع الذى تعده، وتجاوز الزند ووصم مشروع اللجنة الوطنية بعدم الدستورية. تصريحات الزند اعتبرتها اللجنة الوطنية تراجعًا حكوميًا عن الالتزامات والتعهدات السابقة لأعضاء اللجنة على ما تم الاتفاق عليه مع رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب ووزير التخطيط د. أشرف العربى الذى تفاوض مع ممثلى اللجنة نيابة عن الحكومة. تصريحات الزند نسفت كل الاتفاقات وأعادت الجميع لنقطة الصفر، وتنذر بمواجهة بين الجماعة الصحفية والإعلامية وبين الحكومة. وزير العدل طرح فكرة الاكتفاء بإصدار 3 قوانين، كل قانون منها يتعلق بمجلس من المجالس التى ستنظم شئون المهنة والتى ورد الإشارة إليها فى مواد الدستور (211 - 212 - 213) وكان ذلك اتجاه الحكومة فى البداية، ولكن رفضته الجماعة الصحفية والإعلامية، وتم الإصرار على أن يكون هناك قانون موحد، وهو الذى نشر نصه بعد التعديلات التى تم الاتفاق عليها مع الحكومة فى جريدة الأهرام. وليس معقولا أن تقبل كل الهيئات والمؤسسات التى شاركت فى وضع مشروع القانون وهى نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة والإذاعة والتليفزيون وغرفة صناعة الإعلام ونقابة الإعلاميين ونخبة كبيرة من أساتذة الإعلام والقانون، أن يفرض عليها مشروع قانون آخر لا يعلم أحد عنه شيئًا.. خاصة وأن هناك اعترافا من حكومة المهندس محلب بلجنة الخمسين، وهذا واضح فى بيان رسمى اعترفت فيه الحكومة بأن اللجنة هى الوحيدة التى تصنع مشروع القانون المكمل للدستور بشأن الإعلام والصحافة، وهذا البيان موجود فى نقابة الصحفيين. ويؤكد نقيب الصحفيين يحيى قلاش أنه لو تجاهلت الحكومة جهد كل هذه الجهات المشاركة فى مشروع القانون فستكون مشكلة كبيرة، لأن انفراد وزير داخل الحكومة بمشروع قانون غير مقبول ولن نسمح بتمريره، وسنطالب الحكومة بتوضيح موقفها وعدم السماح بالخلط بين مشروع قانون ينظم أمورا مهنية وبين مواقف شخصية لبعض الوزراء من الإعلام. ولمزيد من التوضيح فقد كان الدكتور على عبد العال رئيس البرلمان عضوًَا فى اللجنة الوطنية ومشاركًا فى كل ما تم من مناقشات مشروع القانون، ويعرف أهمية المشروع الذى قدم إلى الحكومة. وقد تعهد د. عبد العال بشكل واضح لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين خلال لقائه بهم بأن البرلمان هو من يصدر القوانين وليس الحكومة، وأنه لن يسمح بتمرير قانون يخص الصحافة والإعلام بعيدًا عن أصحاب المهنة أو بالمخالفة للدستور. كما أن كل المؤشرات تؤكد انحياز الرئيس عبد الفتاح السيسى لحرية الإعلام، وأن يكون الصحفيون والإعلاميون هم من يصنعون القانون الذى يضبط مهنتهم، ونحن الآن نستغيث بالرئيس ليتدخل لحماية المهنة من محاولات البعض لتقييد الحريات. وفى النهاية لا أعتقد أن الحكومة - بعد تجربة قانون الخدمة المدنية - ستفرض قانونًا على الصحفيين والإعلاميين، فهو أمر مرفوض مقدمًا، والتوقيت ليس ملائمًا لاختلاق أزمات بلا جدوى. ونحن فى انتظار أن يتراجع الزند عن تصريحاته، أو يعلن أنه قد أُسيئ تفسيرها، كما فعل بعض الوزراء من قبل.. وأعتقد أن الانتظار لن يطول.